"علي سليمان" ..الطبيعة مفردات تغريني بحسنها وسماتها

"علي سليمان" ..الطبيعة مفردات تغريني بحسنها وسماتها

علاء الجمّال:

"علي سليمان" فنان تشكيلي سوري، معروف عنه الحكمة والقدرة على اختراق الواقع الزمني وتحليل الرؤية البصرية المعقدة، وإعادة صياغتها بتصور فكري مختلف، يفوق الحداثة في اللوحة المعاصرة من حيث اللون في تركيبته ودقة منمنماته البصرية.. كما أنه من رواد الطبيعة ومختزن لمفرداتها ومقاماتها النموذجية للتأمل والصفاء. 

المفكرة الثقافية تعمقت بمكنيات الفنان السوري، وأجرت معه هذا الحواربتاريخ  4/11/2008:

ــ ما مفهومك بداية للنص البصري، ومراحل تطوره وفق حداثة التجريد المعاصر؟ 

النص البصري: مفهوم مؤلف من مفردات بصرية يأخذها الفنان من مخزونه التراكمي أو من الواقع، ثم يعيد صياغتها وفق أسلوبه ورؤيته، وخلال القرن العشرين تطور النص البصري مع الثقافات المختلفة متجهاً نحو التجريد، متحولاً بذلك إلى فن معاصر يختلف استخدامه من فنان لآخر، فأحياناً نشهده فناً تجريدياً في مرحلة تشكيلية أو في لوحة واحدة، وأحياناً أخرى لا نراه في محترفات الرسم إذ أن الفنان ينحى إلى أسلوب تشكيلي آخر، فهو عبر مفهوم التجريد فلسفة بصرية ذات أهمية في عالم  اللوحة المعاصرة. 

ــ الحداثة في التجريد خلاصة تفكيك وتحليل للواقع، ماذا يعني ذلك؟

الفن الحديث: هو صياغة الواقع كما يعرف الفنان وليس كما يرى.. هذه مقولة تكلم بها فنانون كبار مثل الفنان الإسباني "بابلو بيكاسو"، لذلك عندما ندرس أعمال الفنانين التجريديين الحديثة نرى فيها خصوصية الأسلوب وتفكيكاً للواقع سواء كان منظراً أو حدثاً، فإعادة الصياغة تشكل كينونتهم أو هويتهم، والتجريد هنا ليس بالضرورة أن يكون ثابتاً بل متحولاً وتابع لتطور فكرهم التشكيلي وقدرتهم على الصياغة.  

ــ دعنا نتحدث بوجيز عن تاريخ التجريد؟

ولد التجريد الحديث مع أعمال الفنان التشكيلي الروسي "كانديسكي" في القرن العشرين، وتطور مع تجارب الكثيرين من فناني هذا القرن في مدرسة الفنون الألمانية " الباهوس"، لكن الباحثين أوجدوا الكثير من المكتشفات وقدموا دراسات تاريخية حول هذا الفن وأيديولوجيته.. وشخصياً أعتبر بعض فنون المنطقة القديمة ومنها الفن الإسلامي بزخرفته ونظرياته حاملة لسمات التجريد، التي اعتمدها الكثير من الباحثين على أنها الأسس الأولى لهذا الفن سواء كانت نباتية أو هندسية.. وأعمال الفنان الفرنسي "فازاريلي" وغيره من الفنانين الفرنسيين والألمان تؤكد ذلك.

الطبيعة منحت أعمالي وجهاً ملوناً

ــ لديك قراءات عميقة للتاريخ، فماذا عن تأثرك بالحدث السالف و المعاصر منه؟

تنحسر مهمة الفنان في تقديم عمل فني أصيل يحمل فكره ومخزونه وتراثه.. هذا ما قدمه الفن التشكيلي السوري، وأي لوحة فنية منه تحمل الحداثة في النص البصري ومعادلات والألوان وثقافة الريشة تؤكد على هويتنا العريقة، وخصوصية بلدنا الحضاري، وتذكر بالأحداث التاريخية الهامة.. وذلك إحدى مهامي ومهام أي فنان يبحث ويجدد لنشر اللغة البصرية الصعبة والتنوير لوجودها وتبسيطها.

