مجلة (الفكر) –خليل جمعة الطوال-

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة (الفكر) في دمشق في آذار عام 1946، وهي مجلة ثقافية علمية نصف شهرية، وكان رئيس تحريرها خليل جمعة الطوال ومديرها المسؤول الدكتور حنين سياج، وجاء أن مدير الإدارة هو المحامي حنين عنحوري، وكتب على الغلاف أنها نشرة أبحاث الندوة الثقافية الشهرية، وكانت تصدر عن نادي الشبيبة الكاثوليكية، وصدرت ضمن (96) صفحة دون الغلاف الأول والأخير، وهي من الحجم الصغير(15×22) سم، وكانت تضم المواضيع العلمية والوطنية والثقافية والأدبية إضافة إلى القصة والمسرح والشعر، كما كانت تنشر على صفحاتها أعمال أدباء من لبنان وفلسطين ومصر، وحوت عدة أبواب منها: (سير العلوم، أصداء النوادي الرياضية، في كفة الميزان، محيط الشباب، الفن والجمال) الخ... ومن أقلامها: الاديب نسيب الإختيار والدكتور منير العجلاني والدكتور نادر الكزبري والأستاذ سعيد الجزائري والأستاذ مواهب كيالي والأستاذ فؤاد الشائب والأستاذ حنا خباز والأستاذ أحمد سليمان الأحمد والأستاذ محمد فيصل والسيدة منيرة المحايري الخ.. وقد كتب الأستاذ محمد روحي فيصل (1912-1969) وهو الأديب والناقد المعروف، مقالا تحت عنوان: (مفارقات - شو- الساخرة) ومن المقال مايلي: ((لم يتح لي الحظ أن أجتمع إلى جورج برنارد شو حين زار دمشق منذ خمسة عشر عاما، ويغلب على ظني أن لو كنت اجتمعت إليه يومئذ في فندق فكتوريا، (مركز شرطة الجيش البريطاني اليوم) لكانت صورة الرجل القائمة في ذهني أدنى إلى الصحة والدقة وأعرف بوجوه المفارقات الساخرة التي عرف بها وعرفت به في دنيا الأدب الحديث على الإطلاق، ولكنني قرأت له مسرحية (جان دارك) مترجمة مع مقدمة إلى العربية وجانبا من (بيجماليون) بالفرنسية، فلمست على وجه التقريب الملكة الأصيلة التي يصدر عنها (شو) في جميع ما يكتب ويحدث وأنها حقا لملكة عجيبة التكوين طريفة الإنتاج ومن المفيد أن أشرك القارئ في بعض ما قرأت لشو، يرويه هو بقلمه يلخص فيه طريقته في التأليف ومذهبه في الأدب المسرحي. يسأله الصحفيون ويلحون عليه بالسؤال: كيف يكتب مسرحياته؟ الأمر عنده في مدى البساطة ومدى الوضوح، إنه ليكتبها بالأسلوب المختزل وبالقلم المحبر... وهو يكتبها على نحو ما تجيء إليه ويعني أنه لايتكلفها تكلفا، ولايحمل نفسه عليها حملا، فإذا كان لابد من اصطناع الظروف، فهو يكتب في وقت واحد يقع على الضبط بين الفجر والضحى لايفضل مسرحية على أخرى من مسرحياته فليس بينها (المحظية) المقربة، أهي جياد تجري في حلبة السباق؟! فإذا تم تأليفها وصارت إلى السوق فقد نفض يده منها ولن يجد متسعا من الوقت ليفكر في موضوعها وأشخاصها، أما كيف تبدأ المسرحية، فلذلك (36) طريقة كما يقول: قد يتفق له أن يجلس إلى كرسيه وطاولته وقد فرغ رأسه من أية فكرة خلا فكرة واحدة هي: (يجب أن أكتب الآن المسرحية) ويشرع فعلا بكتابة المسرحية، فإذا عقله يفكر ونفسه تجيش وقلمه يسجل شريطة ألا يكون ذلك كله مما يضايقه ويزعجه!!.. ونقطة البداية، في أغلب المسرحيات الطبيعية، شيء فاجع ووضع محزن وطرف مأساة ومابقية المسرحية سوى (جو) من الحوار وأحداث يحقق تفاصيل البداية، هكذا صنع شو (تلميذ الشيطان) و(جزيرة جون بول). وقد يدرك شو أو يلاحظ أو يسمع ان انسانا ما يصلح أن يكون نموذجا مسرحيا، لقد أصغى ذات يوم إلى السيدة (لينا آشويل) وهي تقص عليه حكاية شخص ظريف فأحس على الفور أنه خليق بالظهور على خشبة المسرح فكان هذا الشخص الظريف ذلك الكابتن الخالد في مسرحية (البيت المفجوع). وشو يجهل المسرحية التي درت عليه مالا أكثر من غيرها، ولعله لا يريد أن يعرف ذلك على الضبط،فالبلاء والعناء أن تربح المال ثم تأخذ في عده وحسابه على وجه من الدقة، وقيمة المسرحية ليست فيما تسجله رقم التمثيل فرب مسرحية له مثلت مرة واحدة في إحدى كبريات دور التمثيل، فتظفر بعدد من النظارة وبكمية من المال أكثر مما تظفر به لو أنها مثلت ثلاث مرات في دار صغيرة ثانوية.. أما الزمن الذي يقضيه في كتابة المسرحية الواحدة من مسرحياته فموقوف على طول المشاهد واشتباك الفصول وطبيعة الموضوع، ولا تزيد المسرحية التي تمثل بأغلى تسعيرة ممكنة للمقعد الواحد على (18000) كلمة، أما إذا كان المقعد الممتاز بشلن واحد والمقعد العادي ببنسين، فالمسرحية التي يصنعها تزيد كلماتها على ذلك الرقم بما يقارب ثلثه أو نصفه!. هنالك كتاب مسرحيون يكتبون بجمل مهيأة مرصوفة دون أن يقفوا لحظة ليفكروا فيما يكتبون، فهؤلاء ينتجون آلاف الكلمات في اليوم الواحد مستعينين بين فترة وأخرى بشيء من المشروبات الروحية، وربما عكف آخرون على العمل لايتركونه في النهار ولا في الليل، وسبيلهم إلى اليقظة الفكرية احتساء القهوة فما ينفضون يدهم منه إلا بعد أسبوعين اثنين، أما شو فيكتب أطول حوار في أطول مسرحية خلال شهرين، إذا أتيح له الصبر ولم يعتره الملل ولا الإعياء..!)