أقام المركز الثقافي العربي بدمشق محاضرةً بعنوان / شاعرنا القديم ومفهوم الوطن/ للدكتور ثائر زين الدين
حيث أكد السيد نبيل حمزاوي أحد الحضور أهمية المحاضرة وتساءل: كيف كان الشعراء القدامى في حالة تناقض مع بعضهم بعضاً؟ لأن الشاعر وطنه هو بيئته وليس عدد من الأوطان، مع العلم بأن الانفتاح مطلوب حالياً.
السيدة راية الرفاعي: بعد أن أثنت على المحاضرة والأسلوب السردي الجميل المتميز، طرحت النزعة الغربية وكيف لنا أن نرى ذلك من خلال الفلسفة، وبرهنت ذلك بقولها؟ إن الشعوب جميعها من تراب وإلى التراب فلماذا نحن نعيش في سيطرة الغرب على الشرق، ونتقبل استخدامهم مقولات عديدة تنم عن تلك النزعة؟
السيدة الهام سليمان ذكرت أن المحاضرة هي بحث أكاديمي جميل وقد أحبت الشعر الجاهلي الذي طرح خاصة أننا اليوم نحتاج إلى عدة معاجم لتفسير مفرداته لكنه يبقى الأفضل والرائع إلى ما شاء الله، والمتميز بهذه المحاضرة تألق المحاضر بأداء الأشعار المتميزة مبنى ومعنى.
د. ثائر زين الدين (المحاضر) بيّن أن ارتباط كلمة "وَطن" بشكل أو بآخر بالمنزل، والسَكْن، والمغنى، والربعِ وما إلى ذلك، والذي ورد في المخصّص: "صاحبُ العين: أقمتُ بالمكانِ وغنيتُ غنىً، والمغاني: المنازل. وقيل: المنازل التي كان بها أهلها، وظعنوا.. والسكنُ: المنزلُ، والسَكْنُ أيضاً: أهلُ الدار.
وأشار د. زين الدين إلى أن الشعراء تداولوا مفردة الوطن على ألسنتهم بمعنى المنزل والبيت كثيراً، ليسَ في الجاهليّة فحسب، بل في باقي العصور، وصولاً إلى العصر العبّاسي، كما رأينا عند علي بن العبّاس الرومي في قصيدةٍ وجهها إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر، يستعديه على رجلٍ من التجّار يعرَفُ بابن أبي كامل، أجبرهُ على بيع داره واغتَصَبهُ بعضَ جدُرها.
الأرضُ التي تنزلُ بها القبيلة تصبحُ (منازلَ) لها ولأبنائها، يضربونَ خيامهم فيها، فتصبح (مضاربَ) لهم، وهي أرض يعرفون لها حدوداً طبيعيّةً من تلالٍ ووديانٍ، تجعلُ منها وطناً بصورةٍ ما؛ وللقبيلةِ حق حمايته، شأنها في ذلك شأن الدول وإذا أراد غريبُ اجتياز حدودها فلا بُدّ من أن يكون في حماية إنسانٍ منها وبإذنٍ من القبيلة، التي تعتمدُ حياتها على الترحال، كشكلٍ من أشكال التكيّف مع البيئة، والذين استقّروا تماماً في مدن وقرى وواحات، اتخذوا منها أوطاناً دائمةً- وفق المعنى المذكور- وفي كل الأحوال فقد قرأنا أشعاراً غزيرةً تُرسّخُ هذا المعنى من معاني الوطن.
إذاً فهذه بلاد طيء، وتلك بلاد ربيعة، وهذه ديار عبس، وتلك ديار ثقيف وما شابه ذلك، وقد خَلّدَ شعراؤنا القدامى/ جاهليين وإسلاميين/ مواطنَ قبائلهم، من خلال أشعار تذوب رِقةً وعذوبة.