ــ كيف تتحول الصورة المحسوسة من الواقع إلى صورة تجريدية؟

أحياناً يرى الفنان منظراً في الواقع أو طبيعة صامتة أو أشياء ملفتة، فيكتشف برؤيته ما لا يراه الأناس العاديين، وأحياناً يرى في لوحاته أو لوحات زملائه ما لا يراه الآخرون.. إذاً الرؤية الحسّية أو قراءة العمل الفني بإحساس المشاهد، تختلف من مشاهد إلى آخر، كونها تشمل النص البصري الذي يرسمه الفنان عبر تصوراته للواقع وفهمه للمجموعة اللونية، فالمتلقي المثقف بصرياً يتمكن من فك رموز هذا النص وقراءته، والصعوبة فقط عند المتلقي البسيط.    

ــ الطبيعة مصدر إيحائي في العمل التشكيلي، ما وصفك لها، وكيف تختصها بفن التجريد؟

الطبيعة ملهمة الفنان، وطبيعة بلادنا أغنت ذاكرة المبدعين في كل مجالاتهم الإبداعية.. وقد أثرت على أعمال فنانين ضيوف وأجانب. أما بالنسبة إلي فبعد تجوالي في دول العالم، ووجودي الطويل بين الجدران في مدينة "دمشق" سواء كنت في عملي أو في مرسمي،  وتمضية فترة كبيرة من عطلة الصيف في الطبيعة حيث يطلّ مرسمي إلى الجبال والبحر والغابات والنهر،  فالصفاء والتأمل العميق منحت أعمالي وجهاً ملوناً تتغلغل عبره مفردات الطبيعة بحسنها وسماتها. 

اللوحة تتحول بناءً على عمق التجربة

ــ خلال معرضك الأخير في صالة الشعب توقع البعض أن تقدم لهم أعمالاً مماثلة للموضوعات التي قدمتها سابقاً، وخاصة عند عودتك من "ألمانيا"؟

الفن الأصيل متحول دائماً وليس جامداً، وما قدمته في السبعينات كان فناً أصيلاً متحولاً عما قدمته قبلاً، وهكذا تلت المراحل التي مررت بها، فمنذ دراسة ما قبل الجامعة وحتى يومنا هذا تحولت اللوحة لدي وتطورت بناءً على عمق التجربة التي أعيشها، فأنا أعمل يومياً في مرسمي وليس من المعقول أن تبقى لوحتي واحدة، إذاً الاستمرارية وتطور الفكر مع مرور الزمن يغير الملامح في تشكيل اللوحة، لكن خيوط بناءها وشخصية الفنان تبقى داخل كينونة واحدة طيلة مراحل إنجازها، وأنا نفسي متحول مع الحفاظ على هويتي الفنية، فمن يرى وجهي الآن لا يحق له أن يقول لماذا لم يبقى كما كان قبل /20/ عاماً؟

ــ المرأة عنصر تشكيلي هام، يستلهمه معظم الفنانون في أعمالهم، لكنها غابت في معرضك الأخير، ما تفسيرك لذلك؟

المعرض في العالم الثالث يقع في مطبات كثيرة، منها ضيق المكان.. والصالة في معرضي الأخير كانت صغيرة مع العلم أنني قررت سابقاً عرض أعمالي في مكان كبير كالمتحف مثلاً،   ففي السابق أقمت معرضي في الصالات الثلاث الكبيرة في متحف "دمشق الوطني"، وقد تحولت هذه الصالات إلى قاعة لعرض الآثار.. وذلك سبب لإقامة معرضي في صالة "الشعب"، مع العلم أن أعمالي كثيرة، وتحوي كل المواضيع وأهمها المرأة.

ــ ما المشهد البصري الذي رغبت في تنفيذه ولم تنفذه حتى الآن؟

الواقع مليء بموضوعات هامة تستحق العمل، فعندما أقف أمام لوحتي وأبدأ الرسم، أجد نفسي خارج الواقع والوعي، أنا أعمل بحالة اللاوعي أو بحالة العقل الباطن أو الغياب، وعند توقيع العمل الفني أو إعادة محاكمته بعد إنجازه أقف أمامه لأضيف أو أحذف بعض الأشياء، عائداً إلى خبرة وتواصل ومخزون فكري بصري غير متكلف، فتتجلى عفويتي وصدقي فيه كمحاورة مع المتأمل فتنقل له الحادثة أو القصة التي أرويها وأجسدها بألواني. الالأهمهم  

 

