جمال قبش: لدينا الامكانيات والقدرة لاحتواء مسرح مهم

إيمان أبوزينة

في حوار صدر من القلب أراد الفنان السوري "جمال قبش" أن ينقل كل مافي رأسه من وجع كممثل مسرحي عما واجهه في حياته، ودراسته، وعمله في هذا المجال فكان الحوار التالي:

*درجة الدكتوراه التي حصلت عليها من فرنسا كانت سبباً في عودتك إلى سورية رغم علمك المسبق أن المسرح فيها لايوازي المسرح هناك فهل تعتبر ذلك مجازفة خاسرة؟

**عندما تم إرسالي إلى فرنسا للحصول على شهادة الدكتوراه في المسرح وتحديداً في "تدريب الممثل" كان الهدف أن يكون هناك كادر من المختصين في هذا المجال نظراً لعدم وجود إختصاصيين إلا بالإخراج، لذلك بحثت وعملت جاهداً كي أتجاوز مصاعب اللغة في السنة الأولى  بسبب إصراري على تعلم ذلك الاختصاص ماشجعني على أن أقدم عرضاً مسرحياً بعد سنة واحدة من ذهابي إلى هناك.

في جامعة السوربون كان عدد الطلاب كبيراً إلى الحد الذي جعلني أشعر أنني يجب أن أبحث عن مكان آخر أدرس فيه هذا الفن بعيداً عن متابعة الدراسة الأكاديمية، فذهبت إلى مدينة "ستراسبورغ" التي تعد العاصمة الأوروبية للفن المسرحي وانتسبت إلى "المدرسة العليا للفنون المسرحية" فيها وبقيت هناك ثلاثة أشهر تعلمت خلالها الكثير عن المسرح خاصة بوجود خليط من الثقافات الأوروبية للطلاب الذين يحملون جنسيات مختلفة.

آنذاك طلب مني مدير المدرسة أن أعطيه فكرة عن المسرح في سورية مع اسمين هامين في المسرح السوري لأنه أراد أن يعمق العلاقة بين مدرسته وبين المعهد العالي للفنون المسرحية في "دمشق"، وكان أن قدم إلى سورية وحضر أكثر من عرض مسرحي مادعّم موقفي أمامه كطالب يدرس في مدرسته،  وكان عميد المعهد العالي في دمشق آنذاك  الدكتور"غسان المالح "الذي كان أول من أسس لمسرح حقيقي من الناحية الأكاديمية.

كان من المقرر أن تكون منحتي للدكتوراه لاتتجاوز الخمس سنوات، لكني بقيت في فرنسا مايقارب العشر سنوات مااستدعي حضوري الفوري إلى دمشق لاستلام عملي لكني لم أتعين في المعهد إلا بعد ستة أشهر من قدومي دون أي منصب، في الوقت الذي تصورت أنني سأكون الأكثر ملائمة لاستلام منصب تدريسي هام بعد كل التعب والدراسة في فرنسا، وبدلاً من ذلك علمت أن هناك من تم تعيينه مكاني ولم يكن اختصاصياً، فاضطررت إلى السفر بأمر إداري إلى السعودية التي لم تكن تملك أصلاً مسرحاً أو حياة مسرحية فبقيت هناك لمدة ثلاث سنوات.

عند عودتي إلى سورية من باريس ندمت كثيراً لهذه العودة لأني لم أجد تقديراً لدراستي وجهدي في العشرة سنوات التي عشتها ، وأنا أحمل كل مسؤول أو صاحب قرار عن هذا المستوى الذي نعيشه في المسرح وفي المجال الثقافي.. بلدنا بحاجة لمن يحمل راية المسرح فيها لأن هناك رواداً تعبوا من أجل ذلك، وأنا بدوري أردت أن أزرع بذرة تحتاج لرعاية وعناية بعد تلك الدراسة الطويلة، ولن أجد تكريماً حقيقياً إلا حين أعود للتدريس في المعهد.

