شهدت "دمشق" في مطلع القرن العشرين حركة نشطة للخروج من السبات التاريخي الموروث والتركة الثقيلة التي خلفتها مرحلة طويلة من الاستعمار الأجنبي، وكانت عملية التحرر هذه تتطلب حراكا اجتماعيا جديدا على الصعد كافة الفكرية والأدبية والسياسية والذي شكل بدوره النواة الأولى لإقامة النوادي الأدبية والثقافية التي كان لها أثر بارز في الصعود بالحراك الاجتماعي.
فقد كانت تلك المنتديات ملتقى العديد من المفكرين والأدباء والشعراء والفنانين والمثقفين الذين ينحدرون من طبقات اجتماعية مختلفة، وينتمون إلى إيديولوجيات ومذاهب دينية مختلفة أيضاً. مما كان له الدور الأبرز في مد الجسور الثقافية بين مختلف هذه التيارات والانتماءات وتبادل الزيارات والخبرات والمعارف والعلوم والفنون والآداب لإيجاد الأرضية المشتركة في خلق وحدة ثقافية عربية معاصرة ترتقي بالواقع. وقد سجلت المرأة حضورا متميزا في هذه الأنشطة الثقافية وكانت السباقة لتأسيس الصالونات والمنتديات الأدبية.
بدأ نشاطه في العام 1998م بعد عودتي من باريس وحصولي على شهادة الدكتوراه، وقد حددت يوم الاثنين الأول من كل شهر موعدا لإقامة أنشطة هذا الصالون حيث يتم فيه مناقشة الكتب الصادرة حديثا
الأستاذ "حسين الحموي" عضو اتحاد الكتاب العرب- رئيس إدارة النشاط الثقافي فيه، تحدث لنا عن أهم الروابط الثقافية والمنتديات والصالونات الأدبية التي عرفتها "دمشق" للتعريف بها وبالقائمين عليها، وما بقي منها على قيد الحياة وما بقي منها نشطا وفاعلاً حتى الآن وما أصبح في خبر كان طي النسيان.
من الأقدم إلى الأحدث
يقول الأستاذ "الحموي": «تأسست بداية "جمعية الرابطة الأدبية" في العام 1921م وكانت تعقد ندواتها في دار رئيسها الأستاذ "خليل مردم بك" وكانت تضم طائفة ممتازة من أعلام الفكر والأدب أمثال "سليم الجندي، محمد الشريقي، عز الدين علم الدين، زكي الخطيب" ... وغيرهم كثيرون. وكان لها مجلة شهرية تصدر بعنوان "الرابطة الأدبية" غير أن السلطة الفرنسية حلت هذه الجمعية وأغلقت المجلة. ولقد وصف الشاعر "عدنان مردم بك" تلك الدار التي كانت فاتحة الصالونات الأدبية والثقافية في "دمشق" وكيف كان يجتمع فيها معظم الأدباء والكتاب في سورية والوطن العربي في مقدمة كتاب الأعرابيات قائلا: (تقع على بعد مئة متر تقريبا من الجهة الغربية للجامع الأموي وتتميز بهندستها العربية وسعة أرجائها، وكانت هذه الدار محجاً لرجال الفكر والأدب من سائر البلدان العربية والأوروبية وما مر أديب أو مستشرق إلا وزار هذه الدار، وقد زارها الشاعر "أحمد شوقي" سنة 1924م والشاعران العراقيان "صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي" والشعراء "خليل مطران وبشارة الخوري وإيليا أبو ماضي"، وحفلت بكبار الكتاب أمثال "أحمد حسن الزيات وابراهيم عبد القادر المازني وزكي المبارك وبهجة الأثري" وغيرهم كثيرون).
وأيضاً من الصالونات التي كانت باكورة الصالونات النسائية صالون "ماري عجمي" والذي يعد استكمالا للرابطة الأدبية ومكملا لنشاطها فبعد أن عمدت السلطات الفرنسية إلى حل الرابطة وإيقاف مجلتها استأنف الأعضاء اجتماعاتهم في منزل الآنسة "ماري عجمي" في حي باب توما بدمشق، وكان منزلا دمشقيا عريقا واسعا يلتقي فيه كل الأدباء والشعراء، ولم يستطع صالون "ماري عجمي" أن يرقى إلى مستوى صالون "مي زيادة" في مصر وإن قال فيها الأستاذ "فارس الخوري":
يا أهيل العبقرية... سجلوا هذه الشهادة
إن ماري العجمية... هي مي وزيادة
إن "ماري عجمي" كانت ناقدة من الطراز الرفيع، كانت ناصعة الحجة، جريئة اللسان، حسنة النكتة، متمكنة من العربية والانكليزية، وتميل إلى الدعابة والمرح.