الفن الحقيقي يحمل آداب الذوق الجمالي

ـ كيف يمكننا برأيك معالجة الأمية البصرية، وإنماء الذوق الجمالي عند المتلقي؟

لو نظرنا إلى واقعنا قبل /50/ عاماً لرأينا أن عدد المراكز الثقافية ومراكز الفنون والمدارس الفنية أقل بكثير من العصر الراهن، وهذا يعلب دوراً في إلغاء الأمية البصرية، لكن الدور يبقى صغيراً إذا لم تشارك به وزارة التربية مثلاً بشكل واسع، وذلك بتأمين أساتذة متخصصين لتكثيف المناهج التربوية الفنية، والدور الأهم هو زيادة عدد المتاحف للفن الحديث في مختلف المحافظات السورية.. وتوجيه الأطفال والشباب لزيارتها. أما وزارة التعليم العالي فيقع عليها الاهتمام بنشر البحوث العلمية الفنية، وندوات التعريف باللغة البصرية والفنون الجميلة، وربط الفن بالمجتمع من خلال المؤسسات الإعلامية والإعلانية، وإقامة الندوات حول دور الفن في حياة الإنسان وإيجاد برامج تثقيفية جادة تشجيع النقاد والباحثين على نشر اللغة البصرية والتعريف بها. 

 

 

 

 

 

ــ ما أبرز الظواهر التي استوقفتك في المشهد التشكيلي العالمي؟

أنت زائر في أوروبا مثلاً وتسير في إحدى الشوارع، فتجد نفسك في معرض مليء بالتصاميم الجمالية.. النوافذ وأبواب المحال التجارية والبيوت و أوعية الزهر.. إلى جانبها طريقة رصف الحجارة الفسيفسائية على أرض الشارع، ونافورة الماء واستخدام المنحوتات فوق الأبواب وفي المنتزهات ومقاعد الأطفال والعجزة.. فتخلص إلى أن الحضارة هناك تستخدم الفن الجميل بشكل متقن، فالشوارع لا تقل أهميتها عن المعارض التشكيلية.   

ــ هل تعتبر آداب الذوق الجمالي في بعض مذاهب الفن التشكيلي قدوة مثالية تحتذي بها الناس؟

الفن الأصيل الناتج عن فنان باحث يحمل كل أداب الذوق.. ويقدم للمتلقي عملاً يرقى بذائقته، ويعرف باللغة البصرية الصعبة، يساهم في ارتقاء المعارف البصرية لديه وللآخرين لكن،  تبقى المسألة بحاجة إلى مناخ نقي للعمل، ورعاية وإدارة للفنون أفضل، وما نراه  في ساحة التشكيل "السورية" في العصر الراهن لا يقدم مناخاً مناسباً للقيام بهذا الدور.

 

صورة محسوسة من الواقع

حول أعمال الفنان السوري، قال الدكتور "محمود شاهين" أستاذ ومحاضر في الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة "بدمشق": «إن الدكتور "علي سليمان" ملون مدهش، يمزج الشعر باللون على تعدد موضوعات هذا الشعر. وبحساسية قلما نجدها في زحمة التجارب الجديدة والقديمة لفنانينا».

وأضاف: «العمل التشكيلي لدى "علي سليمان" نتاج بحث وتجريب، وخبرة طويلة، وأهم قيمه اللون، وفي هذه المرحلة، يقول الكثير بأسلوب مجدد، ولغة فنية قوية تعزز الثقة بتجربته التي تحمل بين عوالمها صورة فنية جميلة».  

وفيما يتعلق بحداثة التجريد في أعمال الدكتور "سليمان"، قال الكاتب و الناقد التشكيلي "عمار حسن": «الحداثة في التجريد خطوة أولى في إعادة تركيب اللوحة التشكيلية لدى الفنان "سليمان"، وتحتاج كثيراً من الوقت والتحليل والجهد، وصولاً إلى أصغر مفردة بصرية ممكنة وهي النقطة، من هنا نرى أنه عاود تركيب اللوحة بناءً على رؤية نموذجية جديدة نقلت عن صورة محسوسة من الواقع لتتحول إلى صورة تجريدية تخلق تساؤلاً تشكيلياً، وتقدم للمتأمل كل خبراته اللونية و تقنياته الأكاديمية».

ببلوغرافيا الفنان

 ولد علي سليمان في طرابلس عام 1955، تخرج في كلية الفنون الجميلة جامعة "دمشق" بدرجة امتياز شرف، وأستاذ دراسات عليا فيها منذ عام /2000/، دكتوراه في الرسم والتصوير من كلية الفنون الجميلة "برلين ـ ألمانيا" عام /1987/، عضو مؤتمر "اليونسكو" لثقافات شعوب المتوسط، وعضو اتحاد التشكيليين السوريين، واتحاد التشكيليين العرب، عضو اتحاد الفنانين الألمان، وله /43/ معرضاً فردياً خاصاً بأعماله في "دول عربية وعالمية".