صحفي وصحافة- عبد الرحمن الكواكبي

اعداد الدكتور مهيار الملوحي

ولد عبد الرحمن الكواكبي في حلب عام 1854، وتوفي في مصر عام 1902. كان والده أمين الفتوى والمدرس في الجامع الأموي في حلب، توفيت والدته وعمره خمس سنوات، فاحتضنته خالته في انطاكية، وعنيت بتربيته وتعليمه وعاد الى حلب وهو في الحادية عشرة ليدخل المدرسة الكواكبية التي كان أبوه الشيخ أحمد بهائي ابن مسعود الكواكبي مديرا لها.

 تعلم اللغة التركية والفارسية، وكان مولعا بكتب التاريخ والسياسة والاجتماع، توظف بديوان المعارف في حلب، وعمل محررا في جريدة (فرات) الرسمية التي أسسها الوزير التركي أحمد جودت باشا والي حلب سنة 1869، وقد عمل فيها عبد الرحمن الكواكبي منذ عام 1874حتى عام 1877، وفي ذلك العام أصدر جريدته الخاصة (الشهباء) وهي أول جريدة أهلية تصدر في حلب، وكان صاحب امتيازها هاشم العطار وكان الكواكبي صاحبها ورئيس تحريرها وصدر عددها الأول في 10/5/1877 في أربع صفحات من القطع المتوسط، وتوقفت بأمر من الوالي كامل باشا القبرصي بعد صدور العدد الثاني، ثم عادت للصدور لتتوقف ثانية، وفي المرة الثالثة عطلت وحجز على مكان طباعتها، ووضعت تحت الحراسة لما كانت تنشر من مقالات جريئة بقلم صاحبها ورئيس تحريرها عبد الرحمن الكواكبي، ولم تصدر ثانية إلا بعد أن جاء وال جديد إلى حلب في عام 1879 وهو مظهر باشا، فأصدرها الكواكبي باسم (الاعتدال)، وكتب حول ذلك في العدد الأول من (الاعتدال) الصادر في 25/7/1879 ((أما حضرة دولته مظهر باشا فإنه منذ تشريفه لازال يبذل لها عواطف التنشيط والتشويق والوعد بالمساعدة والحماية وامتلاك الحرية، مصرحا بأنها إن وجدت في أعمال واجراءات دولته نفسه ما يقتضي التنبيه أو التنديد، يسره أن يراها غير متحاشية من ذكره الخ...)).

وكذلك نوه الكواكبي أن جريدة الاعتدال هي جريدة (الشهباء) حيث كتب أيضا "على أن الاعتدال هي الشهباء من كل حيثية وقد أخذت على نفسها من قبل ومن بعد القيام بكامل وظائف الجرائد الأهلية، نشر حسنات الإجراءات وإعلان سيئات المأمورين، وعرض احتياجات البلاد إلى مساعي أولي الأمر، ونشر كل مايقتضيه تهذيب الأخلاق وتوسيع دائرة المعارف من أبحاث علمية وسياسية وغيرها".

وقد صدرت جريدة (الاعتدال) باللغتين العربية والتركية ولم يصد منها إلا عشرة اعداد، ثم عطلت وألغي امتيازها نهائيا.

لقد أحب الكواكبي الصحافة وعرف أهميتها فقد كتب في مقالة العدد الأول من جريدته الأولى (الشهباء) مايلي: (إن موضوع الجرائد هو مطلق خدمة للإنسانية من حيث تهذيب الأخلاق، وتأليف الأفكار، ورذل النقائض واحترام الكمالات والمحافظة على العدالة، والمحاماة عن الحقوق، إلى غير ذلك من الوظائف العمومية التي تجعل الإنسان أن يعتبر الجرائد بمقام خادم عمومي ساع بالخير).

قام بعد ذلك الكواكبي برحلات عديدة إلى الدول العربية في آسيا وافريقيا، ثم هاجر إلى مصر عام 1899 واستقر فيها وأخذ ينشر المقالات في صحافتها، واهتم بنشر كتبه المخطوطة والتي كان قد كتبها في حلب، فطبع كتاب (أم القرى) في مصر وهو عبارة عن معالجة سياسية لواقع العالم العربي من خلال رحلاته في ربوعه وتصور لطبيعة الدولة العربية الواحدة.

أما كتابه الثاني الشهير(طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) الذي طبع طبعته الأولى في مصر في مطبعة التوفيق، فهو كتاب عالج طبيعة المستبد وعلاقته بالعلم والدين والأخلاق، كما عالج طبيعة المستبد به وسلوكه.

 وبذلك استطاع الكواكبي أن يحتل منزلة كبيرة بين أبناء سورية ومصر، وكان له دور كبير في حركة النهضة واليقظة العربية والإسلامية، كما كان له دور رائد في حركة الفكر السياسي المتحرر والمتجدد وفي نشره بين المثقفين والمتنورين من العرب والمسلمين.

كان الكواكبي فريدا في فكره المتجدد وفي دعوته إلى تحرير الإنسان العربي والمسلم، والأمة العربية والإسلامية من الجهل والتخلف وكان يؤمن بل ويدعو دعوة حارة إلى تحرير المرأة وأخذ دورها الطليعي إلى جانب الرجل، لكن جل اهتمامه كان ينصب على مكافحة الاستعباد والقضاء على الظلم والاستبداد وفي هذا المجال يعتبر كتاب الكواكبي (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) من الكتب التي لم يعرف كثير من القراء العرب وغيرهم بعد قيمته وما تضمنه من أفكار سياسية واجتماعية تصلح لكل عصر.

وقد رثاه الشاعر الكريم حافظ ابراهيم، ومما قاله فيه، وكتب على لوحة ضريحه:

     

     هذا رجل الدنيا هنا مهبط التقى

                                          هنا خير مظلوم هنا خير كاتب

       قفوا واقرأوا أم الكتاب وسلموا

                                          عليه فهذا القبر قبر الكواكبي