"مروان عبود": الصورة المتكاملة تتحدث عن مضمونها

نورس علي

تكاد الصورة الضوئية تكون حياته التي عاش من اجلها، والتاريخ الذي سجل فيه تميزه في مجال التصوير الضوئي فاللقطات الواقعية التي سجلها المصور "مروان عبود" في سجله بريشته وقلم رتوشه على أفلام الأسود والأبيض، وبالكاميرا العادية هي التميز الذي أدركه الكثيرون وقصدوه من أجله.

موقع eCalزار المصور الضوئي "عبود" وأجرى معه الحوار التالي: 

* هل لذاكرة الطفولة وصور المخيلة دور في إغناء التجربة الفنية لعينك الثالثة، وإعادة توثيق ما مضى ؟

** هذا مؤكد ، لأن مهنة التصوير الضوئي مهنة متوارثة أبا عن جد في عائلتنا، وهي معشوقة جميع أفراد العائلة، ومن لم يحترفها كمهنة أدركها كدراسة أو كهواية، وبالنسبة لي كنت أقيم وأسرتي في بيت جدي، وكان خالي صديقي المقرب وهو من علمني حب هذه المهنة وإدراك خفاياها وجمالياتها التي لا تتوقف عند حمل الكاميرا والتقاط الصور بها، وكل هذا ما يزال قابعاً في مخيلتي والكثير منه في أرشيف صوري الخاصة الذي حاولت في وقت من الأوقات تجسيده وأرشفته بصور واقعية أقرب إلى العفوية الصادقة التي من شأنها تقديم الإحساس الصادق لمتلقيها كائنا من كان.

 

* ما هي طبيعة اللقطات التي تجذب وتستهوي عدسة المصور "مروان" ولماذا؟

** لم يكن تعلمي التصوير الضوئي كمهنة هو سبب نجاحي فيها، وإنما الحب لدرجة الجنون هو سبب التميز في فن التصوير الضوئي لدي، فقد كنت في حالة بحث دائم عن اللقطات المميزة التي من المستحيل أن تتكرر لاحقاً ، وحين كنت ألتقطها كنت أنتظر لحظة تحميضها كي أرى النتيجة . لم أكن أحب إرشادات أو نصائح أحد حولي في طريقة الحصول على التميز في اللقطة والزوايا الناجحة فيها، لأنني أرى أن لكل منا رؤيته وأفكاره التي لا يمكن أن تتطابق بين اثنين في التصوير الضوئي.

* هل تقوم بتحليل منطقي موضوعي للصورة قبل وبعد التقاطها، وهل يمكن أن نعتبر هذا تميزا يجب أن يبرع به المصور؟

** بداية إن التميز في اختيار الصور قبل التقاطها أمر ليس سهلا، ومن الأكيد الاختلاف بين كل مصور، ولكن من المحتمل أن يحمل براعة عدسته أو العين الثالثة التي يملكها، وهنا وجدت من الأجدر  لي التميز برؤية قد تكون مغايرة للجميع وحتى للمتلقي لتكون جاذبة ومحط أعجاب له، لذلك أعتمد على فكرة القطع في الصورة خلال وبعد التقاطها، فالصورة العرضية اجعل منها طولية وبالعكس، ومن المحتمل أن يكون القطع في بعض الأوصال غير الأساسية في الصورة بحيث لايؤثر على المضمون العام لها وإنما أن يكون مؤثراً على الشكل فقط، أي أنني أعتمد مخالفة القواعد الأساسية في قياسات الصور.

 

* ما الذي يستهوي عينك الثالثة؟

** لا يمكن تحديد شيء بالنسبة لي، وحسب رأيي فإن من يحدد أي شيء في التصوير الضوئي يكون مقصر ا في حق هذا الفن الجميل، لأني أعتبر كل ما هو جميل هو مقصد مهم للعدسة، فمثلاً في احد المرات وخلال تصوير حفل زفاف شدني وجذبني مظهر وشكل توضع كؤوس الشراب وحاولت البحث عن زاوية رؤية مميزة لها وعندما التقطت صورتها لم يدرك احد أن هذه صورة واقعية وإنما التقاط من ماهية مائية متموجة، وهذا ما اعتبره تميز ا لي.

* هل تتحمل الصورة الضوئية فلسفة التوضيح والشرح؟

** لا أعتقد هذا وإنما الصورة المتكاملة للقطة الملتقطة هي من تتحدث عن مضمونها، فلو التقطنا صورة لمزهرية خالية من الأزهار كيف يمكن أن نرى جمالها، وهذا باعتقادي تعميم من الممكن أن يُعتمد على جمع اللقطات الطبيعية.

