"فيلوديمو".. قصائده حفظها البركان

"فيلوديمو".. قصائده حفظها البركان

محب الناس ومُقارع الحجج

كمال شاهين

الثلاثاء 29 تموز 2014

قرية أم قيس ـ الحدود السورية - الأردنية

مضى على رحيله ما يقارب ألفي عام، وإلى اليوم مازالت مراكز البحث الأكاديمي تبحث في أعماله، ومازال المترجمون يتسابقون لترجمة تراثه إلى كثير من لغات العالم الحي.

ولد الشاعر والفيلسوف السوري "فيلوديمو" في قرية "جدارا" (وتسمى أيضاً "أم قيس") على الحدود السورية - الأردنية حالياً عام 110 قبل الميلاد، وقد كانت هذه المدينة إحدى المدن العشر في "سورية الساحلية" (كما تسمى أيام الرومان) التي نبتت وأينعت فيها الثقافة الهيلنستية مثلها مثل "أنطاكيا" و"بيروت" و"اللاذقية" (لاواديسا)<

وإلى جانب موسوعيته الفلسفية، كما يذكر الكاتب السوري "إحسان الهندي" في كتابه "شعراء سورية في العصر الهلينيستي"، فقد كان شاعراً بارزاً يصنف إلى جانب "ميلياغر" ابن بلدته، ويقول "الهندي": «كما يصنف إلى جانب شعراء وخطباء اليونان أمثال "شيشرون"، ولحسن حظه فإن مختلف الأعمال التي كتبها على ورق البردي، حفظتها كارثة بركان "فيزوف" في "إيطاليا" عام 79 للميلاد، فقد غطى الرماد البركاني الدارة التي كان يسكنها، واحترقت الدارة إلا أن لفائف البردي تلك قد نفدت بأعجوبة من الحريق، وعثر عليها بعد ثمانية عشر قرناً أثناء التنقيب في المدينة المحترقة سليمة بشكل شبه كامل، وذلك بالتحديد بين عامي 1882-1883، وقد كانت من الأهمية بمكان أن المؤسسات الإيطالية الأكاديمية عملت على إنشاء مراكز أبحاث لترجمتها ونشرها إلى اللاتينية والفرنسية والإنكليزية وغيرها، وبعدها قامت الولايات المتحدة بذلك أيضا».

في تقييم شعره، يتحدث إلى مدونة وطن

"eSyria" بتاريخ 10 تموز 2014، الدكتور "محمد إبراهيم" مدرس في كلية الآداب بجامعة "تشرين" ويقول: «تميز شعر "فيلوديمو" بالسهولة والواقعية، وباستخدام التشابيه بكثرة، وباعتماده نفس التراكيب اليونانية المتأثرة بشعر المشرق السوري، أما المواضيع التي قرأناها له فهي بكاملها لا تتمتع بالعمق الفلسفي الذي تتمتع به كتابته، ربما كان السبب هو النظرة العامة للشعر وقتها التي تقدم الشعر للجمهور بشكل مباشر، فكانت ألفاظه قريبة من أذهان العامة، أضف إلى ذلك أن "فيلوديمو" عرف نفسه كفيلسوف ومنظر مهم للفلسفة الأبيقورية وبقي يقارع الحجج فيها طوال سنوات حياته».

وفي كتاب"PHELODEMI RHITROICA" يشرح مترجم الكتاب السيد "إ. جروس" سيرة حياة الشاعر "فيلوديمو" بناء على لفائف البردي التي تركها، إضافة إلى شهادات معاصريه، يقول: «هو من لقب نفسه بـ"فيلوديمو" وتعني "محب الناس"، درس في "غدارا" علومه الأولى في مدارسها، لينتقل بعد ذلك إلى "أثينا"، وتتلمذ لمدة خمس سنوات على يد الفيلسوف السوري الصيدوني "زينون" الفلسفة الأبيقورية وذلك حوالي العام 95 ق.م، ومن هناك إلى "روما" حيث التقى القائد والسياسي "بيزون" وأهداه كتابه "الملك الصالح حسب الشاعر هوميروس"، الأمر الذي قدره القائد فأهداه الفيلا التي كان يملكها في ضاحية "هيركلانيوم" في "نابولي" لكي تكون

مقراً له لممارسة نشاطاته الفكرية، وأسس فيها مدرسة لتعليم الفلسفة الأبيقورية».

ويتابع: «بقي "فيلوديمو" يمارس التعليم في المدرسة سنوات طوال حتى وفاته عام 28 ق.م، وتزوج حسب البعض من ابنة الخطيب الروماني الشهير "شيشرون"، وقد زاره في المدرسة وأثنى على مهاراته التعليمية والأدبية، وقد اعترف "شيشرون" بأن "فيلوديمو" الأحسن والأكثر علماً، وتميز بجمعه الشعر والفلسفة، وحفظت أوراق البردي التي تركها نسقاً كاملاً من أعماله، وبفضلها أصبح اليوم يعرف كمفكر موسوعي وشاعر، ونظم شعره على الطريقة المعروفة بـ"الأبيجرامة"، وهي موجودة بكاملها في كتاب "الأنتولوجيا البالنتية"، وبعضها الآخر موجود في كتاب "الأنتولوجيا الإغريقية»."

يذكر الدكتور "الهندي" أن الشاعر "فيلوديمو" ألف عدداً من الكتب في الشعر، منها: "فن القصائد"، و"فن الشعر"، ويقول: «وقد اتبع في كتابة قصائده نفس الطريقة التي كتب بها من سبقه من الشعراء في العالم الهيليني، أمثال "فيرجيل وهوراس"، أما موضوعاته فقد كانت كلها في شؤون الحب والهوى، وبلغ عدد جميع ما كتب من الشعر أربع وثلاثين قصيدة، عثر منها على أربع وعشرين قصيدة، تدور جميعها عن الحب وملذات العاشقين، وفي بعضها صراحة ووضوح ترقى إلى مستوى شعراء كثيرين في تلك الفترة كما في شعر "سافو".

ومن قصائده التي  قدمها هذه القصيدة الواردة في كتاب "قصة الحضارة" بترجمة الراحل "محمد بدران"، بعنوان "أغنية حزينة إلى زنثو"، وفيها:

«يا ذات الخدين الأبيضين كلون الشمع، والصدر الناعم ذي العطر

الشجي، والعينين اللتين تعشّشُ فيهما ربات الفن، والشفتين

الحلوتين اللتين تفيضان بأكمل اللذات... غنّي لي أغنيتك

يا زنثو يا ذات الوجه الشاحب غنّي... ما أسرع ما تنقطع

الموسيقا. أعيدي النغمة الحلوة الحزينة مرة بعد مرة، ومسّي الوتر

بأصابعكِ العطرة؛ يا بهجة الحب، يا زنثو الشاحبة غنّي».