مجلة طبيبك- صبري القباني

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

صدرت مجلة (طبيبك) في دمشق في 1\9\1956 وكانت مجلة صحية علمية اجتماعية تصدر أول كل شهر، وكان صاحبها ورئيس تحريرها الدكتور صبري القباني (1908- 1973) وكان سكرتيرها محي الدين القابسي.

وقد صدرت بالحجم الصغير، وضمن مئة صفحة مع الغلاف الأول والأخير، وكانت حسنة الطباعة والإخراج والتبويب، ومن أبواب المجلة الثابتة باب (حديث الشهر) الذي واظب الدكتور صبري القباني على كتابته وهو افتتاحية العدد، ومن أبوابها أيضا (حافظوا على سلامة أطفالكم) و(أعدل عن الدواء إلى الغذاء) و(أعلام الطب) و(جمالك سيدتي) و(تاريخ الطب) و(يوميات طبيب) و(مواكب العلم والحضارة) و(اضحك مع الأطباء) و(طبيبك في خدمتك)، إضافة إلى العديد من المقالات العلمية والصحية، وكانت المجلة تنشر العديد من الإعلانات الطبية.

ولد صبري القباني في دمشق، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1925، كما حصل على إجازة في الطب من جامعة دمشق عام 1931، ثم عين طبيبا في مستشفيات دمشق، والتحق بطبابة الجيش العراقي لمدة تسع سنوات، تنقل خلالها في عدة مراكز، منها رئيس الصحة في لواء الحلة. سافر إلى باريس للاختصاص، وعاد إلى دمشق وعين محاضرا في كلية العلوم بدمشق، أعد برنامجا إذاعيا في إذاعة دمشق بعنوان (طبيبك يتحدث إليك) منذ عام 1948، وله عدة مؤلفات منها: أطفال تحت الطلب وجمالك سيدتي وحياتنا الجنسية وأولادنا كيف نصارحهم، وله عدة قصص جمعت بكتاب (قلوب الأطباء).

ونشر في العدد الرابع الصادر في كانون الأول عام 1956 تحت عنوان (أعلام الطب- ابن سينا) مايلي:

(من الظلم البين لابن سينا أن يقتصر– في معرض الحديث عنه- على ناحية واحدة من نواحي عبقريته الفذة دون النواحي الأخرى، فقد ضرب في مختلف مجالات (العلم) بأوفر سهم، حتى يمكن اعتباره علما في الطب، كما يعتبر علما في الفلسفة والرياضيات والأخلاق والنفس والإلاهيات والطبيعيات... ففي كل من هذه العلوم برز ابن سينا وظهر، وخلد اسمه بين رجالها وأعلامها.

ولعل تاريخ العلم في الشرق والغرب لم يعرف رجلا كابن سينا، جمع فأوعى، واستطاع أن يضع نظريات وقواعد ظلت على مدى الأجيال تتألق دررا في جيد العلم، يتدارسها العلماء ويؤمنون بها، ويضعونها أساسا لما يأتون به من نظريات وقواعد.... ويكفي للإلمام بفكرة عن المكانة التي يحتلها ابن سينا في دنيا العلم أن نذكر بعض ما قاله (أوبرفيك) فيه:

(كان ابن سينا من كبار رجال الإنسانية على الإطلاق).

فإذا كنا نسلط النور على خاصية عبقريته الطبية فقط، فما ذلك إلا لأن الإحاطة بكل ماقام به من أعمال خالدة يتطلب مجالا ليس في مقدورنا– في هذا النطاق الضيق- توفيره..

ولد ابن سينا في خرميشن من أعمال بخارى سنة (371) للهجرة (980) للميلاد، وكان أبوه من كبار رجال الإسماعيلية وسراتها، يجتمع أهل الفلسفة والعلم في داره للتباحث والمناقشة، فتفتح ذهن ابن سينا وهو لما يزل صغيرا على شؤون النفس والدين والفلسفة فاستساغها وأقبل على دراستها تارة لوحده، وأخرى على أيدي المعلمين والمربين الذين أتاه أبوه بهم، فاستطاع أن يحيط بالفلسفة والرياضيات والطبيعيات والمنطق وغيرها من العلوم، وأن يبرز بها واستواه الطب فعكف على قراءة ما كتب فيه قراءة دقيقة مستفيضة، وقد تحدث عن هوايته للطب فقال:

(ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه. والطب ليس من العلوم الصعبة فلا جرم أنني برزت فيه في أقل مدة حتى بدأ فضلاء الطب يقرؤون على علم الطب، وتعهدت المرضى، فانفتح عليّ باب من أبواب المعالجات المقتبسة ومن التجربة مالا يوصف).

وفي سنة (392) هجرية، توفي والده، فهجر بخارى وشد رحاله إلى جرجان حيث زامل رجلا يدعى الشيرازي كان من أهل العلم، وأقام عنده ينهل من معين الكتب العلمية القيمة التي وجدها لديه، وهناك وضع كتبه الأولى التي بلغت طول حياته اكثر من مئة كتاب، من أهمها وأشهرها كتاب (القانون) الذي يضم أسس الطب وأصوله، والذي ظل زمنا طويلا الحجة الكبرى في الطب حتى قال فيه الطبيب الشهير (وليم أوستر):

(إنه كان الإنجيل الطبي لأطول فترة من الزمن).

صار صيت ابن سينا في البلاد كطبيب عظيم، لم تستعص عليه علة، ولم يعزه دواء، فتهافت عليه الأمراء والكبراء ينشدون معونته، ويطلبون وده، فأغدقوا عليه الأموال، وقربوه إلى مجالسهم، حتى خاض غمار شؤونهم السياسية، مما جعل وجوده في جرجان خطرا عليه، فغادرها إلى همذان حيث عينه الأمير شمس الدولة البويهي وزيرا، ولكنه لم يمكث طويلا لأن السياسة عكرت عليه صفو حياته من جديد، فغادر إلى أصفهان فألحقه أميرها علاء  الدولة وزيرا في خدمته، فظل يلازمه طول حياته ولقب بالرئيس توقيرا وتعظيما.

ورغم مشاكل الحكم والإدارة التي وجد ابن سينا نفسه منغمسا بها، لم يغفل عن البحث والدرس في مختلف العلوم التي برز بها، وكان شعلة من النشاط والدأب والحركة ويمكن أن يقال: إنه أحد المعروفين القلائل ممن أفادوا من كل دقيقة من أوقاتهم، فكان يولي عمله كوزير الاهتمام الكامل، كما كان يوفي رغبات نفسه ونوازع لذته حقها، ويمنح علومه ودراساته ما تستحقه من عناية حتى أنه كان يستعين بعقاقير وأدوية لمواصلة السهر والدرس...

وقد كان من أثر اختلاطه بالناس على اختلاف درجاتهم وأجناسهم ما أسبغ على نظرياته وآرائه العلمية مسحة من الواقعية والعلمية، إذ بناها على ما شاهده وعاينه وعانى أمره، فكان ذلك أحد أسرار خبرته الواسعة وصحة أحكامه ودقة نظرياته).