من طرائف الصحافة السورية- سامي الشمعة

اعداد الدكتور مهيار الملوحي
ولد سامي الشمعة في دمشق عام 1910 وتلقى علومه الابتدائية والإعدادية في مدارسها، وتابع دراسته في الجامعة الأمريكية في بيروت. راسل ونشر في جريدة صوت الأحرار اللبنانية، وفي عام 1932 أصدر جريدة يومية في دمشق باسم (الدستور)، لكنها ما لبثت أن توقفت.
في عام 1934 أعاد المحاولة وأصدر جريدة يومية ثانية باسم (السياسة) وتوقفت أيضا بعد حين، وفي أواخر عام 1946 أعاد التجربة وأصدر جريدة باسم (آخر دقيقة) واستمرت عدة أشهر وعلى الرغم مما لاقته من نجاح فقد توقفت.
كان سامي الشمعة مسرفا متلافا فلو أعطي أموال الأرض جميعا لأنفقها في يوم واحد، ولم يترك منها لغده شيئا ينفق منه على عيش يومه أو خبزه على الأصح.
عمل سكرتيرا للتحرير في جريدة (الأيام) لصاحبها نصوح بابيل، ورئيسا لتحرير جريدة (القبس) لصاحبها نجيب الريس عام 1941، كما عمل أثناء الحرب العالمية الثانية مديرا لأول اذاعة في سوريا، غير أنه مالبث أن استقال وحل محله نشأة التغلبي الذي أصدر عام 1947 مجلة (عصى الجنة) وأصدر بعدها مجلة (الجامعة) عام 1953.
توفي سامي الشمعة باكرا في عام 1950 ولم يتجاوز الأربعين من العمر.
كان سامي الشمعة أنيقا في غاية الأناقة، وكان يعيش في جو الحدث، ويكتب كل ما يخطر له في بال في صحفه وفي الصحف الدمشقية الكبيرة والشهيرة، وكان يصوغ الأحاديث والمقابلات واللقاءات التي أجراها مع أشهر ممثلات هوليود أو مع زعماء وملوك دول بطريقة ذكية وبارعة فيها الكثير من التشويق والإثارة، ليغزو بها جمهرة القراء الذين كانوا يعجبون بها، وصار فعلا في عداد الصحفيين المخترعين ولكن ببراعة وذكاء كما أسلفت.
لقد اخترع أسطورة (الإنسان الغزال) في ضواحي دمشق واليكم هذه الأسطورة...
كان صبي أصم وأبكم من قرية (داريا) القريبة من دمشق، والتي اشتهرت بعنبها ذي المذاق الطيب، يقضي يومه متشردا في أزقتها وكرومها وبساتينها، فإذا جن الليل لجأ إلى مخفر الدرك فيها أو إلى ناحية من نواحيها ونام، فإذا جاء الصباح استأنف الصبي حياة التشرد والبؤس والبحث عن لقمة يأكلها وعن شيء من العنب والفاكهة يبتلغ به.
وسمع سامي الشمعة بهذا الصبي، وخطر له أن يجعل منه أسطورة وقصة تستهوي القراء وتثير ضجة بين الناس، فأطلق عليه في الحال اسم (الإنسان الغزال) وقال عنه أنه يمشي على أربع كما يمشي الغزال، وأنه تربى في كنف غزالة وعاش معها وشرب من حليبها ونشأ في صحبتها حتى اكتسب طابع الغزال ومشيته وسرعة جريه.
ونشر سامي الشمعة قصة الإنسان الغزال في جريدته (آخر دقيقة)، ولم تكد تصدر إلى الأسواق حتى أصبحت حكاية الإنسان الغزال على كل شفة ولسان، وتناقلتها وكالات الأنباء العالمية في ذلك الحين، ووصل وفد من الولايات المتحدة إلى دمشق ليكتب تحقيقاً صحفياً عن الإنسان الغزال وينشرحكايته في كبريات الصحف الأمريكية، وضجت دمشق بقصة (الإنسان الغزال)، وجاء من أخبر سامي الشمعة بأن الوفد الصحفي الأمريكي في طريقه إليه ليتحدث معه عن الإنسان الغزال ويطلب منه المساعدة في معرفة التفاصيل عن هذا المخلوق الغريب، وليلتقط الوفد الصور له، وأسقط في يد سامي الشمعة وقرر أن يهرب من مكتب الجريدة، فلما دخل الوفد من باب الجريدة إلى مكتب صاحبها، كان سامي الشمعة قد (شمع) الخيط، كما تقول العامة، وهرب من الباب الثاني وغادر دمشق إلى بلدة قريبة، وأقسم ألا يعود إليها إلا بعد أن يغادر الوفد الصحفي الأمريكي دمشق عائدا إلى بلاده يحمل معه الخيبة والكذبة ويستغرب قدرة الصحفي سامي الشمعة على التخيل والاختراع وتلفيق القصص وإعطاء أساطيره نوعا من القدرة على تصديق الناس لها إلى أن يثبت بطلانها.
كانت ضحكات الوفد الصحفي الأمريكي في ذلك الحين وقبل نحو أكثر من خمسين عاما تجلجل في الطائرة التي حملته عائدا إلى أمريكا... وصورة الإنسان الغزال لا تفارق مخيلة أعضائه الذين تمنوا أن يروا ذلك الإنسان الغزال، ولو رأوه لضحكوا أكثر فأكثر من الصبي المسكين المعتوه والأصم الأبكم!!!
وعندما نشر سامي الشمعة في جريدته حديثا على لسان الملك عبد الله الأول ملك الأردن في حينه، ونشر له صورة وهو يضع على رأسه (قلبقا) شركسيا أسود ويلبس الثياب العسكرية وكأنه ضابط عثماني كبير، سئل الملك عبد الله عن الحديث المنسوب إليه، فنفى أن يكون قد أدلى بحديث صحفي لأحد، ولكنه قال لو سئلت لما قلت وأجبت إلا ما كتبه هذا الصحفي على لساني، فهو ذكي ولكنه كذاب!!