يتناول فيلم "فلسطين.. سجل شعب" الذي عرض في صالة المركز الثقافي الألماني "غوته" بدمشق بحضور مخرجه "قيس الزبيدي" تاريخ القضية الفلسطينية منذ مؤتمر بازل 1897 الذي أصدر فيه الصهيوني "تيودور هرتزل" كتابه "الدولة اليهودية"، وحتى تاريخ دخول منظمة التحرير الفلسطينية في عضوية الأمم المتحدة عام 1964 .
يحتوي الفيلم على قدر كبير من الوثائق السينمائية والفوتوغرافية عن تاريخ فلسطين، مأخوذة من المتحف العسكري البريطاني بلندن، والمركز الألماني للوثائق والأرشيف ببرلين، ومن التلفزيون الإيطالي، ومن أرشيفات واشنطن وبودابست وبولندا ووارسو، إضافة إلى قسم الوثائق في بيروت، كما يتضمن مقابلات مع زعماء فلسطينيين مثل "أكرم زعيتر" والشيخ "عبد الحميد السائح" وغيرهما، بحيث يدلي كل منهم بشهادته على الأحداث التي عاصرها، فضلاً عن لقاء مع المؤرخ الفلسطيني المعروف "إميل توما".
إضافة إلى الوثائق المهمة التي تضمنها الفيلم، فإن البناء الموسيقي لم يكن أقل أهمية، بل إنه وازى في كثير من الأحيان درامية الصور، وهذا ما أعطى الفيلم نكهة خاصة
وتبرز قيمة الفيلم الفنية من خلال التوليفة التي حققها المخرج رغم اعتماده أساساً على وثائق سينمائية ليست من تصويره إضافة إلى مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية.
ويأتي فيلم "فلسطين.. سجل شعب" ضمن خمسة وعشرين فيلماً تصدى لها "الزبيدي" عن القضية الفلسطينية منذ بداية الثمانينيات، وعنه يقول مخرجه: «بدأت الاستقصاء والبحث عن الوثائق في العديد من العواصم والمراكز المتخصصة بالموضوع الفلسطيني، وذلك بالتعاون مع خبيرين تاريخيين، الأول فلسطيني من عرب 48 هو "إميل توما" والآخر يعتبر من المؤرخين الجادين في ألمانيا وهو "مارتن روبا"».
وبيّن صاحب "وطن الأسلاك الشائكة" أن معرفة أماكن تواجد الوثائق استغرقت ثلاث سنوات متواصلة، وقال: «كنا كلما حصلنا على وثيقة جديدة نضيفها إلى الفيلم، ومنها على سبيل المثال خمسون صورة عن لقاء الملك "فيصل" في مؤتمر سان ريمو، وبدايات تكوين عصابات الهاغاناه الصهيونية في فلسطين والصفة العسكرية لهم» .
وقال "معتز نوراني" أحد الحاضرين: «إن هذا الفيلم جميل جداً، وتأتي صعوبته من تناوله الفني لأحداث من تاريخ يحوي الكثير من اللغط، لكنني بحسب قراءتي عن الفيلم سابقاً أعرف أن المخرج توخى الصدق التاريخي قدر الإمكان خاصة أنه اختار التاريخ حجته ومرجعيته والتزم بحقائقه».
وفي الاتجاه ذاته أوضحت "سلوى معصراني" من الحضور أن هذا الفيلم كان موضوعياً إلى درجة كبيرة، بحيث أنه احترم جميع القناعات التاريخية ووقائعه غير القابلة للتزييف أو التزوير والتشويه، وهذا حقق قدراً عالياً من الشفافية بعيداً عن الافتعال، لاسيما أن الوثائق المعروضة كانت تعرض دون تحليل ممل أو أكاديمي منفر، بل ضمن تسلسل طبيعي للأحداث والصور.
أما عبقرية هذا الفيلم فتأتي كما أوضح "صابر السلطي" من خلال التوليفة الهامة التي استطاعت أن تجمع كل تلك الوثائق السينمائية والصور الفوتوغرافية بحيث أنها بدت بروح واحدة، أي أنه رغم أن "الزبيدي" لم يكن هو مصورها، إلا أننا لم نشعر بأي انقطاع في سيرورة البناء الصوري.
من جهتها قالت "جوليا الريحاوي" من الحضور أيضاً: «إضافة إلى الوثائق المهمة التي تضمنها الفيلم، فإن البناء الموسيقي لم يكن أقل أهمية، بل إنه وازى في كثير من الأحيان درامية الصور، وهذا ما أعطى الفيلم نكهة خاصة».
يذكر أن هذا الفيلم هو أول فيلم تاريخي يتناول قضية شعب بالكامل، وعرض سابقاً في عرض خاص بمهرجان "أوبرهوزن" الألماني للأفلام القصيرة، كما حاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان دمشق السينمائي بدورته الرابعة، وعرض أيضاً في مهرجان "فالنسيا" وهو من إنتاج منظمة التحرير وطبعته وزارة الثقافة الفلسطينية 1000 نسخة منذ عشر سنوات للتذكير بمرور ستين عاماً على تقسيم فلسطين، كما تم بثه في كل تلفزيونات فلسطين المحلية آنذاك.