"مجدي الكزبري" : الألوان الجريئة محرضة للبحث والإبداع

أمضى المهندس"مجدي الكزبري"، المولود في "دمشق" عام 1948،  أربعين عاماً في مجال التصميم الداخلي للعمارة، باحثاً ومجدداً في تطوير أبعاد التشكيل الهندسي للفراغ، بأسلوب فني جميل يساير حداثة الديكور في العالم، ويجذب عين المتأمل عبر انسجام  الكتل واللون والإضاءة، بعلاقات حيوية متناغمة الشكل.

ecal كان لها الحوار التالي مع المهندس السوري " الكزبري":

* ما هو مفهومك عن الجمال الهندسي في العمارة الداخلية للمكان، ومتى برأيك يصل إلى الذروة الهرمية في الإبداع؟

**ذروة الجمال الهندسي تكمن في بساطة الكتل..  ووجودها الأنيق بعد تشكيلها في الفراغ الداخلي للمكان، بحيث يحقق انسجامها تكامل المعادلة الصعبة، وظيفية الكتلة وشكلها الجمالي، لنأخذ جداراً أبيضاً كمثال، فإن ثبتت في وسطه لوحة تشكيلية، تكويناتها من ذات اللون أو تناقضه وتنسجم معه، تكفي لتحقيق رؤية جميلة توحي بها كونها عنصراً واحداً منح حركة للجدار، ومنظوراً مريحاً ومتوازناً مع الفراغ المحيط به، والانطباع يختلف إذا ما كانت العناصر الجدارية كثيرة، فهي تحد من سمات تلك الرؤية، كون التركيز الذهني توزع عليها، فكلما قلت العناصر الحركية في المكان ازداد التركيز أكثر، وأخذت الرؤية حقها من النظر والجمال. 

أما الذروة الهرمية، فتتحقق بوجود شرطين: بلوغي كمصمم داخلي ما أريد فعله في تشكيل التصميم الداخلي للعمارة بتطبيق متقن يرضي تخيلي وتطلعاتي، إشراكي للزبون أو المتلقي في عملية الخلق التي أحدثتها من خلال الدخول إلى مكنون نفسه، وتحريره من القناعات الخاطئة نحو هذا الجانب، وزرع أفكاري وتصوراتي لأبعاد للعمل، بما يرضيه ويشعره أنه هو من قام بتنفيذ التصميم بمعزل عن متطلباته ووضعه والوقت والقيمة المادية..

 * من أين تبدأ مقومات الخلق والإبداع في اختصاص التصميم الداخلي ؟

المقوم الأساسي في هذه المسألة يبدأ من صحة التربية المنزلية، والعمل الدائم على تهيئة أجواء ملائمة لإبراز الموهبة وإنمائها كيفما اتجهت ميولها الإبداعية على أن يكون مصبها الأخير خلق الجمال، وهو مبدأ الاختصاص في مجال العمارة والتصميم الداخلي. إذاً الموهبة الربانية مقوم للإبداع على أن تصقلها الدراسة النظرية والتجربة العملية، والمتابعة الجيدة لكل مكتشفات العصر،  في الفنون وغيرها، بما ينمي الذائقة الحسية للإنسان ويحفز عينه على اختزان المشهد      المتميز في الواقع وترجمته مع مخزون الذاكرة إلى إنجاز إبداعي خلاق، علماً أن بعض المشاهدات للأماكن التي تعاني الفوضى والعبث، تخلق تلوثا بصرياً وينعكس ذلك على النفس فتعاني من الغضب والتوتر والقلق.. فيتوجب هنا تأمل المساحات البيضاء النقية حتى تتضاءل انعكاسات ذاك التلوث على النفس، وتزداد مؤثرات الاستقرار والهدوء.