 

*تأسست المسارح الفرنسية خارج باريس لتقريب المسرح من الشعب، هل تعتقد أن تلك السياسة  كانت سبباً مشجعاً لارتياد المسرح، وهل من الممكن أن ينجح ذلك في بلادنا؟

**المركزية في المسرح في سورية كانت سبباً هاماً في عدم إيجاد مسرح حقيقي، فلو عدنا إلى تاريخ المسرح في أوروبا لوجدنا أن فكرة اللامركزية ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية مادعى إلى الاهتمام بالمسرح هناك. أما في بلادنا فإن حصر المسرح في العاصمة أضعف أهميته، وأنا أعتقد أن انطلاقنا من كل منطقة في كل محافظة سيوجد مسرحاً مهماً في كل أنحاء القطر، وسيعود الألق إلى المسرح من جديد..

* في ظل الشحّ القائم في المسرح، وفي ظل الكثير من الهمّ الفكري، كيف يمكن أن نشارك في تأسيس مسرح يفرض قوة وحضوراً ويتناول قضايا هذا الهم؟

** نحن لدينا الامكانيات والقدرة لاحتواء  مسرح مهم، ولدينا أيضاً مفكرين وخريجين ممتازين من المعهد، لكن طالما أننا لن نجمع فريقاً يتمكن من إعادة الحيوية للعروض المسرحية فإننا  لن نبني مجداً للمسرح. لقد عرف "أبو خليل القباني" وقبله المسرحي اللبناني "مارون النقاش" أن المسرح يحتاج إلى كلمة غنائية كي يبتعد عن الكلمة الجافة لذلك كانت أهمية المسرح الغنائي رغم كلفته العالية، إلا أننا في سورية لن نستطيع فعل ذلك طالما أن الكثير من الأمراض النفسية، والجهل يسيطران على كل مسؤول عن المسرح.

دعيني أخبرك عن مثال بسيط وهو مجلة "الحياة المسرحية" التي صدرت أيام الكبار: "سعد الله ونوس" و"فواز الساجر"  في الستينيات والسبعينيات وكان هدفها نبيلاً وصادقاً، ولو أردنا أن نعرف ماذا حلّ بهذه المجلة في أيامنا هذه لوجدنا أنها أصبحت مجلة روتينية من منشورات وزارة الثقافة، ولم يعد لها أي أهمية تذكر.

هناك مثل فرنسي يقول:"عندما يحلق الأغبياء فإنهم يخفون الشمس"، لذلك لن تحلّ مشاكل المعهد المسرحي في بلدنا طالما أن هناك أمراضاً نفسية يحملها أصحاب الشأن عن المسرح.

إن الاحباط الموجود في أغلب القطاعات الثقافية سيزيد من مشاكل المسرح، وكي نحافظ على سمعتنا كسوريين لن يكون هناك حل حقيقي إلا بالحوار العملي والانساني، لكنه مفقود للأسف في الدوائر عموماً.

 

 

* كونك تعمل ممثلاً في التلفزيون أيضاً، هل تعتقد أن بعض الانتاجات السورية في الدراما قد خرجت عن ارتقاء النوعية والجودة، ولماذا؟

** للإجابة عن هذا السؤال يجب أن نسأل أولاً: لمن نوجه هذه الأعمال الدرامية؟

ومع ذلك فنحن ضمن إمكانياتنا المتوفرة والمتاحة استطعنا أن نحقق شيئاً في الساحة العربية من خلال الانتاج الخاص الذي استطاع إيجاد  آلية عمل انعكست إيجابياً على الانتاجات الدرامية. أنا أحب أن أقول شيئاً مهماً هنا هو أننا الآن بحاجة لاقتحام الساحة الفنية الأوروبية خاصة على صعيد السينما طالما أننا نملك الامكانيات  الانتاجية، والفكرية، والعملية من خلال الرواد والخريجين الممتازين.

*هل استطاعت الدولة برأيك أن تدعم الانتاجات الدرامية المحلية  من خلال إنشاء مؤسسة الانتاج التلفزيوني والاذاعي بعد عام على إنشائها؟

** لقد حاولنا جاهدين أن نخرج من البيروقراطية الموجودة، ووصلنا إلى مرحلة الاستقلالية عن التلفزيون، ومع ذلك نحن بحاجة لقوانين "لحظوية" لابتكار قوانين تدعو للابداع الدائم.

