من "دمشق" إلى "القدس"، رحلةٌ استحضرت بهية المدائن لتطير الأفئدة في كل مكان من معالم مدينة المعراج، من قبة الصخرة والأقصى إلى كنيسة القيامة، ومنها إلى الأسواق والأحياء والأزقة المسقوفة ذات الشوارع المرصوفة عبر نسيجٍ من وحي خيال الحدث وحقيقة الصورة وحيويتها والتي عبرت المهندسة المعمارية "ريم عبد الغني" مديرة مركز "تريم" للعمارة والتراث عن إحياء المدينة في العقول.
ويأتي هذا الحلم المقدسي نهاية عام /2009/ مع اختتام فعاليات القدس عاصمةً لثقافة العرب ليخلد المدينة في الذاكرة بكل معالمها التي تحكي حجارتها قصة بطولة، وتحمل جدرانها قصص الكبرياء والصمود.
دائماً يكون الإيحاء النصي عندما تختلط المعرفة مع الوجدان مع الأدب، "القدس" مسألة وجدانية، حاولت المحاضرة إيقاظ الوجدان من خلال فكرة المدينة التي يجهل الكثيرون معالمها، واكتشاف المعنى الحقيقي عبر تسخير أدب النص، هو تأكيد على الانتماء المتبادل، ويجب ألا نفكر بها إلا ككل. "الحلم المقدسي" كان بديلاً عن الواقع بسبب العوائق التي تفصلنا وتشوب طريقنا، وهذا الحلم دافعٌ لتحقيقه
تحدثت "عبد الغني" عن المدينة بوصفها تجمع بين ألق الماضي ومعاناة الحاضر وأمل المستقبل من خلال الاستحضار التاريخي، والمزج بين الثقافة والفن، وبساطة العلاقات الاجتماعية من خلال الإشارة لمكانتها الدينية، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين، وفيها كنسية القيامة، مروراً بدورها العلمي خاصةً في عهد المماليك في القرن الخامس عشر، إلى الشأن التجاري للمدينة بتعدد الأسواق والأبواب والخانات كخان "الزيت" و"السوق الثلاثي" و"سوق الفرنجة" و"القطانين" الذي بناه "تنكز الناصري" عام /1336/، وفيه حمام "الشفاء" وحمام "العين".
وأشارت "عبد الغني" إلى العلاقات الاجتماعية بين أهلها والتسامح الديني الفريد ليحمل المسلمون مفاتيح أبواب كنيسة "القيامة"، ولم تغفل المأكولات المقدسية من "المسخن" و"النابلسية" وحلويات "زلاطيمو" ومقهى "صيام".
وعن الهندسة المعمارية للمعالم التاريخية تحدثت الباحثة عن تخليد العمارة وهندسة الكتلة لمسجد "قبة الصخرة"، والانتظام الذي يكسبها النسيج الفيزيائي، ومراحل بنائها بطبقتين يتوسطهما العازل الصوفي للحفاظ على حرارة المبنى، والتمدد الدائري ليكون المكان مطافاً للحجاج، إضافةً لأقسام المسجد الأقصى، ومحراب "زكريا" ومئذنة "الفخرية" والمصلّى "المرواني".
للوقوف على رأي أهل الخبرة في مجالي الإيحاء والهندسة المعمارية، التقى eDamascus الدكتور "أحمد البرقاوي" ليتحدث عن التضمين البلاغي للمحاضرة فقال: «دائماً يكون الإيحاء النصي عندما تختلط المعرفة مع الوجدان مع الأدب، "القدس" مسألة وجدانية، حاولت المحاضرة إيقاظ الوجدان من خلال فكرة المدينة التي يجهل الكثيرون معالمها، واكتشاف المعنى الحقيقي عبر تسخير أدب النص، هو تأكيد على الانتماء المتبادل، ويجب ألا نفكر بها إلا ككل. "الحلم المقدسي" كان بديلاً عن الواقع بسبب العوائق التي تفصلنا وتشوب طريقنا، وهذا الحلم دافعٌ لتحقيقه».
وعن النص البحثي والتاريخ المعماري تحدث الدكتور "مسلّم أميني" أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة "دمشق" ومدير مؤسسة التراث والعمارة قائلاً: «تكامل الجوانب الثقافية والمعمارية والدينية في البحث أعطاه الشمولية، فالجهد البحثي المبذول قطفنا ثماره من خلال اقتران الفكرة بالصورة المعبرة، ما ينقص البحث هو الإشارة لموضوع "الهيكل" الذي يلعب المحور التاريخي الحاضر للعالم ويحتضن كل القضية السياسية، فالإشارة الصارخة لهذا المحور كان سيعطي المحاضرة بعداً ثقافياً وسياسياً في ظل حملات التهويد وهدم الشعائر الدينية التي تطال المسجد الأقصى».
يشار أن مركز "تريم" للثقافة والعمارة والتراث يرعى سلسلة المحاضرات المسماة "أربعاء تريم الثقافي" التي بدأت تزامناً مع تسمية "دمشق" عاصمةً للثقافة العربية مع بداية عام
/2008/، ويتلخص هذا المشروع بكلمة "الهوية".