 

الألوان الجريئة تفرض وجودها على العين

*  ماذا يوحي إليك التشكيل الداخلي للفراغ ؟

 **يذكرني تشكيل الفراغ بفن النحت على الخامة المحسوسة، سواء كانت خشباً أو حجراً أو معدناً برونز أو نحاس.. وهنا ليس لديك مادة محسوسة بل تصميم متخيل ستحققه في الفضاء المحدد لديك، أي أنك ستخلق شيء من لا شيء، وإنجازك هو تحقيق علاقات هندسية حيوية بين الكتل واللون والإضاءة، والنجاح في ذلك تحدده خبرة المصمم الداخلي، وإلمامه إلى جانب الديكور بفن التصوير الزيتي والنحت، ومعرفة معمقة لبعده الثالث، ودراسة النسب الإنسانية والفراغ الداخلي والخارجي للعمارة ومحيطها بشكل دقيق، وتكامل هذه المقومات يحقق انسجاماً في أبعاد المشروع.. وتميزاً في إنجازه،  فيظهر من منظوره التأملي كتلة نحتية فضلاً عن كونه عمارة، ولا بد من الاختيار الصحيح للون الكتل في الداخل والخارج، لما له من أهمية في إبراز جماليات المشروع وإظهار الخبرة في عملية التنسيق والربط بينها، فالألوان الجريئة تفرض وجودها على العين وتجذبها للإمعان طويلاً في تمازجها وترتيبها، فاللون محور أساسي في بحثي البصري وتطبيقي العملي، ومتعتي في خلط ألوان جريئة أو متناقضة لم يتطرق لها سابقاً.

* كيف يمكننا إيجاد علاقات هندسية حيوية منسجمة  بين الكتل والخطوط ضمن الفراغ؟

**إيجاد العلاقات الهندسية يأتي من خلال التطبيق العملي، بعد دراسة أجواء المكان وفهم خصوصيته، مثلاً أريد تصميم مطعم فعلي أن أسأل عن نوعية الطعام الذي سيقدم؟ وشكل الأواني واللباس والإضاءة؟ حتى تكتمل في مخيلتي صورة التصميم، فتأتي مهارة التنفيذ لتأخذ دورها في إنجاحه، فكلما اتبع المصمم خطوات السؤال والتعرف بأي مشروع سينفذه، ستتحقق لديه بعد الإنهاءات التطبيقية، علاقات هندسية متوازنة لها خصوصيتها وتأثيرها وفتونها اللوني.   

* المجموعات اللونية الجريئة في الديكور المنزلي، باتت ضرورة عند البعض في تحقيق ما يرتئون إليه، كيف تنظر إلى هذا الجانب؟

**المواد الأولية الجديدة المتعلقة باللون تفرض وجودها بقوة، والناس تساير المعاصرة والتطور في العالم، فنجد أن اختيار المجموعات اللونية الجريئة في المنزل تابع لمعايشة العصر، وازدياد الوعي المعرفي بأهمية اللون وانعكاسه الإيجابي على النفس والعقل، والوعي لمسألة الديكور.

إن إدراك أهمية المعرفة اللونية والتصميم الهندسي، سبب نهضة الفنون في العالم، وحتى ننطلق نحن إلى العالمية، علينا أن ندرك تلك المعرفة، ونعود إلى تاريخ الحرف اليدوية القديمة، وإعادة إحيائها كتراث عريق، وتطويرها برؤية حديثة ومعاصرة، تخدم جماليات التصميم الداخلي للمنزل، وذلك من مسؤوليات مهندس الديكور.

 

الخليج يستثمر طاقات الشباب لديه

* هناك قصور كبير في فهم مسألة التصميم الداخلي، كفن وذوق رفيع في تأسيس الصورة الجمالية والوظيفية للمكان، وتأخر شديد في هذه المهنة، مقارنة مع التفوق في الخليج العربي، ما هي نقاط الضعف بتصورك؟   

