نساء، جدران، موسيقا وطبيعة صامتة فرضت نفسها على لوحات الفنان "محمد ظاظا" في معرضه المقام في صالة "الشعب" 18/1/2010، هذا المعرض الذي فاجأ الحضور بأحجامه الكبيرة وبجرأته الأكبر في ممارسة خطوطه العريضة ومزجها بألوان تعبيرية تخطف البصر من أول وهلة.
هذا الفنان الذي مازال طالباً في كلية الفنون الجميلة بحلب مارس طقوسه اللونية بعدة أشكال، فتجول في مدرسة الرمزية الطاغية التي عمل عليها في معرض سابق، وانتقل في معرضه هذا إلى التعبيرية في الموضوع واللون واستطاع بذلك أن يبصم البصمة الأولى في حالة بصرية شابة وفريدة.
لديه اللون الأبيض كثيف جدلي، يترك مجالاً لبصر المشاهد كي يكمل ما يحب من اللون، أو مكاناً لهروب بقية الألوان، والأزرق مقطع كالزجاج الشرقي المعشق، مئات الأزارق تتلاحم بانتظام فوضوي، كموج أمام النوم، والأحمر كأوتار أورنينا فيضاً من العشق للعشق ذاته
خلال جولتنا بين لوحات "ظاظا" التقينا بالفنان التشكيلي "ابراهيم حميد"، وعن رأيه بالمعرض قال: «رغم أن "محمد ظاظا" في أول تجربته ولكن أعماله جميلة وفيها جرأة واضحة، وقد قام بالعمل على "السكيتش" الذي أدخل عليه ألواناً رائعة، ولكن لفت انتباهي عمله على الأحجام الكبيرة من اللوحات، فالفنان يمكن أن يقدم في معرضه لوحة أو اثنتين من الحجم الكبير، فأنا لا أعتبره أمراً ضرورياً وخاصة أنه في بداية طريقه، إنه يعمل على المنحى الأكاديمي أكثر ما يعمل على منحى خاص به، وقد استخدم ألواناً جميلة لكن العجينة اللونية فيها حذرٌ واضح، فيبقى الأكاديمي الجديد لديه لمسات متأثرة بفنانين ومدارس أخرى، هي تجربة مهمة نتمنى له التوفيق».
تأثره بالمدارس الفنية كان واضحاً من خلال ريشته التي عبّرت عن مكنوناته اللونية.
وخلال لقائنا بالفنان "محمد ظاظا" تحدث لنا عن ألوانه ومدى قدرته على تطوير أعماله في كل معرض فقال: «إنني أمارس الرسم مثل كل الطقوس والعادات الاجتماعية التي ترافق الإنسان، فأنا طالب في كلية الفنون الجميلة في "حلب" وهذا المعرض هو الرابع لي، ففي معرضي الأول عملت على موضوع الرمزية، كما عملت على الدمى والطبيعة الصامتة، أما في هذا المعرض فقد تغيرت الحالة وانتقلت إلى التعبيرية أكثر فدخلت بالتجربة اللونية أكثر».
يتابع "ظاظا": «إنني أرسم أصدقائي والأشياء التي ترافقني وتجاورني، وموضوع لوحتي متعلق بتغير الحالة اليومية التي أعيشها، أما الحالة اللونية فتبقى هي الطاغية على اللوحة وهي الحالة التي أحاول أن أرتقي بها في الأيام القادمة. تأثرت في ريشتي بعدة فنانين فأحببت اللون لدى "عمر حمدي" والتعبير عند "سعد يكن"، وفي كل مرة أحاول أن أضيف شيئاً جديداً على لوحتي وريشتي اللونية».
أما الفنان "أسعد فرزات" الذي كان يمعن النظر في إحدى اللوحات فقال: «أعماله هي من الأعمال التعبيرية والحالات الإنسانية المختلفة بكل وضعياتها، حيث ركّز على التشريح الإنساني، فنجد أن الإنسان لديه بعدة حالات مختلفة وكذلك الفنان والموسيقار وعوالم خارجة عن الزمان والمكان لها علاقة بذات الفنان، إنها مرحلة في غاية الأهمية بالنسبة له كفنان في بداية طريقه. فهو يحاول أن يلتقط الأشياء بعين سليمة، ولديه المشاهدة البصرية عالية الجودة، حيث يعتمد على الحالات البصرية والذاكرة الإنسانية، نتوقع منه الكثير في الأيام والأعوام القادمة».
أما الفنان "دورست" الذي كان مشغولاً في الشرح والتفسير عن إحدى اللوحات فقال: «رأيت أن المعرض ناجح بجرأته وألوانه الواضحة، حيث لديه خطوط قوية ومنسجمة مع الألوان، ففي لوحة العناق هناك حالة انسجام كبيرة بين اللون والخطوط، كما في لوحة "الصرخة" التي فيها صرخة فنية مع الخطوط ونقاء اللون الأبيض والأسود، بالإضافة أنه في لوحات الطبيعة الصامتة استطاع أن يضع النسب المتناسبة والألوان التي تعطي سيمفونية خاصة له. لديه حالة هجوم وجرأة قوية في الألون والخطوط وحالة التشريح الكبيرة التي مارسها على لوحاته».
خطوط فرضت نفسها على اللوحة بقوة فمزجت مع ألوان "ظاظا" ليشكلوا مع بعضهما رغبته في التعبير عن تلك الموجودات من حوله.
الأستاذ "وائل مهنا" نحات قال: «أهم ما أثار انتباهي في معرض الفنان "محمد ظاظا" هي الحجوم الكبيرة التي غامر بالعمل عليها، إنها خطوة كبيرة بالنسبة لفنان في بداية طريقه وأنا أشجعه عليها، أما الألوان فكانت طاغية على موضوع اللوحة وفرضت نفسها بقوة بالتناسق مع الخطوط العريضة التي ظهرت في عدة زوايا من لوحاته».
ويقوم الفنان والنحات "بشار برازي" بتقديم "محمد ظاظا" بقوله: «لديه اللون الأبيض كثيف جدلي، يترك مجالاً لبصر المشاهد كي يكمل ما يحب من اللون، أو مكاناً لهروب بقية الألوان، والأزرق مقطع كالزجاج الشرقي المعشق، مئات الأزارق تتلاحم بانتظام فوضوي، كموج أمام النوم، والأحمر كأوتار أورنينا فيضاً من العشق للعشق ذاته».
يتابع "برازي": «في لوحات "ظاظا" يتجه الظل حيث هو يريد لا كما هو مفروض، ليكتمل أسلوبه ورؤيته في بناء التشكيل. الشخوص، النساء، العازفين وحتى الطبيعة الصامتة متأملة هادئة حالمة، لكنها تهيئ نفسها لرقصة صاخبة في الضوء واللون. فإني أقول له هنا أيها الجريء كالأطفال، الخبير كالكهول، لا تسمع نصائحنا بالتمهل فلست أنت المتسرع بل نحن من أرهقنا الخمول».