يحقق الفنان التشكيلي السوري "عصام حمدي" من خلال معرضه الذي حمل عنوان "نورريم" مازجاً به بين اسمي ابنتي "نورا" و"ريما" حضوراً مغايراً على الساحة التشكيلية، ولاسيما أنه يرسم مشاهده من ذاكرته الطفلية لا من مشاهداته البصرية المباشرة، كما أنه يجمع بين ملامح تعبيرية وأخرى تجريدية، ويعرفنا من خلالها على تنويعاته البصرية، سواءً أكان لأضواء تمزج التضادات لوناً ومضموناً، أو لوجوه بشرية حساسيتها عالية، أو لرؤيته ثلاثية الأبعاد للوحة التشكيلية المفتوحة دائماً على تعابير تمزج اللامنطق بنقيضه، مع الكثير من القلق والاضطراب والجنون.
ويعمل هذا الفنان في هذا المعرض الذي افتتح أمس الاثنين بصالة معهد "غوته" على الرجوع إلى التكوينات البدائية النقية؛ في صياغة خطوطه وبقعه اللونية المنسالة بحرية على قماش اللوحة، إضافة إلى تشكيلاته العفوية التي تسعى إلى تحرير أشكاله وتكويناته من مرتكزات الصورة الواقعية.
ما أعجبني في هذا المعرض هو التقابل بين اللوحة ومثيلتها من المانيكانات، لأن فيها حوارا بصريا غير مألوف بالنسبة لي، كما أنها تلعب دوراً في التوازن بين الناظر والمنظور إليه
يقول"عصام حمدي" عن رؤيته الفنية: «أنا لا أرى أن هناك شيئاً قبيحاً، فالحياة مجموعة أشياء تسير مع بعضها، وهذا ما يعطي الشكل العام للواقع، فاللوحة عندي شهادة عن الواقع بطيفه الواسع من الجماليات المتنوعة، كما أنها ربط لجميع العناصر المتضادة مع بعضها، الأبيض والأسود، الحار والبارد، العالي والمنخفض... لتشكل روحاً واحدة تنتج في النهاية عملاً فنياً».
وعن جداريته المكونة من خمسين لوحة يقول "حمدي": «ذاكرة الطفولة هي من أنتج الفكرة الأساسية في لوحتي الكبيرة، وهو نوع من المقاربة مع ما كانت والدتي تنتجه بعد تقطيع الملابس القديمة المهترئة، وتركيب قطعها الصغيرة الملونة لتصنع سجادة مثلاً، وهذه الملابس بعد أن تتحول إلى سجاد، فإنها تحمل ذاكرة الأسرة، ومن هنا فإن كل جزء من هذه اللوحة المركبة، كان عبارة عن لوحة مكتملة العناصر قمت بتقطيعها وفق ما تقتضيه استعادة ذاكرتي معتمداً سياسة التضاد اللوني، الأبيض مع الأسود والأسود مع ألوان أخرى...».
وعبر "حمدي" عن الإنسان من خلال إحساس الوجه أيضاً ويقول عن لوحاته التي تضمنت وجوهاً تحمل الكثير الانفعالات التشكيلية.. عبرت عبر إحساس الوجه عن الإنسان ومشاعره المختلفة فهناك القسوة والضعف بآن واحد: «حاولت دمج التضادات فأنا أحب كل شيء في الحياة».
وتضمن معرض "نورريم" أيضاً بعض المانيكانات التي تلبس قماش لوحة، وتنظر إلى لوحة أخرى، وعن هذه الثنائية التشكيلية يوضح "حمدي" أن المانيكان هنا هو لوحة غير مسطحة، ويقول: «أنا أنظر إلى أن كل شخص يسير في الشارع مهما كان شكله أو لباسه على أنه يشكل لوحة متكاملة لها ملامحها وظلالها، لذلك أعتبر أن اللوحة ليس من الضرورة أن تكون سطحاً واحداً، وأحاول من خلال ذلك إقناع الناس الذين غاب عنهم التجريد، أو كانت معرفتهم به قليلة، أن يتقبلوا اللوحة التشكيلية التي قد يتقبلونها إن كانت ستاراً، أو قميصاً، أو أثاثاً في المنزل في حين أنهم لا يستسيغونها على قماش لوحة تشكيلية».
بدوره قال "بيورن لولاي" مدير معهد غوته بدمشق: «إن حماس الجمهور تجاه أعمال الفنان "عصام حمدي" جاءت بعد معرضه في كانون الثاني من السنة الماضية في الصالة نفسها، وبالتالي استجبنا لطلبهم المستمر لرؤية معرض جديد لهذا الفنان، خاصة أن من تابع المعرضين سيلاحظ- دون أدنى شك- التطور الذي شهدته أعمال "حمدي"، والمنحى الجديد الذي تسير فيه».
وعبر "لولاي" عن سعادته لكون الفنان استخدم بعض التكوينات في لوحاته التي تنتمي لمعهد غوته، كشعار المعهد مثلاً، أو بعض الملصقات الصادرة عن المعهد، لافتاً إلى أن ذلك كان بمبادرة شخصية من الفنان دون أي إيحاء من إدارة المعهد.
من جهته قال الناقد الفني أديب مخزوم: «اللوحة التي يتفاعل معها "حمدي" تبدو بمثابة رؤية حلمية مستعادة، يشكلها بإيقاعات الأبيض والأسود، محولاً إياها إلى فسحات تأملية لذكريات مستعادة، بمعنى أنها تأتي كحلم ومناخ ومدى شاعري يتردد في ثقافة العين، خاصة أن "حمدي" يعمل على استخدام الأحبار التي تنسكب بعفوية وفطرية على قماش اللوحة، ثم تأخذ شكل التبقيع، وقد يتركها باتجاهات متنوعة مشكلة إيقاعات بصرية تتناسب مع طروحات العودة إلى الطبيعة، التي تظهر بصياغاتها الدقيقة والتلقائية تتصدى لموجة التجريد اللوني الغنائي والهندسي المطروح بقوة في ثقافة فنون البصر».
أما "أسماء سعادة" إحدى الحاضرات فبيّنت أن المعرض يحوي تنويعات بصرية جميلة، تصب جميعها في الإطار الوجداني، من حيث التعامل مع الموضوع واللون والكيفية، وقالت: «ما أعجبني في هذا المعرض هو التقابل بين اللوحة ومثيلتها من المانيكانات، لأن فيها حوارا بصريا غير مألوف بالنسبة لي، كما أنها تلعب دوراً في التوازن بين الناظر والمنظور إليه».
من جهته أوضح "محمود العمار" 42 عاماً أن التمازج بين الألوان في لوحات "حمدي" الجدارية مميز، كما أن التكوينات تجعل أمام متاهات بصرية جميلة، بحيث كل جزء من اللوحة يعتبر لوحة كاملة، ويقودك إلى جزء آخر.
أما "ريم العبود" فقالت: «إن شغل الفنان على الوجوه كان مميزاً، لدرجة تقاربت من مستوى عالمي، حيث إنها تحوي الكثير من المشاعر، عبر مجموعة من الإحداثيات التشكيلية المهمة، التي لا تعطي أولوية للون بقدر التركيز على أبعاده العاطفية.