**يبدأ التأخر من المفهوم الخاطئ بأن مهندس الديكور يزيد في الكلفة المالية على المتلقي أو الزبون وهو على العكس تماماً يقلل من الكلفة المالية عليه، ويعمل حسب ما يرضيه ويريحه، والنظرة الآن أفضل مما كانت عليه قبل 10 أعوام، ويتوجب على المتلقي أن يدرك أهمية الاختصاص، فلا يصح مثلاً للنجار أن يعمل مهندس ديكور مع تقديري للمهنة، وكثيراً ما يعاني أصحاب الاختصاص من هذا الموضوع، وسر التفوق بالخليج العربي: وفرة المواد الأولية، منع العمل خارج الاختصاص، وفي المشاريع الكبيرة يتم اللجوء إلى مهنيين ذوي خبرة وكفاءة عالية للمساعدة في إنهاء العمل تحت إشراف مهندسين مختصين، والمفروض هنا على الدولة أن تخضع أي مشروع ستقوم به إلى إشراف مهندسين مختصين بالتصميم الداخلي.

*كيف تجد الشباب في ظل التوسع الهائل للتكنولوجيا الحديثة، ولاسيما في تخصص الديكور؟ 

**بحالة انفتاح ثقافي مستمر ووعي أعمق لإيجابيات الاختصاص.. هذا الذكاء والتميز ساعد على التأقلم ببساطة مع أي تكنولوجيا محدثة مهما كانت صعوبتها، والمؤسف حقاً أن الخريجين ذوي الكفاءات العالية، ولقلة الفرص لجئوا إلى العمل في دول الخليج، فاستثمرت طاقاتهم هناك، وبالتالي خسرناها هنا، وسوق العمل من جانب آخر يلعب دوره، فمن الصعب انسجام المبتدئ حديثاً بالمهنة معه، لأنه يحتاج إلى خبرة في التعامل، ودراية في اختيار المواد، ومعرفة أصنافها وجودتها وأسعارها..

* تصميم وهندسة الحدائق العامة، لها الأولوية في "فرنسا وإيطاليا وإسبانيا" كالحدائق النحتية السورية المحدثة هناك، وفي الوقت نفسه هذا الجانب لا يحظى بالاهتمام والأولوية هنا، ما رؤيتك لذلك؟

**هندسة الحدائق العامة في العالم الأوروبي لأبعادها الكثيرة، وأهميتها في تربية النفس، لها اختصاص علمي اسمه "لاند اسكيب" التصميم الجميل والهندسي للحديقة، ويختص بطبيعة النباتات والجو العام والمظهر والتأثير.. لكن هذا العلم لم يدرس في "سورية" بعد كباقي الاختصاصات.

 

سمات حسنة

حول أعمال المصمم السوري، قال "محمود منيني" مهندس ديكور، ومدرس بالجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا قسم التصميم الداخلي، ومدرس سابق في كلية الآثار ـ جامعة "دمشق" اختصاص في الرسوم الهندسية الأثرية: «"مجدي الكزبري" مصمم داخلي قبل أن يصقل مهارته بالدراسة الأكاديمية، وخلال مسيرته العملية "بدمشق"، التي جاوزت 40 عاماً بات له خبرة قيّمة في تفاصيل هذا الاختصاص، كما أنه شخصية متواضعة ومرحة داخل وخارج العمل، الذي يعد بالنسبة إليه هواية وفناً رفيعاً يمارس عبره تأملاته المعرفية».

وأضاف: «إن "الكزبري" معطاء في تقديم خبرته وعلمه للآخرين، وخاصة المبتدئين منهم، إنه يبني علاقاته في العمل على الثقة المتبادلة، متمكن ومجدد في فنه، وهذه السمات جعلته في "سورية" من الأوائل المحدثين في جماليات التصميم الداخلي للعمارة».

في سطور

تخرج المصمم الداخلي "الكزبري" من كلية الفنون الجميلة ـ جامعة دمشق عام 1974، و محاضر فيها منذ العام 1983، صمم ونفذ العديد من الأعمال الهندسية في "سورية" لسلسلة من المشاريع السياحية الدولية والخاصة مثل الفنادق والمطاعم الكبيرة، والمطاعم الدمشقية ذات الطابع التراثي والتاريخي، بالإضافة إلى محال المجوهرات والفلل.. أما رؤيته المعاصرة لتصميم المشروع وبعد تطبيقه تشكل فضاءً لاستراحة البصر بين الإبداع والخيال.