"عصام درويش" : الفن منتج إنساني لا يمكن احتكاره

"عصام درويش" : الفن منتج إنساني لا يمكن احتكاره

إيمان أبوزينــة

الخميس 27 آب 2009

 

"عصام درويش" فنان تشكيلي استطاع عبر سنوات عمله الطويلة أن يكوّن خطاً متميزاً في الحياة التشكيلية السورية، مما أهّله ليكون واحداً من أهم الأسماء التي تم ترشيحها لتمثيل اسم "سورية" في بينالي "فينيسيا"/2009/.

eSyriaالتقى الفنان "درويش" بتاريخ 22/8/2009 في صالة "عشتار" للفنون الجميلة التي أسسها عام /1987/ وكان الحوار الخاص التالي:

* برأيك ماهي الخصوصية التي تتمتع بها كفنان تشكيلي ، وكيف ساعدتك دراستك الأكاديمية للمضي بهذا الاتجاه إضافة إلى عملك بالكتابة والتأليف؟

**استنباط أسلوب شخصي هو دائماً حصيلة تجربة وبحث والعديد العديد من الخيبات. وبالنسبة لي فقد عانيت كثيراً وطويلاً لإيجاد فرادتي إذ لا يكفي أن نعرف كيف نخط ونلون على السطح فهنا المسألة بسيطة جداً ويستطيعها معظم الناس والمهم بالنسبة للفنان هو اختيار درب غير معبدة . درب لا يراها إلا هو.. درب صعبة الملاحظة وتؤدي إلى العالم المجهول الذي ينكشف لنا مع كل عمل جديد. وتميز الفنان الحقيقي يأتي من المقدار الذي حققه في سلوك دربه الخاص وفي كون هذا الدرب يحقق مسألتين أساسيتين أجد أن الفن بدونهما بلا قيمة وبدون أحدهما ناقصاً بشكل فادح، أقصد التقنية والثقافة.

طبعاً يمكن للدراسة الأكاديمية أن تحل جزءاً من معضلة الاثنتين، ولكن العمل الفردي الجدي ضروري ولا غنى عنه للظفر بهما. في كلية الفنون تعلمنا بعض التقنيات ودرسنا تاريخ الفن والحضارة ولكن هذا وحده لن يفضي إلى أي مكان إذا لم تشتعل في الدماغ شعلة الفن المقدسة والتي تحتوي على محبة الضوء واللون والشكل والمسائل المتنوعة للوجود والعدم والدراما الإنسانية المعقدة.

وفيما يخصني غصت إلى أعماق لم أكن أتخيلها في رحلة اكتشاف هذا العالم، وكانت إلى الآن رحلة شائكة ولكنها مدهشة وساحرة إلى أقصى الحدود.

*هل من الضروري برأيك أن يكون الفنان التشكيلي أكاديمياً؟

**الدراسة الأكاديمية يمكن أن تشكل معيناً لمن لا يستطيع اختراق الأسوار المنيعة للأمية الفنية والثقافية بنفسه...ولكن تاريخ الفن يحتوي على الكثير من الأمثلة لفنانين اشتعلوا بلهيب الحياة في اندماج فعلي معها ولم يكونوا بحاجة إلى أشخاص مملين ليلقوا عليهم محاضرات سقيمة حول الفن، وبعضهم أصبحوا شخصيات عالمية تدرس أعمالهم وحياتهم وإبداعاتهم لطلاب الأكاديميات.

*عادة ماتحمل ذاكرتنا الكثير من صور الماضي بما فيها الطفولة، هل تعتقد أن هذه الحالة تجسد جزءاً من عملك كفنان حتى الآن؟

**الطفولة معين هائل وخزان ضخم من الصور والأحلام والذكريات والتجارب، وهي ما يعّين إلى حد كبير صورتنا الحالية ومسار مستقبلنا.

أذكر إلى الان مثلاً أمي في بيتنا العربي بدمشق القديمة تكنس السجادة فيالغرفة العاتمة والرطبة و أشعة الشمس تدخل من الباب المفتوح وذرات الغبار تتطاير حولها في مشهد مليء بالعذوبة .

اشتغلت كثيراً بتقنية التنقيط، وعندما كنت ابدأ أية لوحة كنت أتذكر ذرات الغبار تلك تتطاير حول أمي تحت الشمس الساطعة وأشم رائحة أمي المميزة الممزوجة بروائح الكباد والياسمين في بيتنا. نحن إذن مكونون من طفولتنا وخبرات الحياة معاً، وعندما نرسم سيكون خليطاً عجيباً منها قد انطلق.

*من أين تأتي جماليات العمل التشكيلي برأيك ؟

**كل ما تقع عليه العين أو يفكر به الدماغ أو نحسه أو نستشعره يشكل مادة للعمل الفني، ولكي نعثر على الجمال في ذلك نحتاج إلى التحليق والسمو. هل تلاحظون كيف يرتب الشاعر الكلمات فتصيبنا بالذهول، الكلمات نفسها التي نستخدمها للسباب ولاضطهاد الآخر كيف يرق الإنسان ويتسامى و يصبح أجمل مع الموسيقى والشعر والفن.

