رانيا كرباج: الحراك هو الأصلُ الذي يتفرّع عنهُ أي عمل إبداعي

إيمان أبوزينة

تربكك بحفاوتها واستقبالها النديّ للدرجة التي تعتقد أنك أنت الضيف وهي المضيف، وحين تبدأ الحديث معها يريحك هذا الهدوء الذي يسكنها فتنقله إليك كما ألوانها، وجمال وجوهها، ودفء كلمتها.

"رانية كرباج" التي التقتها "المفكرة الثقافية" بتاريخ 7 أيلول 2014 استطاعت أن تفرض وجودها كفنانة تشكيلية وكشاعرة في الوسط الثقافي كي تتنوع الأسئلة لنعرفها أكثر، ولنقترب من عالمها أكثر:

*كيف يلتقط الفنان اللحظة المناسبة للبدء في الرسم، وكيف يسقطها على لوحته؟

 **اللحظة المناسبة للرسم أو لحظة هبوط الوحي كما يقولون هي تلك التي يصل فيها الفنان إلى ترجمة ذاته بما تنطوي عليه من فكرٍ و إحساسٍ و غريزة عبر لغة الخطوط والألوان و تحويلها إلى عمل فني. وطبعاً هذه اللحظة ليست مجانية، فهي وليدة خبرته ومعرفته في مجال الرسم، كما أنها وليدة صراعات طويلة يعيشها بين ما يريد هو من تلكَ المساحة البيضاء و بين ما هو موجود سابقاً في عالم التشكيل لتأت  اللحظة المضيئة تلك التي يتدفق فيها الفنان بكلّيته على سطح اللوحة كنبعةٍ وجدت أخيراً طريقها إلى سطحِ الأرض.

*نرى المرأة في لوحتك وكأنها نموذج مثالي متكامل،  فهل تتمنينها هكذا، أم هي كذلك بالفعل؟

 **أحاول أن ألتقط اللحظة الجميلة وأجسدها، والجميلة بمعنى الصادقة التي أصلُ فيها إلى حلّ صراعاتي وقلقي والتصالح مع ماحولي ومن حولي لتشفَّ روح صافية و تصبغ أعمالي بتلكَ النزعة المثالية. وهذا لا يعني أنّني هكذا دائماً أو أن المرأة بشكل عام هي كذلك، أنا ببساطة أحاول أن أصل إلى ضفّة الخير والجمال وأرتوي كي أستطيع أن أزوّد من حولي ببعضٍ من هذا الماء.

*من يقرأ كلماتك شعرا سيتوقعك تلك المرأة في لوحاتك... ماذا تقولين في ذلك؟

**يستوي ما قلته سابقاً عن تجربتي بالنسبة للشعر أيضاً،  فأحاول أن أكتب في المرحلةِ الأكثر صفاء تلك المرحلة التي تستطيع أن ترى فيها الأشياء أكثر بريقاً، والكون والكائنات أكثر محبة، ليس انطلاقاً من التعالي عن الواقع أو تجاهل قباحته في كثيرٍ من الأحيان، بل لأنني على قناعة بأنّ تلك اللحظات هي الحقيقة الأقرب لسبب وجودنا، وما نعيشه من حزنٍ و ألمٍ ليس سوى نتيجة أفكارنا المشوّشة و المشوّهة عن الحياة.

*تناول البعض لوحاتك بنقد لاذع، كما تناولها آخرون بتشجيع مميز، بماذا تردين ؟

**أشكر من يشجّعني لأنه يساعدني على محبة ذاتي والإستمرار في العمل والنمو، كما أشكر  من ينتقدني لأنه يدفعني إلى رجم هذه الذات و الخروج منها من أجل مزيد من البحث وبالتالي النمو.

*الحركة والهدوء ايقاعان متلازمان في لوحتك، وفي شعرك، فإلى أي حدّ ينعكس ذلك في واقعك مع كل انتاج جديد؟

**طبعاً الإبداع قائم على الهدوء و التبصّر أحياناً، والحركة والعمل أحياناً أخرى، وهذا ينطبق على واقع الفنان الذي ينكر نفسه باستمرار ليعيش مرحلةً من الكمون والسلبية تنتهي غالباً بولادة أفكار ورؤى جديدة تحاول أن تجد طريقها إلى النور عن طريق الفعل الإبداعي.

*يقال إن الشعر هو تمهيد لرؤى وأفكار تتشكل في اللوحة، فهل يمكن أن نرى لك حلما تشكيليا جديدا في ديوان شعري جديد؟

** يتشابه الشعر والرسم بأنهما محاولة لترجمة أنفسنا وعالمنا سواء من خلال الصورة أو الكلمة، وأعتقد أن كليهما ضروري بالنسبة لتجربتي مع أن لكلٍّ أدواته، ولكن هذا الحراك المستمر في داخلي والذي أحياناً لا يكتفي بالكلمة ويبحث عن تجسّد جديد في الخطوط والألوان، ومن ثمّ يعود ليجد في القصيدة عالماً مرناً يعينه على نسج قدرِ ما يشتهي من صورٍ وأنغام وأفكار، هذا الحراك الذي لا يكتفي إلا باستحضارِ الكلّ ومن ثمّ القفز فوقَ الكلّ، هو الأصلُ الذي يتفرّع عنهُ أي عمل إبداعي.

*كيف يمكن تجسيد فلسفة جمالية من خلال التشكيل حسب تجربتك؟

**بقدر ما نبحث عن نفسنا الصادقة والبسيطة بعيداً عن الأقنعة والنماذج الجمالية المسبقة الصنع ونجسّدها، بقدر ما نساهم في خلق فلسفة جمالية أكثر تعبيراً عن واقعنا، ففي عصر التقنية القادرة على إبهارِ بصائرنا بصور وتركيباتٍ جمالية غاية في الإتقانِ والروعة،  يبقى الفن وحده قادراً على إبهار بصيرتنا.

*هل فكرت بإنتاج أعمال من البيئة الحلبية مما ترسب في ذاكرتك من عادات وتقاليد المدينة التي تنتمين إليها؟

 **صحيحٌ أنني لم أقم بتصوير البيئة الحلبية في أعمالي، لكنّني أعتقد بأنّني وإن تأثّرت بكل ما تسنّى لي أن أطّلع عليه من الفن العالمي ونتاج الحضارات المختلفة ، إلا أن "حلب" بعراقتها وإرثها الحضاري الغني كانت البوابة الأولى التي فتحت مخيلتي على كل ما هو جميلٌ و أصيل.

*هل تؤمنين بالحظ؟ وماهي مفاتيح النجاح للبدء في الطريق الصعب الذي نختاره لعملنا؟

**طبعاً أؤمن بالحظ لكن ذاك الذي يأتي كثمرة لعمل وجهد طويلين، فهناك دائماً على الطريق إشارات تحمل في طيّاتها بعضاً من حظنا،  وماعلينا سوى أن نمتلكَ البصيرة للإحساس بها والسعي إليها، أما النجاح فبقدر ما نسعى إليه بقدر ما نفقده، الأهم أن نكون قادرينَ على العطاء والإستمتاع، وعندها سنحيا في عمق لحظات وجودنا، وفي هذا العمق سنجد كل ما نصبو إليه بما في ذلك النجاح.