حتى الآن لم نستطع أن ننتج صناعة جيدة على الساحة الصناعية، إنما نتأمل خيرا من هذه المؤسسة.

 

* لماذا لاتحرص دور العرض المسرحي على تقديم عروض  دورية لمسرحيات  مهمة  من تاريخ المسرح العالمي فتقدم  بذلك مسرحاً يبقى الزاد الاكبر للناس لدوره المؤثر في إيجاد جماهير واعية بعصرها وظروفها التاريخية؟

** عندما تأسس المسرح القومي كان ذلك للحفاظ على ثقافتنا من جهة، ولإلقاء الضوء على ثقافة الآخر من جهة ثانية، وكانت أغلب العروض في بدايته تقدم من الأدب العالمي لأننا كنا بحاجة للاحتكاك لأن دور المسرح هو الوصول إلى هذا الاحتكاك. في الستينيات كان جمهور المسرح  مهماً جداً وكنت تلاحظين ذلك من خلال الاحترام لخشبته سواء  من حيث اللباس أو الالتزام بموعد العروض، أما في السبعينيات فصار هناك مهرجان لهذا المسرح، وأصبح لدينا حياة مسرحية حمل رايتها رواد مسرحيون هم "شريف خزندار" ، و"رفيق الصبان" ، و "أسعد فضة" و "غلي غقلة عرسان" و"خضر الشعار".

لقد حاول كل من "شريف شاكر" و "سعد الله ونوس" و"الدكتور "فواز الساجر" تأسيس بنية تحتية لمسرح طليعي، ومسرح تجريبي عال يذهب إلى أعماق القرى البعيدة والقريبة لكن ذلك الحلم ذهب مع رحيلهم..!

نحن إذا لم ندعم الفنان السوري لتقديم عروض مسرحية ثقافية هامة فإنه للأسف سيترك المسرح.

*لماذا يتعثر المسرح السوري "حسب رأيك" حتى الآن في تشكيل تواصل حقيقي بين الفنان والجمهور؟

**الأمر مرتبط بالتواصل بين الجهات المعنية والغير معنية الحريصةعلى أن يكون هناك تواصل، وهذا لن يحدث بوجود قطيعة بين الجمهور والمسرح، بين هموم هذا الجمهور وهموم الشارع. المسرح لايمكن أن يوجد دون جمهورلأنه خلاصة المجتمع ونتاج حضارتها، وبالتالي نحن بحاجة لتقديم تسهيلات من كل الوزارات المعنية ثقافياً للمساعدة على هذا التواصل. لو فكرنا قليلاً بالمشاكل التي تعترض هذا التواصل لوجدنا أن نوعية المسارح الموجودة في بلدنا لوجدنا أنها مسارح غير مريحة للجمهور كي يتشجع على القدوم، كذلك الأمر بالنسبة للصراع القائم بين المسرح والتلفزيون. ففي الخارج مثلاً تجدين أن التلفزيون لايعرض أية مواد مسلية في عطلة نهاية الأسبوع كي يسمحون لجمهور المسرح للذهاب ومشاهدة العروض، فإذن التفاعل تشاركي لأنه لايمكن أن يكون هناك جو ثقافي فقط بوزارة الثقافة. المسرح مكان للحوار ونحن بحاجة للحوار، وبحاجة للمسرح.

 

يذكر أن الفنان "جمال قبش" :

مواليد دمشق 1957

يحمل الجنسية السورية والفرنسية

خريج الدفعة الأولى للمعهد العالي للفنون المسرحية 1981

خريج المدرسة الوطنية العليا للمسرح ستراسبورغ- فرنسا 1987 – 1990

ماجستسر في الدراسات المعمقة في المسرح – فرنسا 1989 – 1990

دكتوراه في المسرح من جامعة العلوم الانسانية – قسم المسرح – فرنسا 1994

عضو في المسرح القومي

عضو نقابة  الفنانين السوريين منذ عام 1982

أستاذ مساعد في قسم الاعلام – جامعة الملك سعود - الرياض