"مي سعيفان": أكره الإستعراض في الرقص

"مي سعيفان": أكره الإستعراض في الرقص

رولا القطب

 

ترى أن الرقص لغة بحد ذاتها، فهو لايكشف عن نفسه بسهولة يحتاج لمن يفهمه  ويكتشفه  كي يؤديه  برسالةٍ صادقة. تكره الإسستخفاف بلغة الجسد وتحويلها لمجرد أداة استعراضية، فجاءت عروضها وأعمالها الراقصة عن خبرةٍ في لغة الجسد والحوار مع الجمهور. "مي سعيفان" اسمٌ لامع عرف عنه التميز في كافة البلدان.

المفكرة الثقافية أجرت اللقاء التاليمع الفنانة "سعيفان" بتاريخ 25/1/2009:

*كيف كانت بدايتك مع رقص الباليه ومن وجهك نحو تعلمه؟

**منذ صغري كنت أحب الرقص فلاحظت والدتي أنني أملك حساً فنياً يحتاج للصقل بشكلٍ أكاديمي، فقررت أن تعلمني رقص الباليه الكلاسيكي، وبالفعل تم تسجيلي بالمعهد العالي للفنون المسرحية الكائن في ذلك الوقت في منطقة دمر فتقدمت لامتحان القبول وقبلت لدى أستاذ الباليه، ومن هنا ابتدأ مشواري الفني حتى وصولي للمعهد العالي للباليه.

*بعد ذلك حصلت في تلك الفترة على منحة دراسية من ألمانيا لمتابعة رقص البالية هل لك أن تُحدثينا عن هذه المرحلة بعد سفرك من سورية؟  

**عندما غادرت سورية كنت أريد الإختصاص بمجال  البالية الكلاسيكي، ولكن عندما دخلت المعهد العالي للفنون المسرحية في فرانكفورت، كان رقص المودرن-الإرتجالي –المعاصر يُدرس أكثر من الباليه الكلاسيكي، وطبعاً بالبداية لم أتقبل هذا النوع من الرقص لأن دراستي كانت كلاسيكية بحتة، ومن خلال اللاوعي كنت أشعر بعدائية تجاه الأنواع الأخرى من الرقص، وهذا أمر طبيعي لكل من يرقص بطريقة كلاسيكية، ولكن مع مرور الوقت تقربت أكثر من هذه الأنواع الراقصة، فزاد فهمي وتعمقي لها، وشعرت بعد ذلك بوجود عوالم تفتح أبوابها أمامي على كافة الأصعدة، فاتجهت بعد ذلك بشكلٍ كامل من البالية الكلاسيكي إلى المودرن حيث كانت دراستي للباليه الكلاسيكي والمودرن بنفس الثقل، ولكن بشكل أساسي كانت العروض المقدمة على المسرح هي بالية مودرن ومعاصر، إلا أنني لم أبتعد عن البالية الكلاسيكي فمازلت حتى الآن أُتابع تدريباته يوميا،ً لأن ذلك ضروري جداً من الناحية التكنيكية لجسم الراقص لأنني انتقلت بشكلٍ كامل للبالية المعاصر والمودرن.

·      هل أثر ذلك على أدائك في البالية الكلاسيكي؟

**بالطبع كان لذلك تأثيركبير ولكن ايجابي لم أكن أتوقعه حيث أثر بطريقة حركتي وفهمي للبالية الكلاسيكي، فأصبح تفسيري له مختلف تماماً عن السابق حتى من الناحية التشريحية للجسم، لذا أؤكد أن انتقالي للمودرن أثر تأثيراً ايجابياً وواضحاً على البالية الكلاسيكي.

