"شاكر العيسمي المعرفة تغني المخزون الجمالي لدى الإنسان

تناغم اللون يخلق الرضا في الذاكرة المكانية

علاء الجمّال:

"شاكر العيسمي" مهندس سوري باحث في علم الديكور، وتناغم مفردات الجملة البصرية في الفراغ الداخلي للمكان"الكتلة واللون والإضاءة"، وخلال خبرته في العمل، كوَّن لانسجام الكتل في الفراغ علاقات لونية جديدة تنم عن ذائقته في خلق الجمال الهندسي والبعد التأثيري فيه.

المفكرة الثقافية التقت المهندس "العيسمي" وكان هذا الحوار  مستوفياً منه رؤية معمقة حول ميزات الديكور المنزلي كفن إحداثي وتطبيقي، وذلك بعد زيارته في /13/11/2008/ بمنزله في منطقة جرمانة "بدمشق"..   

ــ ما رؤيتك بداية للديكور المنزلي؟ والجملة البصرية التي تشكل الفراغ داخله؟

الديكور: هو إيجاد علاقة هندسية حيوية بين الفراغ وموجوداته أو ما نريد إضافته إلى هذه الموجودات بما ينسجم مع خطوط وزوايا هذا الفراغ، فهو بالنهاية جملة بصرية نخلقها فناً في هذا الفراغ، تتألف عناصرها من "لون وكتلة وإضاءة" بتناسق هندسي وتناغم بين الألوان، يعتمد في الدرجة الأولى على انسجام الخطوط أو الكتل مع الفراغ الموجودة فيه.. وقد يكون هناك احتمال لوجود عدة مجموعات من الألوان ضمن رؤية معينة تختلف من مهندس لآخر، قد تنبع من حبه للون معين أو لمجموعة ألوان أو ما يقتضيه شكل وعلاقة هذه العناصر بعضها مع البعض الآخر، كل هذا يجب أن يلتقي مع عنصر أساسي أولاً وهو وظيفة الفراغ أي التوزيع الهندسي الداخلي الصحيح لأقسامه سواء كان منزلاً أو متجراً أو مشفى..  

ــ كيف تتعامل مع الفراغ الداخلي للمنزل؟

أحياناً يكون تشكيل الفراغ الداخلي للمنزل واقعاً مفروضاً على المهندس، وهذا يخلق صعوبة معينة أمامه تحد من قدرته على التشكيل الفراغي، فتكون مهمته إضافة عناصر جديدة إليه من خطوط أو كتل تزيد من جماليته، أو يضطر إلى إلغاء شيء منها، وذلك يعود إلى قدرته وبراعته.. وأحياناً يكون الفراغ حرّاً بين يدي المهندس بما يعطيه إمكانية أكبر للخلق الفني، ويسمح له بتشكيل خطوطه وكتله كيفما يشاء، والعنصر الأهم في هذه المسألة إيجاد العلاقة الوظيفية المتكاملة لهذا الفراغ

ــ علاقة اللون مع الفراغ متى نشعر باكتمالها وظيفياً وجمالياً؟

الانسجام بين عناصر الديكور والعناصر اللونية التي يحدثها الفنان أو المهندس تساعد في كثير من الأحيان على خلق جو من الراحة والهدوء نفسي، وبالتالي توالد شعورية الرضا في الذاكرة المكانية بالمنزل، من هنا يمكننا القول: أن علاقة اللون مع الفراغ حققت الهدف المراد منها وظيفياً وجمالياً.

اختيار المجموعة اللونية

ــ مسألة اختيار المجموعة اللونية في الديكور المنزلي على ماذا تعتمد برأيك؟  

ليس هناك قاعدة ثابتة في اختيار ألوان الطلاء أو الفرش.. وإنما الأمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بذوق الفنان أو المهندس طبعاً بما يتناسب أحياناً مع ذوق صاحب العمل فيما يردي تنفيذه منزلاً كان أو مكتب..  فكل لون موجود في الطبيعة هو لون جميل، له خصوصيته وكل علاقة بين لونين أو أكثر أو بين عدة مجموعات من الألوان هي علاقة حيوية من حيث المبدأ، ولكن تختلف قدرة الاختيار لهذه المجوعات في هذا المكان تحديداً من مهندس لآخر، رغم أن الاختيار ممكن لأكثر من مجموعة في نفس الفراغ أو الديكور.. وأحياناً يعتمد المهندس في اختيار مجوعة الألوان على تناقضها مع بعضها البعض من جهة، وعلى انسجامها مع  بعضها البعض من جهة أخرى، وأعود هنا بالقول: ما من قاعدة ثابتة في موضوع اختيار اللون، ولكن هناك عنصراً مهماً في هذا الموضوع، وهو "المعرفة" فكلما زاد اطلاع المهندس على تجارب الآخرين زادت معرفته وتوسعت مداركه.. وهذا أيضاً ينطبق على المتلقي أي صاحب المشروع، فالمعرفة عملية تراكمية تضيف أبعاداً جديدة في كل مرة إلى المخزون الجمالي لدى الإنسان.   

