رقصة المولوية

علاء الجمّال

يُعدّ الرقص الصوفي "المولوية" من الطقوس الفريدة في العالم التي تستقطب الوفود السياحية والحضور المحلي، وتعود في أصلها إلي العالم"جلال الدين الرومي" المولود في "أفغانستان" منذ 800 سنة تقريباً، وبدوره أدخلها الشيخ "عمر البطش" إلي "سورية" بعد أن مهر في تنفيذها.

أخذ هذا اللون من الرقص بالتزايد والانتشار فبات له منشدون متخصصون بالموشحات الدينية والأندلسية أثناء الحفلات وبعد صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، ومن طقوس هذا الرقص أن يدور المولوي حول نفسه بسرعة منسجماً مع تلك الأناشيد والموشحات مؤدياً حركات الدعاء والتحية والشكر بيديه وجسده.

و"للمولوية" والإنشاد حضور في المطاعم الشرقية القديمة في مناطق "القيمرية وباب شرقي وباب توما والنوفرة"… وغيرها من أحياء دمشق القديمة.

 

 

للتعرف إلى خصوصية المكان زار موقع المدونة أحد القصور الدمشقية القديمة التي تحولت إلى مطعم دمشقي وعلمنا أن عمر القصر يعود كما أوضح تاريخه إلي 1400 عام، وهو من قصورالخلافة الأموية وتحول منذ عقدين إلي مطعم ذي مائدة مفتوحة بصورة دائمة على الغداء والعشاء، ويتميز بمقتنياته الأثرية، أهمها الفرس الرخامي الصيني والمجوهرات البدوية والأسلحة والخزفيات والعاجيات، ويعود أصلها إلي العصر"الأموي والعباسي والفاطمي والمملوكي"، وتشكل في الصالة متحفاً أثرياً يستقطب الزائرين والمجموعات السياحية الوافدة.

طعام يوزع على الفقراء والمساكين

أما الطقوس الرمضانية فتقام في صالة المطعم، وهي قاعة تحت الأرض بمسافة طابق واحد، ما هو إلا مستوى الأرض الحقيقي الذي كان في تلك العصور وتبقى طيلة الشهر، يصاحبها العزف الشرقي علي الدفوالعود والقانون وأحياناً الدبكة الشعبية والعارضة الشامية والعرض بالسيف والترس..

وفيه وجبات الطعام، التي تزيد على 40 نوعاً من الأطباق الساخنة الخفيفة مثل الشوربات والسلطات، والأطعمة الدسمة مثل "الشاكرية والباسمشكات"، وهي أكلة شعبية قديمة تتكون من الأرز واللحمةالمحشوة باللحم الناعم والبصل والصنوبر، إضافة إلى المقبلات الباردة والحلويات والفواكه .

الملفت في نظام العمل، أن الفائض من الطعام ومرتجع الوجبات لا يرمي أو يتلف كما تفعل بقية المطاعم، وإنما يجمع ويوزع علي الفقراء والمساكين وعابري السبيل واليتامى.

حول "المولوية" قال السيد "ماهر الجمل": «ورثنا الرقص الصوفي عن آبائنا وأجدادنا، وعملنا عليه كرمز للتوحد مع الخير والصفوة الإلهية ولا زال تراثاً دمشقياً محبباً للجميع وله خصوصيته ومكانته». وأضاف: تؤدى الرقصة بشكل دائري وفق طريقة الحجاج في "مكة" المكرمة حيث يطوفون حول الكعبة باتجاه معاكس لعقارب الساعة أشبه لحركة الكواكب في السماء.

وفيما يتعلق بالزي التراثي المخصص لأداء المولوية، قال:«يتألف اللباس منتنورة بيضاء تمتد حتى أسفل الساقين، و يثبت على الخصر حزاماً أحمر اللون،  ويرتدى فوقه جاكيت أبيض اللون، والطربوش عليالرأس.

 

الطقس الديني للمولوية

للإنشاد دور في منح الطقس الديني أداءً رفيعا، حول ذلك قال المنشد السوري"محمود برهان": «للطرب الديني تأثيره في النفس، إنه يبعث على الهدوء والسكينة ويبعد القلق والريبة، وهو ظاهرة محببة لدى الدمشقيين وللوفود السياحية الزائرة للمطعم، حتى أنهم يقابلون العرض والموشحات التي يسمعونها بالتصفيق والثناء، كونه من الفنون التراثية الراقية في "دمشق"».      

وفيما يتعلق بالموشحات الدينية، قال:«بدأت الإنشاد منذ عام 1992، ثم انتقلت إلى الموشحات الدينية والأندلسية في عام 1998، ولم أزل مواظباً على أدائي واهتمامي بالعمل. أما الموشحات التي أنشدها منها وصلات "البيات" و "هلّ من قد صورك" و يا "فاتن الغزلان" و القدور الحلبية.

وقال السيد "محمد البستوني" أحد المسؤولين عن المكان:«الرقص المولوي من أجمل الفنون الصوفية، كونه تراث شعبي لدى السوريين، وله طابع روحاني يسمو في لغة التعبير بحركات الجسد».

وأضاف:نحتضن اللون الصوفي منذ أكثر من 20 عاماً، وجميع زائري وضيوف"القصر الأموي" يأتون للتمتع برؤية المقتنيات الأثرية والتفرج علي المولوي وسماع الألحان الطربية،  فتتأجج مشاعرهم وتعلو أصوات انفعالاتهم وحركاتهم المعبرة عن الدهشة والاستغراب.

 

الجدير بالذكر أن المولوية ترجع إلى مؤسسها "جلال الدين الرومي" الفارسي الأصل وقدمها في عام 1207، وهو الشاعر الذي نظم غالبية الأشعار الدينية التي كانت تتغنى بها فرق المولوية في حلقات الذكر الصوفي الخاصة بها، ولما حققته هذه الطريق من شهرة وجماهيرية وتزايد في عدد أتباعها أنشئت مساجد خاصة بهذه الطريقة كي تقام بها حلقات ذكر المولوية كمسجد المولوية في حلب ومسجد المولوية بدمشق.

وعادة ما كانت تبدأ حلقة ذكر المولوية بتلاوة القرآن ثم تلقى بعض الابتهالات والأدعية، ثم يقوم أحد الدراويش بإلقاء الشعر على أنغام الناي؛ ومن ثم يقوم باقي الدراويش ويبدءون بالدوران بشكل متمايل راقص.

والمولوية في الأصل هي إحدى الطرق الصوفية، وسميت بذلك اشتقاقا من كلمة المولى أو مولانا، وهي من أولى الطرق التي أدخلت الموسيقى والرقص بالدوران في حلقات الذكر.