وأيضاً نذكر صالون "زهراء العابد" الذي يعد أيضا من أقدم الصالونات التي عرفتها دمشق في الفترة ما بين الحربين العالميتين والسيدة "زهراء" هي زوجة "محمد علي العابد" أول رئيس للجمهورية العربية السورية، وقد دعت إلى تأسيس هذا الصالون في الأربعينيات من القرن العشرين وأطلقت عليه اسم حلقة "الزهراء" وقد دعت إلى هذا الصالون عددا غير قليل من الأدباء والشعراء والكتاب لإحياء عدد من الأماسي الشعرية الأدبية في أوقات ومواعيد محددة.
وهناك أيضا "النادي العربي" وهو من أقدم النوادي الفكرية التي تأسست في "دمشق" في الفترة ما بين الحربين العالميتين، يقع في الشارع الرئيسي الذي يصل بين محطة الحجاز وبوابة الصالحية بدمشق، بابه عريض يوازي مقهى الهافانا الذي كان موئل المفكرين والفنانين، ومازال يمارس نشاطاته الأدبية والفنية لكن بشكل متقطع، وقد أحيا الشاعر "الجواهري" في هذا النادي أكثر من أمسية آخرها كان قبل وفاته بعام، كما أقام المفكر "زكي الأرسوزي" عددا من الندوات».
ويضيف الأستاذ "الحموي" في حديثه عن المنتديات الثقافية في "دمشق" قائلاً: «هناك أيضاً "المنتدى الاجتماعي" ويعد هذا المنتدى من أوائل الروابط الثقافية والأدبية التي عرفتها دمشق في الفترة ما بين الحربين يقع على الطريق المؤدي إلى مشفى الطلياني، ومازال يتابع أنشطته حتى الآن ويؤمه عدد غير قليل من الأدباء والكتاب المعاصرين.
وأيضا نذكر "الندوة الثقافية النسائية" التي تأسست عام 1942 وشهدت نشاطا واسعا في المجالات كافة الأدبية والفكرية والفنية في السنوات الأولى التي أعقبت التأسيس، توقفت برهة من الزمن ومن ثم عاودت نشاطها، تقع هذه الندوة في حارة الروضة بدمشق ويحيط بها عدد من السفارات العربية والأجنبية وتطل على جادة الحريري وأحد فروع بردى.
وأيضا صالون "ثريا الحافظ" وهو من الصالونات التي لم يكتب لها الحياة والاستمرار بعد وفاة صاحبته زوجة الأستاذ "منير الريس" فقد أقامت هذا الصالون وأسسته في منزلها بحي المزرعة بدمشق وأطلقت عليه "منتدى سكينة" تخليدا لاسم "سكينة بنت الحسين" صاحبة أول صالون أدبي في العالم، افتتح في 26/12/1953».
الصالونات الحديثة
ومن الصالونات الأدبية التي تنتمي لجيل الصالونات الحديث، صالون الأديبة المحامية "حنان نجمة" وقد تأسس في العام 1980 م بدمشق ويقع في مواجهة المجلس النيابي على بعد مئتي متر عن وزارة الثقافة، يطل على الشارع الرئيسي الذي يسكن فيه الشاعر والأديب الكبير "عبد المعين الملوحي" الذي قامت السيدة "حنان" بتكريمه. ويعد صالون الأديبة "حنان" من المنتديات الثقافية والأدبية المهمة في دمشق، حيث حافظ على الدقة في عقد أنشطته ومواعيدها في الخميس الأول من كل شهر في تمام الساعة السادسة وهي تقوم بنفسها بالإشراف على الندوة وإدارة الحوار.
وأيضا هناك "المنتدى الحضاري" لصاحبه الأستاذ الباحث "عمر أبو زلام" الذي مازال يمارس نشاطه الثقافي ولكن بشكل متقطع منذ عقدين تقريبا وقد أصدر مجلة باسم هذا المنتدى لكنها توقفت في العدد الثاني والعشرين، واللافت في هذا المنتدى أنه يضم نخبة من رجال الفكر والسياسة والأدب، يقع المنتدى في منطقة البرامكة بدمشق مقابل القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي ويضم في الطبقة الثانية التي يقع فيها بهوا واسعا وضع فيه ما لا يقل عن 30 كرسيا من الخيزران للجلوس والحضور والاستماع للمحاضر.