ــ كيف يمكننا خلق عنصر لوني جديد يحقق تناغم الجملة البصرية في المنزل؟

لو عدنا بالزمن قليلاً إلى الوراء نجد اعتقاداً سائداً، مفاده أن ألوان السيراميك في الحمامات يجب أن تكون زاهية فاتحة مائلة إلى البياض. أما اليوم إذا أضفنا عنصر الزمن والتطور في المدارك، وما يعكسه هذا التطور على معرفتنا وذوقنا نجد أنه أصبح هناك العديد من الألوان في السيراميك ومعظمها من الألوان الداكنة أو الغامقة "كحلي، خمري، أسود، رمادي"، وعدم تقيد المهندس بنظريات لونية ثابتة وجاهزة يعطيه ذلك مجالاً أكبر في عملية اختيار مجموعات الألوان التي يراها مناسبة.. وهذا يؤدي إلى خلق جديد في أهم عنصر من عناصر الديكور، وهو اللون.  

مؤهلات الخلق والإبداع

ــ ما العوامل التي يجب أن تتوفر لمهندس الديكور حتى يأخذ دوره ومكانته العليا في العمل؟

لم يأخذ مهندس الديكور في مجتمعنا دوره ومكانته بعد.. والسبب يعود إلى عدم قدرة المجتمع على استيعاب مفهوم الديكور، وفهم  دور مهندسه  بشكل صحيح، فلا زال هناك خلط بين دور المهندس المدني والمعماري  والديكور، علماً أن فن الديكور اختصاص قائم بحد ذاته، ويختلف عن الهندسات الأخرى.. ولكلٍّ في مجاله دور وفعل لا يمكن إغفاله في عملية البناء الحضاري والجمالي لأي مجتمع، وبما أن مجتمعنا في طريق التطور فإنه يحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يصل إلى المفهوم الصحيح حول وظيفة مهندس الديكور، فإذا منح المهندس أهمية أكبر من حيث المشورة وحرية التصرف في العمل والتصميم، فهو بالتأكيد سيأخذ مكانة عليا ويمتلك حرية أكبر تبعد عنه القيود التي يفرضها المتلقي، وهنا تصبح مؤهلاته أكبر للخلق والإبداع.    

ــ الثقافة الاجتماعية عنصراً معوقاً أو مساعداً في مسألة انفتاح الديكور؟

كلما كان المهندس على مستوى ثقافي رفيع، ساعده ذلك في إقناع الآخرين بما يمتلكه من حس فني هندسي، وكلما تمتع المتلقي بثقافة رفيعة استطاع عبرها تفهم وجهات النظر لمهندس الديكور فيما يريد خلقه وإبداعه، أي أنه يتوجب إيجاد علاقة صحيحة بين فكر المهندس الإبداعي ورغبات صاحب العمل.   

ــ الديكور إذاً يفوق الفنون الجميلة حساسية ودقة؟

 بالـتأكيد بل هو أصعب الفنون الجميلة وأكثرها حساسية ودقة لأنه نحت للفراغ، وعلى المهندس هنا أن يتعامل مع الأبعاد الثلاثية للهندسة الفراغية، وإحداث كتل وخطوط جديدة في الفراغ لتشكل في النهاية عملاً هندسياً فراغياً تتكامل معه العناصر جميعها "الكتلة واللون والإضاءة".

إنجاز ينم عن ذوق رفيع

حول أعمال المهندس، قال مهندس الديكور السوري "ياسر الصالح": «"شاكر العيسمي" حالة من الحالات الإبداعية في "دمشق"، فقد سخر موضوع اختصاصه كمهندس ديكور في خلق تصاميم هندسية رائعة ضمن مجال العمارة الداخلية، وأثبت قدرته الكاملة على فهم الفراغ والعلاقات الهندسية الداخلية».

وأَضاف: «المميز في عمله كمهندس أنه صاحب ذوق رفيع في اختيار المجموعات اللونية وشكل الكتل، التي تضيف إلى الفراغ حسّاً فنياً يجعل المكان سيمفونية لونية هندسية عذبة التناغم،  وساعده في ذلك تفوقه  أثناء دراسته في كلية الفنون بجميع اختصاصاتها فضلاً عن قسم "العمارة الداخلية"».

ببلوغرافيا المهندس

ولد "شاكر العيسمي" في "السويداء" عام/1967/، تخرج في كلية الفنون الجميلة قسم "الديكور" ـ جامعة "دمشق" عام /1993/،عمل منذ تخرجه في مجال الطباعة والإعلان إلى جانب الديكور، وله في ذلك باع طويل وفكر إعلاني متميز، كما أنه مصور زيتي موهوب منذ البدايات، قبل دخوله كلية الفنون.