تحقيق: مجلة (صوت سورية) معرض دمشق الدولي الأول

صدرت مجلة (صوت سورية) في دمشق في مطلع عام 1954، وهي مجلة رديفة لمجلة (الشرطة والأمن العام) وقد استندت رئاسة تحريرها للصحفي الحلبي حسن عبد العال (1910-1982) وكانت تصدر عن الشؤون الاجتماعية للشرطة والأمن العام في سورية.

ونجد أن المجلة قد أصدرت عددها رقم (21) في أيلول من عام 1954، بمناسبة افتتاح معرض دمشق الدولي الأول، والذي مازال مستمرا حتى الآن وقد مضى على بدايته (53) سنة، وكتب على الغلاف (عدد خاص بمعرض دمشق الدولي)

حمل غلاف المجلة صورة تمثل متحف دمشق والتكية السليمانية مع اعلام الدول المشاركة في المعرض في سنته الأولى، وفي الداخل نجد صورة صاحب الفخامة الرئيس هاشم الأتاسي، وتليها كلمة معالي وزير العدل والاقتصاد الوطني أسعد الكوراني، ثم يلي ذلك وقائع حفلة افتتاح المعرض، جاء فيها:

(في الساعة الخامسة والنصف من مساء 2 أيلول 1954، احتفلت الحكومة السورية بافتتاح معرض دمشق الدولي برعاية صاحب الفخامة الرئيس الجليل السيد هاشم الأتاسي.

وافتتحت الحفلة بالنشيد السوري، ثم ألقى الدكتور خالد بوظو خطابا عن المعرض، وألقى صاحب المعالي الأستاذ أسعد الكوراني وزير الاقتصاد الوطني والعمل خطابا جمع سياسة سوريةالاقتصادية

وبعد ذلك قام فخامة رئيس الجمهورية وأصحاب الدولة والمعالي رئيس الوزارة  والوزراء ورؤساء البعثات السياسية وكبار المدعوين بتدشين الأجنحة العربية والأجنبية، وقد نشرنا على هذه الصفحات صورا لهذه الحفلة التاريخية)

وتحت عنوان (معرض دمشق الدولي دليل على تقدم سورية) كتب الدكتور خالد بوظو المدير العام لمعرض دمشق الدولي مايلي: ( في الثاني من أيلول شهدت دمشق افتتاح معرضها الدولي،وتظل شهرا كاملا تسرح الطرف مع زوارها الأعزاء من أبناء يعرب وأبناء الشرق والغرب، فيما تعرضه سورية من تحف ونماذج في كل منها عصارة من الجهد الفكري والذوق الفني، وفي كل منها رمز مصغر لنهضتها الحديثة ووعيها المتفتح، وكلما تطوف في أرجاء المعرض ترى فيه صور مصغرة، ولكنها حية ناطقة، عن شتى الفنون الصناعية في بلاد العالم، في كل سلعة وكل أداة، في آلات الإنتاج الثقيلة، كما في بضائع الاستهلاك الفاتنة فتكبر ما ابتدع الفكر الإنساني من وسائل وأسباب لمد الإنسان بالسعادة وتوفير الهناء والرغد له، وتشعر آنئذ بالفرق العظيم بين أن تلتقي الأمم على مثل هذا الصعيد المبدع المنتج الخصب، يسود فيما بينهما روح التسابق الحر الرياضي لخدمة بني البشر وبين أن تهجر شرعة الفكر والغيرة الاجتماعية، لتصطرع على أنقاض الحضارة ونحيب الإنسانية المتألمة.

حقا إن فكرة المعارض الدولية، إذ تستهدف تبادل المعلومات بين العاكفين على فراولة النشاط الاقتصادي في شتى ميادينه وفي مختلف أنحاء المعمورة، وإذ تتوق لترويج صناعات البلد العارض وتوسيع علاقاته التجارية لتحقق بصورة عفوية غرضا أسمى وأجل شأنا الإخاء العالمي الصحيح والتسامي عن الغرائز الأثرة والضغينة في سبيل تعاون مثمر ناجع، فإذا كان هذا شأن المعارض فما القول في معرض كمعرض دمشق لا يحبوا الإنسانية هذه الفرصة السانحة من التقارب فحسب بل يتيح لبني الأمم المختلفة أن يشهدوا بأنفسهم سمو الرسالة فحسب بل يتيح لبني الأمم المختلفة أن يشهدوا بأنفسهم سمو الرسالة العربية: رسالة الحق والخير والجمال وأن يقفوا بأنفسهم على ما بلغته النهضة العربية الحديثة من شأو بعيد في الفكر والفن وتحفزها، للمساهمة في بناء صرح الحضارة على أسس التعاون والتسامح والإخاء وينتزعوا من أذهانهم هذه الأراجيف التي بنشرها خصوم الإنسانية إذ يصورون العرب بصورة ابتدائية تتفكر لركب المدينة والتقدم.

