من طرائف الصحافة السورية- حزب يصطفلوا- تحقيقات

من طرائف الصحافة السورية- حزب يصطفلوا- تحقيقات

إعداد الدكتور مهيار الملوحي

تحت عنوان (دراسات وتحقيقات) وعلى صفحة كاملة من جريدة (الطليعة) لصاحبها ورئيس تحريرها عدنان الملوحي (1924-2002) وهي جريدة سياسية مستقلة صدر عددها الأول في دمشق في 17/12/1953 كتب سكرتير تحرير الجريدة بشير بوارشي (1934-2000) نص الحوار الذي أجراه مع زعيم حزب يصطفلوا أبو حسن رمضان الذي ينظم صفوف حزبه في مقهى الكمال الصيفي.

وقد كتب المحرر ضمن اطار (كثير من المواطنين يقف موقف المتفرج اللامبالي من الأحداث السياسية الداخلية والخارجية... ويؤثر القول (يصطفلوا) عن التحدث في القضايا السياسية أو الاشتراك بمناقشة قضية منها، معتقدا أن السياسة لا تهمه من قريب ولا من بعيد... ولكن هؤلاء المواطنين الذين لا يهتمون بالسياسة، يدهشون عندما أقول لهم إنهم حزبيون، ينتمون لـ (حزب يصطفلوا) وهذا الحزب تأسس كما يقول زعيمه، العم أبو حسن رمضان في عام 1950 وقد نشر هذا التحقيق في العدد (333) الصادر في 5/6/1957. ومما جاء في الحوار على سبيل المثال:

س: كم ولد لديك؟

ج: لست متزوجا.. ولكن كل المصطفلين وغير المصطفلين المؤمنين بأمتهم وبلادهم هم أولادي.

س: هل للحزب فروع؟

ج: في كافة المحافظات.

س: وفي حلب؟

ج: لا.. ما فيها فرع.

س: لماذا؟

ج: لأني لم أجد لحد التاريخ رجلا أعتمد عليه (وكمل من عندك).

س: ومن أعضاء الحزب؟

ج: كثيرون .. وكلهم الآن موظفون ومحامون.

س: أريد أن تحدثني عن مبادىء الحزب.

ج: لا أقدر أن أذكر المبادئ يا حبيبي.

والحقيقة أن أبو حسن رمضان من رجال الوطنية الصادقة البريئة، وهو لا يحب السياسة ولا السياسيين، ماعدا صاحبه وحبيبه الأستاذ أكرم الحوراني، وأراد أن ينافس أكرم الحوراني فأنشأ حزبا سماه (حزب يصطفلوا) وكان رئيسه وكان ينتسب اليه سائر الناس، سواء أدخلوا فيه أم لم يدخلوا، لأنهم بطبيعة الحال لا يحبون الدخول في عالم السياسة والأحزاب، ويريدون الابتعاد عنها جهد طاقتهم، لكثرة ما تسبب للسياسيين من مشكلات ومطبات وعذاب!!

اتخذ أبو حسن رمضان من مقهى الكمال الصيفي مقابل مؤسسة الكهرباء مقرا لحزبه، وكان يلبس القنباز الحموي وفوقه جاكيت افرنجي ويعتمر طربوشا، وكان إذا جلس وضع الطربوش بجانبه بشيء من العناية والاهتمام.. ولم يكن يتحدث إلا قليلا، ويكتفي بالاستماع خاصة لما يقوله الأستاذ أكرم الحوراني، لأن كلام الأستاذ عند أبي حسن، كان لا يرد وهو كلام موثوق لا شبهة فيه!!

كان زعيم حزب (يصطفلوا) لا يحمل هما ولا غما من هموم السياسة ومشكلاتها، ولم يكن يسأل، كما كان يقول عن (طحطح).. وكان إذا سئل عن (طحطح) هذا كان يجيب: إذا رأيتموه فسألوه لماذا سمته أمه بهذا الاسم الذي يدل على أن صاحبه لا يسأل ولا يبالي بأحد في هذا العالم كله!!!.

.. ومرت الأيام والأعوام، وتوالت السنون وذهب أبو حسن رمضان إلى رحمة ربه، ولم يترك بعد شيئا من مال أو ولد، وذهب (حزب يصطفلوا) معه ولم يعد له أثر، إلا كباقي الوشم في ظاهر اليد.. كما يقول الشاعر العربي القديم.

ولم يشاهد أبو حسن، وهو زعيم (حزب يصطفلوا ) الطويل العريض مالئ الدنيا وشاغل الناس، الا حليق الذقن كل يوم ولم يكن يهمل ذقنه أو يتركها تطول، وكان يهوى جمع (المسابح) أم 33 حبة، ويطلب من جماعة الأستاذ أكرم الحوراني أن يقدموا له بعضها، من ذات الثمن الغالي، وكان يبيعها في كثير من الأحيان بمبالغ جيدة، ولم يكن له مورد آخر غيرها، فقد كان مستورا بستر الله، وكانت مقاهي دمشق كالهافانا والبرازيل والكمال الصيفي والروضة وغيرها.. تفتح له صدورها وأبوابها ولا تتقاضى منه بارة الفرد وكانت تقدم له القهوة والشاي، وكذلك كان أكثر ماسحي الأحذية يمسحون حذاءه من دون مقابل!!

وهكذا يكون زعماء الأحزاب، وإلا فلا!!

أو كما يقول الشاعر العربي:

هكذا هكذا وإلا فلا لا      ليس كل الرجال تدعى رجالا