"منتدى جمال الأتاسي" وهو من المنتديات المتميزة بدمشق في طرح القضايا السياسية ذات البعد الفكري والأيديولوجي، رواده من النخبة المثقفة ومن أعلام الفكر والأدب والسياسة. وأيضا هناك "المنتدى الأدبي الحر" الذي اتفق مؤسسوه على أن يكون شهريا في بيت أحد المشاركين في تأسيسه وهم نخبة من أساتذة الجامعة والأدباء والنقاد والشعراء نذكر منهم الناقد "يوسف اليوسف" الذي يقف على رأس المجموعة التي بدأت الاجتماعات الأولى في منزله الكائن في المخيم بدمشق ثم انتقل إلى بقية الأعضاء المشاركين بالتناوب ومن الأعضاء المشاركين نذكر الأستاذ "عادل فريجات"، والدكتور "خليل الموسى" .... وآخرون، استمر في أنشطته وفعالياته الثقافية قرابة ستة أعوام انفرطت حبات العقد فيه رويدا رويدا بسبب سفر بعض أعضائه، وهناك محاولة جديدة لإعادته إلى ساحات الإبداع والثقافة بدمشق.
صالون الأديبة "كوليت خوري" وهي حفيدة المفكر والسياسي الكبير "فارس الخوري" ويقع هذا الصالون في مدخل باب توما إلى ساحة العباسيين حيث تسكن الأديبة منذ زمن طويل، وخصصت صالونها الواسع والرحب الموزع إلى قسمين متساويين من حيث الكراسي والمساحة لاستقبال الزوار من الأدباء والكتاب العرب والسوريين، حيث يطرح في الصالون مسائل فكرية وثقافية متنوعة تعيد إلى الأذهان ما كان يجري في المجالس العربية القديمة من حوارات ومناقشات وما زالت تفتح بيتها العامر بالزوار لتبادل الآراء والأفكار والأحاديث المتنوعة التي يتداخل فيها الفكر بالسياسة بالتربية بالآداب، لكنها لم تحدد يوما مخصصاً لهذه الحوارات واكتفت بفتح صالونها لكل زائر يقول ما يشاء وفي أي موضوع يشاء.
صالون الشاعرة "ابتسام الصمادي" الذي تقول فيه أنه «تأسس في العام 1997 م مؤخرا في دمشق وحدد الثلاثاء الأول من كل شهر موعداً للقاء الأدباء والكتاب وكانت هذه اللقاءات الأولى في منزلي في منطقة المخيم ولما كثر عدد الزوار انتقلت بهذا الصالون إلى (خيمة الصنوبر) في أوتستراد المزة على بعد 200 م عن مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، حيث كنت أستأجر جناحا خاصا لإقامة هذه الأنشطة، ثم انتقلت إلى قاعة كبيرة في برج الصالحية لما كثر عدد الزوار».
صالون الدكتورة "جورجيت عطية" وهو من الصالونات الجديدة في دمشق وتقول فيه: «بدأ نشاطه في العام 1998م بعد عودتي من باريس وحصولي على شهادة الدكتوراه، وقد حددت يوم الاثنين الأول من كل شهر موعدا لإقامة أنشطة هذا الصالون حيث يتم فيه مناقشة الكتب الصادرة حديثا».
صالون السيدة "سحر أبو حرب" أو كما تدعوه "منتدى اللا عنف" فتذكر "أبو حرب" أنها أسست هذا الصالون في عام 2007 حيث خصصت جلسات هذا المنتدى الذي تعقد في الخميس الثاني من كل شهر في منزلها الكائن في شارع بغداد في جادة الزرقاء لاجتماع عدد من المهتمين بالثقافة والأدب والفن ويتخلل هذا اللقاء الثقافي في محاضرة أو ندوة أدبية في مسألة من المسائل الأدبية أو النقدية أو الفكرية واللافت في هذا المنتدى كثرة عدد الحضور ولا سيما من النساء وتنوع الأطياف الفكرية والثقافية التي ترتاد هذا المنتدى وغنى الموضوعات والمشاركات وقد مر على هذا الصالون أسماء مهمة كالمفكر "جودت سعيد، ندرة اليازجي، فراس السواح، ...".