بل ما القول في معرض كمعرض دمشق يقيم البرهان الساطع على أن سورية، ولما يمض على استقلالها عقد واحد من السنين تمد ذراعيها إلى العالم لتتبادل معه المنافع، وتدعو في سبيل ذلك إلى أرضها الطيبة الكريمة الأمم القاصية والدانية لتشهد ما تعرضه لها مما توصلت إليه جهود أبنائها في وثبتهم الحديثة الفتية، فهل بعد ذلك من ريب في حسن استعدادها لتقبل أفكار من بين الأمم؟

ولقد سمع العالم الكثير عما تعلقه الأوضاع الدولية الراهنة على منطقة الشرق الأوسط من شأن خطير في مناحي السياسة والاقتصاد، ولكن معرض دمشق لا يبلور أهمية هذه السوقة بتظاهرة حسية فحسب بل يرسم خطوط التطور التي طرأت عليها في ميدان التبادلات الدولية إذ انقلبت من مجرد سوق مستهلكة للبضائع الكمالية إلى سوق جد وإنتاج، ومن الخير أن يدرك العالم هذه الحقيقة ويعرف أنه أصبح من الخطأ الفادح معاملة هذه السوق بنظرة انتهازية أو استثمارية، وإن سورية مثلا تحتاج في نهضتها للآلة ولرأس المال الفني الثقيل لا للبضاعة المصنوعة المنمقة فلقد انقضى العهد الذي كانت فيه زخارف المنتجات الكمالية تملك على الشرقي لبه وأصبحت نظرته إلى المنتجات نظرة فكر وتفحص وتدقيق، وأصبحت الدوافع الكامنة وراء نشاطه هي في التزود من الوسائل التي تمكنه من الاستقلال في إنتاجه ومضارعة الغربي في ذلك.

لقد عرفت ذهنية الشرقي بتفتحها وإبداعها ولئن توالت النكبات على الحضارات الشرقية حتى ظن أن ذهنية الشرقي أصبحت محافظة اتباعية فقد آن الأوان أن يهب الشرق من رقدته وينشر أشعته المنيرة على العالم، ومعرض دمشق قبل كل شيء ظاهرة ممتلئة بالحياة تبرهن على هذا الانبعاث الجريء والشامل، بل هو يدل على أبعد من ذلك أيضا، يدل على أن تبادل بين الشرق والغرب أصبح تبادلا بين الند والند، في المنافع والحاجات، ولم يعد تبادليا يفرضه واقع القوة وترسمه حوافز التوسع الاقتصادي لمصلحة طرف دون الطرف الآخر.

ولئن كانت سورية دولة صغيرة في مواردها البشرية وإمكاناتها الاقتصادية وكانت مع ذلك تقف على قدميها فتؤسس لنفسها من الصناعات ما يكاد يفيض في بعض الأحيان على حاجاتها فليس هذا إلا تأكيدا لحقيقة استقلالها، واستقلال البلاد العربية وبرهانا على أن السيادة في البلاد العربية أصبحت تستند إلى معين كبير من السهر والدأب والعمل وبعد فإذا كان السوريون يعرضون هذه الفرصة على الأمم القريبة والبعيدة فما عساهم أن يجنوا من هذه الظاهرة؟

ليس أنفع للذهن المتوثب من الاطلاع وليس أبعث للمواهب الكامنة من الاحتكاك بما يبدعه الغير، وعلى هذا فالمعرض بالنسبة إليهم مدرسة زاخرة بالفوائد، يقايسون فيه بين ما ينتجه الغير ويقارنون بين ما يتخذونه من وسائل وما يتخذه الغير، ويتعاقدون مع الأجانب ليسدوا نقصا يشعرون به، ويتفقون معهم على ترويج صناعة يختصون بها وفي هذا الجو العامر بالصخب والحركة والتبادل يحققون لأمتهم الفرصة الذهبية التي ستعتبر فاتحة للخطوة التالية من خطى سورية الجبارة)