* كيف ترى متلقي الصورة الضوئية بشكل عام؟

** أنا أراهم أكثر ثقافة وحبا وترقبا للإنتاجات الضوئية من بقية الفنون التشكيلية، وهذا ما تلمسته في أحد معارضي حيث تلقيت أسئلة كثيرة عن بعض الأفكار التي قصدتها بعينها في بعض الصور، وما أدركته من خلال تلك الأسئلة أن الثقافة البصرية التي اكتسبوها ليس لها علاقة بالدراسة الأكاديمية، وإنما هي خبرة وموهبة وهبها الله لهم فحافظوا عليها وصانوها بالتثقيف الذاتي.

في أحد المرات كنت في مهمة تصوير لحفل زفاف وإذ بطفل في العاشرة من عمره يتابع خطواتي ويتعقبها بدقة، وحين جلست لبعض الوقت جلس بجواري وسألني عن أمر محدد فوجدت في سؤاله حكمة لم أكن أدركها مسبقاً، وهذا جعلني في سعي دائم للاستفادة من الجميع مهما كانوا.

 

* هل ترى علاقة متكاملة بين فن التصوير الضوئي وبين الدراسة الأكاديمية؟

** فن التصوير الضوئي موهبة قبل كل شيء، وإن تمكن المصور الضوئي من متابعة موهبته أكاديمياً فهذا شيء رائع، ولكن ليس من المفترض بالمتعلم لفن التصوير الضوئي أن يكون ناجحاً أو عاشقا لفنه كما الموهوب، وخير مثال على ذلك هو أنا وما املكه من رصيد بين جميع أبناء مهنتي سواء كانوا موهوبين أو أكاديميين، وذلك نظراً للعمر الفني الذي وصلت إليه، حيث من المفترض أن أكون من أقدم المصورين الضوئيين في "طرطوس".

* هل وصلنا إلى مرحلة محو أمية لمتلقي الصورة الضوئية؟

** فيما مضى كان للمصور الضوئي جوه الخاص البعيد كل البعد عن أجواء بقية المهن ومحبيها، ولكن خلال العشر سنوات الأخيرة وصلنا إلى مرحلة أصبحنا مضرب مثل بين بقية الفنون التشكيلية، وأصبح متلقينا أكثر جرأة  على التمعن والتوضح من الفكرة ودراسة المعنى لعدة دقائق صامتة، وانتشرت هذه الظاهرة بين مختلف طبقات المجتمع ومختلف فئاته العمرية.

 

* أيهما تفضل في التعامل مع اللقطات الحساسة الكاميرا الديجيتال أم الكاميرا العادية؟

** أنا شخصياً أفضل الكاميرا العادية وخاصة الرخيصة الثمن، لأكون صانع اللقطة الاحترافية بكل جوانبها وخاصة ضوؤها وانعكاساته والسيطرة على زوايا التميز بالنسبة للمصور، ناهيك عن الروح التي تسيطر عليها كاميرا الديجيتال وتمنعك من الشعور بروح الصورة وإعادة رسم الرتوش الصغيرة والدقيقة، والتي ما أزال أواظب على صناعتها بيدي بعيداً عن التقنية العلمية.

* كيف ترى مصوري هذه الأيام، وأيهما برأيك أفضل؟

** في كثير من الأيام تأتي فتاة جمالها عادي وتقول أرجوك أريد صورة كمنظر طبيعي أو ككرت عادي، وعند تقديمها لها ترضى عنها، في حين لو أنها ذهبت إلى مصور من مصوري أيامنا هذه لقالت بعد حصولها على الصورة أرجوك أريد تغييرها لأنها لم تعجبني، فيجيبها سراً – طيب أنت لست بجميلة فماذا أفعل لك؟

وهذا دليل على أن لكل وجه زاوية رؤية خاصة بالمصور وعليه إدراكها بسرعة قبل جرح مشاعر الناس.

فيما مضى كنا نصور على ألواح الزجاج وليس على قطع النايلون، ونعتمد زوايا الضوء من النوافذ ونجهز الزبون على هذا الأساس للصورة، ونقوم بتجهيز المواد الخاصة بالتحميض يدوياً، ونعتمد مبدأ الرتوش بالقلم وغير ذلك من الأمور التي تجعلك عاشقا لهذه المهنة وهذا الفن.

 

 

يشار إلى أن المصور "مروان عبود" من مواليد "صافيتا" عام /1944/

عمل كمصور صحفي في "بيروت"، وهو عضو اتحاد الحرفيين في "طرطوس"، وله الكثير من المعارض الفردية والجماعية منها معرض في دولة "الكويت" عام /1969/، إضافة إلى مهرجانات "طرطوس" وبعض معارضها الجماعية.