*علمنا أنك درست عدة اختصاصات "فريدة" في البالية، هل لك أن تُطلعينا عليها؟

**لقد كان اختصاصي الرئيسي بالمعهد العالي في "فرانكفورت" هو الرقص والكوريوغرافي "فن التصميم بشكلٍ عام"، وحديثاً قُمت بدراسة اختصاص جديد من نوعه استمرت دراسته لمدة عام كامل وهو تعليم "طرق تلقين الرقص المعاصر للأطفال"، بالإضافة لفن الكوريوغرافي الخاص بالطفل الذي يتضمن الأمور الواجب مُراعاتها عند تقديم أي عرض راقص خاص بالأطفال، بالإضافة لأمور عديدة متعلقة بهذا العلم، كما درست علم "كنزوليكيل" وهوعلم من علوم الطاقة الذي يهدف إلى تحريك طاقة الجسم واستغلالها بشكلٍ ايجابي، أي تحويل الطاقة السلبية لطاقة ايجابية. ودرست علوم طب الرقص وهو موضوع هام جداً ويُقصد به الفهم التشريحي لجسم الراقص من حيث العضلات والأوتار لأن جسم الراقص يختلف تماماً عن جسم الإنسان الغير راقص، فحركة الرقص ليست شيئاً بديهياً للجسم، فالراقص يجب أن يؤدي حركاته بشكلٍ صحي أي أن يؤدي حركات الرقص بطريقة مدروسة تشريحياَ حتى لايتعرض لأي اصابات تمنعه من متابعة الرقص فيما بعد، وهذا الأمر هام جداً خاصةً بالنسبة للأطفال كي يعتادوا على ممارسة حركات الرقص بشكلٍ صحيح حتى تنموأجسامهم بشكلٍ سليم خاليا من أي اصابات. كما أنني درست اليوغا بالنسبة للكبار والصغار.

*من خلال خبرتك الطويلة في البالية، برأيك ماهو أفضل أسلوب لتدريسه للأطفال ؟

**حالياً أُدرس /80/ طفلاً تبدأ أعمارهم من /3/ سنوات، فأسلوبي في التدريس وطرق إيصال الأفكار تتم بشكل غير مباشر عبرأساليب ترفيهية مختلفة تماماً عن المدرسة الروسية، لأن مايهمني أن يكونوا راقصين فاعلين مشاركين في الدرس من خلال أفكارهم وحركاتهم، والأهم من ذلك أن يكتشفوابأنفسهم أسلوبهم الحركي، وأنا بدوري أُمهد لهم الطريق لذلك، وأود التنويه لأمرٍ هام هو أنني لاأتعامل مع الأطفال الراقصين مثل تعاملي الصارم مع الراقصين الكبار.

*بالبداية عندما يتقدم الطفل للمدرسة هل تهمك معاييرشكل الجسم لقبوله في صف البالية؟

**في الحقيقة لايهمني أبداً شكل الجسم، لأنني أؤمن بفكرة أن  "أي إنسان لديه المؤهلات لأن يكون راقصاً جيداً من خلال جسده" لذا أنا لا أقوم بإجراء أي امتحان قبول انطلاقاَ من هذه الفكرة، ولكن هناك أطفال لديهم القدرة والسرعة في التقاط الأفكار والأسلوب بشكلٍ سريع، ولكن هذا لايُلغي الغريزة الموجودة بداخل كل إنسان.

*هل لك أن تُخبرينا عن فكرة المدرسة التي أسستها ب"ألمانيا" وأنواع الرقص الذي يُدرس فيها ؟

**المدرسة هي أقدم مدرسة في "نورنبرغ" وقد تم تأسيسها منذ 30 سنة، حيث تناقل على ادارتها وشراءها عدد كبير من الأساتذة وخلال تلك الفترة كانت المدرسة تعلم رقص الباليه الكلاسيكي فقط، حيث كان  زوجي مُدرساً فيها، لكننا بعد ذلك قمنا بشرائها وأدخلنا عليها رقص الباليه ((المعاصر-الإرتجالي –الفلامنكو-اليوغا)) إضافة للبالية الكلاسيكي الروسي ودروس "بيلاتوس" وهي نوع من التمارين الرياضية التشريحية للجسم، وبعد ذلك تقدمنا بطلب للحكومة الألمانية لتأهيل مدرستنا لتكون مدرسة احترافية قادرة على اعداد طلاب قادرين للتقدم والدخول لمعاهد الرقص العليا؟؟

 وبالفعل تم تأهيلنا لنكون كذلك، ومنذ ذلك الوقت مازلنا نقوم بدورنا بالتدريس، ونشارك بعروض ومهرجانات كثيرة في العديد من الدول.