وأكد د. ثائر زين الدين أن مفهوم الوطن عند شعرائنا القدامى قد ربط ربطاً وثيقاً بين المواضع والمنازل والمرابع من جهة، والناس الذين يسكنون فيها، وهم أقرباء وأنسباء تشدّهم إلى بعضهم رابطة الدم بالدرجة الأولى من جهةٍ أخرى، والوطن أيضاً امرأة يحبها المرء، ويرغم لسببٍ ما على هجرها، وهجر أرضه. ولهذا أيضاً كان عمر بن الخطاب (ر) يقول: "لولا حُبُ الناس الأوطان لخسرتِ البلدان"، وربّما كانت العربُ تعتبرُ الرجل ضائعاً؛ إن مات في غير أهله ووطنه ودون سببٍ نبيلٍ، وكذلك تبدّل صورة الوطن عند الشاعر العربي، هو تلكَ التغيّرات الهائلة التي ألمّت بالمجتمع، فقد انتقل العربُ من نمط الحياة الجاهلي، القائم على حياة البداوةِ عموماً، وقانونها الأهم: العصبيّة القبليّة، والحريّة إلاّ من قيودِ الطبيعةِ وقوانينها؛ إلى نمط آخر يتجلّى في وجود دولة الخلافة؛ بكلِّ مؤسساتها وقوانينها وسلطانها وفتوحاتها، واتساع أراضيها الهائل. وما تطلّبه ذلك من هجرة كثير من القبائل من مواطنها السابقة إلى البلاد الجديدة، واختلاطها بشعوب وأمم أخرى لها ثقافاتها ومعتقداتها وما إلى ذلك.
وأوضح أن هذه رؤيا متقدّمة طرحها الشعر العربي في مثل ذلك الزمن: وهي ليست وقفاً على الأسماء التي ذكرتها، أو الأبيات التي ضربتُها، والجديرُ بالذكر أنّها ترافقت– على صعيد الوعي الديني والفلسفي- برؤية منفتحة على الآخر مهما كان جنسه أو دينه أو قوميّته، ولاسيّما عند المتصوّفة، وعلى رأسهم الشيخ الأكبر، ابن عربي (1165-1240م).
وسنجدُ شعراً غير قليلٍ يتلمّسُ فكرةَ الوطنِ على أساسٍ قومي، واضعاً البذور الأولى لمفاهيم ستنضجُ في الأدبِ والفكر العربيين في القرنِ التاسع عشر، بداية القرن العشرين حتى منتصفه.
وخلص المحاضر إلى أن الشاعر القديم الذي بدأ في العصر الجاهلي حتى العباسي قد أحس بالوطن وفق أحاسيس خاصة به، ففي عصر الجاهلية كان الشعور العربي ينظر إلى الوطن على أنه المسكن أو البيت وإذا كبر إلى أكثر فهو مضارب أو منازل أو الوطن لديه حالة قبلية ولم يكن لينظر إلى الوطن عبارة عن أرض وإنما أشخاص ودم وبالتالي مفهوم وطن وفق مفهوم عصبية قبلية.
أما بزمن صدر الإسلام وما تلا ذلك تغيرت المفاهيم كثيراً فاتسعت رقعة الدولة وهاجر الكثيرون بفعل الفتوحات وواكب التطور حتى بات الكثير من الشعراء يرفضون مفهوم الوطن، فهو لم يعد يرتبط بالوطن، لأن مفهومه كل البلاد أوطان، البلاد جميعها، وهي نظرة إنسانية شاملة.
والشاعر العربي اليوم أو الحديث هو مستهدف في وجوده وفي وطنه في هويته وبالتالي سيكون تعامله مع الوطن انطلاقاً من ذلك، لذا لا يمكن أن تطلب من الشاعر العربي أن يكون مفهومه أممياً وأن يتخلى عن الوطن بذاته لأنه الحلقة المفقودة، فعندما يحقق الشعب مبتغاه وحضوره ولا يغدو مستهدفاً تتغير نظرته، لذا نحن نحب أن يكون متحرراً من كل القيود ولا نستطيع أن ننكر عليه حبه لوطنه ولوجوده في الوطن.
أخيراً ذكر الأستاذ جهاد الأحمدية عضو اتحاد الكتاب العرب أن المحاضرة اتسمت بالجدية والمعلومة الواثقة وهي بحق بحث جميل، مشيراً إلى الجهد المبذول للحصول على المعلومة فيها.