إن الجماليات تسلك درباً مجهولاً وشديد الحساسية في داخل الفنان حيث تخضع لتنقية من نوع خاص ينقلها إلى حالة مختلفة تضم إلى جانب القيم الواقعية القيم الوجدانية وحساسية الفن وروح الخلق الفني.

*هل للموروث الشعبي والبيئة التي ينشأ فيها الفنان، وكذلك القراءات عن الأسطورة التي عادة ماتثير المخيلة، دور في الابداع لدى التشكيليين ؟

**بعض التشكيلين درس الموروث الشعبي والموروث التاريخي، الأساطير وتأثيرها في الفنان القديم وهو باب واسع للمعرفة وللتواصل مع القديم ولتشكيل رؤية أو أسلوب فني خاص، وهو أحد دروب الاكتشاف للتوصل إلى هوية فنية شخصية تعتمد على وصل الماضي بالحاضر، والبعض جربه واعتمده للوصول إلى فن محلي. وهذا موجود لدى الكثير من الحضارات والبلدان، وهو احد أوجه التنوع في الفن.

*في ظل الظروف الراهنة ماالذي يفعله الفنان التشكيلي حيال مايجري في العالم؟

**الفنان كائن متأثر شبهه احد الأدباء الفرنسيين بالكائن الذي قلب جلده إلى الخارج فأصبحت حتى أنعم نسمة تجرحه.

لا يمكن للفنان الحقيقي ألا يتأثر بأي حدث يمس الإنسان في أي مكان على الأرض. وقد مر على البشر قرن اتسم بالجنون وذهبت الكثير من الأرواح سدى كما حدث ظلم كبير، وقد أفرز هذا القرن بنتيجة المآسي فناً عظيماً وأدباً عظيماً والكثير الكثير من الإبداعات الإنسانية الرفيعة.

*هل كان لزياراتك الى الخارج، دور في إغناء تجربتك التشكيلية، وكيف ساعدك ذلك في الاحتراف؟

الفن في النهاية منتج إنساني لا يمكن احتكاره.

اطلعت من جهتي بأشكال مختلفة على الفنون الاخرى والمجتمعات والافكار والايديولوجيات وزرت أماكن عديدة وهذا وفر لي فرصة لاغناء البصر والبصيرة ، فالفن في النهاية منتج انساني لا يمكن احتكاره أو تأطيره أو سجنه .

*هل الفن برأيك موقف أم إبداع؟

**الفن عمل إبداعي أساساً، وجهة نظر حول العالم وموقف مما هو موجود ومما يحدث ولكن له بنيته وقوانينه وسحره وهذا هو الأساس.

*ماهو السبب الأساسي في عدم وصول الأعمال التشكيلية المنتجة إلى قطاع واسع من الجمهور؟

**إنه تقصير عام لدى مؤسسات الدولة بدءاً من المناهج التربوية الأساسية والثانوية وحتى الجامعية، وهو مسؤولية الإعلام والمؤسسات الثقافية .. ولكن أوساطاً أكبر تعرف الآن أهمية الفن التشكيلي السوري وأعلامه ونأمل من الدولة أن تصحح خطأ تجاهل هذا الفن في المناهج والإعلام.

*من أين بدأت رحلتك مع الفن التشكيلي وإلى أين وصلت الآن؟

**كنا صغاراً ولكل تسليته وكان محبباً لي منذ ذلك الوقت رسم وجوه أصدقائي وعائلتي وحارتنا .. كنا أبرياء وقتها ولم تدخل دودة الفكر القاتلة إلى أدمغتنا الصغيرة لتخترع العوالم المعقدة التي نتخيلها اليوم ونضع أضغاثها على القماش.. في مرحلة ما ازداد اهتمامي الأدبي لدرجة ظننت أنني سأصبح روائياً وكتبت بعض القصص وأحلم بكتابة المزيد ولكن وقت الرسم احتلني بقوة وأعيش بشكل دائم وفق جدوله الزمني وتنبت بين يدي صور وأخيلة وأشكال وأوضاع لم أتصور أن أراها إلا في أحلامي و يترسخ شيئاً فشيئاً عالم أنتمي إليه ويخرج من بين أصابعي.

 

"عصام درويش":

-مواليد سوريا - دمشق 1952

-تخرج من مركز الفنون التشكيلية - أدهم إسماعيل 1970

-تخرج من كلية الفنون الجميلة - قسم التصوير الزيتي 1979

-دراسات عليا فنون جميلة 1986 - 1987

-يشارك في معارض الدولة الرسمية الداخلية والخارجية منذ العام 1977

- له عدة معارض جماعية منذ العام 1979 .

- يعمل في الصحافة السورية مخرجا ورساما للموتيف الصحفي منذ العام 1975-يكتب القصة القصيرة والنقد الفني.