"ملا يوسف سليمان"... العلم والفقه وتربية الأجيال

"ملا يوسف سليمان"... العلم والفقه وتربية الأجيال

حسن عبد الله

الأربعاء 20 نيسان 2011

الشيخ الفاضل الذي طالما ارتشف طلاب العلم من بحر علمه وطالما نهلوا من حكمته في الحياة، كانت كل ثروته في هذه الحياة عبارة عن كتب يرتوي منها حين العطش، وكل ما أورثه من بعده اسماً ستبقى تذكره "رأس العين" لأجيال قادمة واعترافا بفضله من قبل الآلاف من طلابه.

موقع "eHaskeh" بتاريخ 7/4/2011 زار قرية الصالحية التابعة لمدينة "رأس العين" حيث كان يسكن قبل وفاته منذ ما يقارب العام والتقى ولده "محمود ملا يوسف" الذي تحدث عن حياة والده قائلاً: «ولد الملا في قرية تابعة لولاية "مردين" في تركيا حوالي 1895 م بحسب المعلومات، وفقد أهله وأقاربه في خضم أحداث تلك الفترة من حروب وتمردات على العثمانيين آنذاك، ولم يبق له على قيد الحياة سوى شقيقه الأكبر، وقد درس لمدة عامين فقط في المدارس التركية هناك، ثم اضطر لترك المدرسة والسكن لدى معارفه في "عامودا" القريبة من "مردين" وراح يُكمّل تعليمه على يد علمائها المعروفين كالعلامة "سيدا عبد اللطيف" وشيخ الطريقة النقشبندية "احمد الخزنوي " وقد حاز إجازة في العلوم الشرعية والنحو إلى جانب الرياضيات والتاريخ والفلك ثم عمل بعد ذلك إماماً ومفتياً في عدة مناطق، وفي رحلته إلى بيت الله لتأدية فريضة الحج مرّ بمدينة حلب ودمشق والتقى فيهما بعددٍ من العلماء المعروفين آنذاك كالملا "رمضان البوطي" رحمه الله والد العلامة "محمد سعيد رمضان البوطي"، وأثناء وجوده في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية استغل الفرصة ليلتقي هناك بأكابر علماء المسلمين.

ويضيف "محمود" بالقول: «أمضى والدي نصف حياته الأولى متنقلاً بين مدارس العلوم الشرعية وعلمائها، يطلع على ما يتوافر بين يديه ويستزيد من ينابيع العلوم الشرعية المتاحة أيامه، ثم ينقلها إلى طلابه ويزيد عليها، بعد ذلك سكن في قرية صغيرة هادئة تابعة لمدينة "رأس العين" في بيت بسيط يقع على ضفاف "الخابور" حيث تزوج بعد أن بلغ الستين من عمره، وصار هذا البيت فيما بعد وجهة طلاب العلم من كل أنحاء المنطقة، حيث انشأ فيه ما يشبه المدرسة التي تستقبل طلاب العلم من كافة الأعمار والاختصاصات، فمن أطفال يأتون لتعلم مبادئ القراءة والحساب إلى طلاب الجامعات من مختلف الاختصاصات إلى علماء الفقه والشريعة، إضافة إلى من كان يأتيه ليتدخل لحل الخلافات، فقد كان بيته مفتوحاً للجميع، وكانت له العديد من الكتابات في عدة مجالات كالنحو والفقه...، إضافة إلى تنظيم قصائد صوفية باللغتين: العربية والكردية وحكم استخلصها من تجربة حياته لم تجد طريقها إلى النشر، وقد منحها بين جملة الكتب التي كانت لديه لبعض المعاهد الشرعية وطلاب العلم قبل السيد "محمد أمين كالو" 77 عاما، من سكان قرية الصالحية جاور "الملا يوسف" طوال 50 عاماً تحدث عن مآثره قائلاً: «لقد قضى الملا يوسف رحمه الله حياته في خدمة العلم والمعرفة، وقد كان بيته مفتوحاً دائماً لطلاب العلم من كل الفئات والأعمار، فمن عابر سبيل يبحث عن مأوى إلى طلاب العلم الذين كانوا يبحثون عن إجابات لأسئلتهم، إلى من كانوا يقصدونه ليتدخل في حلّ الخلافات والنزاعات بينهم، وما كان ليمر عالم أو مثقف أو حتى زائر جاء ليزور أقاربه من تركيا أو من أي مكانٍ بعيد إلا وجاء ليزور "الملا" بعدما سمع عنه، حتى إن منزله في بعض الأوقات كان يتحول إلى مدرسة تضج بأفواج الطلاب، وحتى عندما أصبح طريح الفراش لفترة طويلة بعد أن بلغ من العمر أكثر من 110 أعوام، حيث ظلّ محتفظاً بذاكرة قوية إلى الأيام الأخيرة من حياته فكان لا يتوانى عن تقديم العون لطلابه، وفي السنوات الأولى من قدومه إلى القرية عُرضت عليه عدة مناصب رفضها لأنه كان يفضل حياة الزهد والتقشف».

السيد "ظاهر الحاج محمد" قال: «روى شقيق "الملا يوسف" الأكبر "الصوفي حسين أبو عبد الله" رحمه الله انه عندما كان "الملا" طالباً في الصف الأول في إحدى القرى التابعة لمدينة "مردين" زار القرية السلطان "عبد الحميد" أثناء مروره في المنطقة، فكان الملا يوسف الوحيد الذي تجرأ أن يتقدم لتحية السلطان ففرح السلطان واثنى عليه وقال له إني أتوقع أن تصبح من كبار رجالات العلم في المستقبل».

السيد "محمد سعيد المهاجري" 75 عاما احد الذين تتلمذوا على يد "الملا يوسف"قال: «أنا احد طلاب الملا يوسف منذ اكثر من 60 عاما، حيث لم يكن الحصول على التعليم أمراً سهلاً في منطقتنا حينها، فقد كانت اقرب مدرسة تبعد عن قريتنا أكثر من 10كم، فكان بيت "الملا يوسف" بمثابة المدرسة، وقد كان "الملا" في البداية يعلمنا مبادئ القراءة والكتابة، ثم بعد ذلك النحو والتجويد والحساب والتاريخ... وهكذا، ثم أصبحنا بعد ذلك نجالسه لنتعلم أصول الفقه والشريعة والفلسفة ونطلع على مئات الكتب القيمة التي كانت تضمها مكتبته، لقد كان مرجعنا الوحيد ومعلمنا الذي لا يمكن إنكار فضله أبداً، وبفضله تجاوزنا عتمة الأمية والجهل».