*كيف تخلق فكرة العرض الراقص بذهنك، وماهي آلية تحضيرك له؟

**عندما تأتي الفكرة أتركها حتى تتخمر في عقلي قليلاً، ومن ثم أقوم بعملية البحث من خلال القيام بأبحاث عديدة عنها وبالعودة إلى مراجع علمية موثوقة كي أضع على الورق تصوري المبدئي للعرض، ومع الوقت أُطورالعمل حتى أصل لمرحلة البروفات التي من خلالها يتم اجراء تعديلات كثيرة على أفكارالعرض، وبعد ذلك تبدأ مرحلة البحث عن النمط الموسيقي المصاحب للعرض بالإضافة للعناصر الأخرى المفيدة التي أود إدخالها على العمل سواء كانت مكملة أم دخيلة، وأثناء تحضيري لأي عمل راقص يتم إجراء حوارات ومناقشات كثيرة تدورمع والدتي وزوجي وفريق العمل حول العرض وإمكانية تطويره.

في الحقيقة أحب الأعمال التي أطرحها لأنها تنبع من أعماقي، و ترتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصيتي وتطورها، لأن معظم ماأقدمه أتعمق بكافة تفاصيله وبشكلٍ مكثف حتى تصل فكرة العمل للجمهور بوضوح.

أنا أكره الرقص الإستعراضي، لأن الرقص بنظري هو أكثر من حركات استعراضية، وكثيراً ماأتساءل لماذا تحصر بعض العروض دور الجسم بالرقص الإستعراضي الهزيل تماماً كحصر جسم المرأة ببوستر إعلامي، بينما الرقص الحقيقي هو لغة بحد ذاتها تحتاج لمن يكتشفها لأنها لاتكشف عن نفسها بسهولة.

*ما الرقصة التي أثرت بـ"مي سعيفان" والتي بقيت بذاكرتها حتى الآن؟

**من أهم الرقصات التي رقصتها، والتي تعنيني كثيراً هي رقصة صغيرة من النمط المعاصر تُدعى  خطوات  stepقدمتها خلال دراستي  بالفترة التي كنت أشعر فيها بعدائية تجاه هذا النوع من الرقص، لكن الذي حدث أنني أثناء تقديمي للعرض على المسرح اندمجت كثيراً بالرقصة بشكلٍ لايوصف فشعرت خلالها أنني بعالم آخرلايسكنه أحد، فكانت المرة الأولى التي أشعر فيها بقيمة الرقص المعاصر، ونتيجة ذلك تحولت إليه.

*ماهي أهم المحطات والعروض الراقصة التي قدمتها؟

**مشاركتي بمهرجان " الرقص على الهاوية" الذي أُقيم في هولندة (أمستردام، روتردام، غرونينغن)، وهوالمهرجان الأول عالمياً لمخرجي الرقص المعاصر من الشرق الأوسط، الذي حمل موضوع "الأعمال الناقدة" ففيه قدمت عرض "كونتراكت" بمشاركة الكوريوغراف " إنغو شفايغر"، كما عملت كراقصة مع المخرجة " ألكسندرا راو" في العرض المسرحي الموسيقي الراقص "ماهان"، وقدمَت عرضاً ارتجالياً تحت عنوان" ضوء متحرك"، مع فنانة التقنيات الضوئية "ريتا كريغي" في "نورنبرغ".

أما في عام 2008 شاركت ككوريوغراف وراقصة وإدارية في مهرجان "الرقص 2008" الذي تم في إقليم "نورنبرغ" ضمن العروض: "قصر الرقص"، " بال زيمولتان" ، "بال موديرن" (و هو مهرجان للرقص المعاصر تم في إقليم "نورنبرغ" الكبير الذي امتد على مدى عشرين يوماً، و شمل العديد من المسارح و الهيئات الفنية في إقليم "نورنبرغ" وتوجه إلى الراقصين المحترفين، المدارس، محبي الفنون والهواة.)