بعد أن قدم "زيناتي قدسية" عرضه "رأس الغول" من توليفة بين قصص الأديب الكبير "زكريا تامر"، وبعض مقالات المبدع الراحل "محمد الماغوط"، يعود مرةً أخرى في عرضه الأخير "وحيد القرن" إلى مجموعة من قصص صاحب "دمشق الحرائق"، وعبر توليفة بسيطة يحكي عن المُلك وعن علاقة الملك بحاشيته ورعيته، متكئاً على المناخات السردية لتلك القصص، وعلى ما تشمله من حوارات ومونولوجات داخلية.
يقول معد ومخرج العرض "قدسية": «إن اختيار نصوص "زكريا تامر" للمرة الثانية يعود إلى عوالمها الغنية لدرجة أن أي مسرحي بقليل من الذكاء يستطيع أن يخلق عشرات العروض المسرحية من تلك المجموعات القصصية، كما أنني عندما أقرؤها أكتشف أن هذا القاص الكبير أقرب إلى عالمنا المسرحي منه ككاتب قصة قصيرة، وأنا أعتقد أننا ما نزال على مشارف ما يريده "زكريا تامر" ولم نغص بعد بشكل كبير ضمن عالمه».
لكن من الناحية الفنية وجدت أن شخصية زيناتي قدسية متضمنة عند كل الممثلين، حيث شعرت أنهم جميعاً يقلدونه تماماً، بالصوت، والحركة، وجميع مسائل الأداء الأخرى
ويضيف المخرج: «أنا أتعارك وأشتبك بطريقة مختلفة مع تلك القصص القصيرة، ودائماً أمتلك رغبة بأن يذهب كل من يحضر العرض ليقرأ ما كتبه صاحب "لماذا سكت النهر؟" مع أنه ليس بحاجة لمن يروج له، كما أن اعتمادي عليه للمرة الثانية لا يعني أننا لا نملك نصوصاً مسرحية جيدة، أو كتاباً مسرحيين جيدين، لكنني أحب تلك الاشتباكات التي فيها شيء من الغرابة، فهذه العوالم قلما نجدها في نص مسرحي».
أما من جسد شخصية الملك الذي تماثل طباعه وحيد القرن المفترس الذي لا يمكن تجاوزه إلا بالقتل فهو الفنان "حسن دكاك" الذي وجد في التوليفة المستقاة من قصص "زكريا تامر" ما يدفعه باتجاه المسرح، ويمكنه من قول أشياء يقولها بداخله دائماً، ويقول: «جسدت شخصية الملك الفريدة، فهو ليس كباقي الملوك، وإنما هو وحيد قرن يعيش كوابيسه الخاصة، كما أن حاشيته الخاصة غير واقعية، وهذا اندرج على لباسهم وعلى الديكور والإضاءة، وهذا ما يعلل الأداء التمثيلي المبالغ فيه، فالنص أساساً لا ينتمي إلى الواقع على الإطلاق».
من جهته يرى الفنان "عبد الرحمن أبو القاسم" أن ازدحام الأفكار وتنوعها في قصص "زكريا تامر" يدعو إلى البحث عن أساليب مختلفة لتقديم عرض مسرحي من خلالها، قائلاً: «إن "زيناتي قدسية" اجتهد كثيراً حتى استطاع أن يقدم متعة متنوعة، وأن يوصل ما يريد قوله إلى المتلقي من أفكار يزدحم بها هذا العرض، وبالتالي قدم لجمهوره وجبة خفيفة وظريفة وممتعة، وأظن أنه نجح في عرضه لأن المسرح أولاً وأخيراً هو متعة».
ورغم أن العرض جيد من الناحية الفكرية، كما يقول الصحفي "أحمد خليل"، ولاسيما من ناحية تعرضه لمسألة المُلك، والعلاقة بين الملك والرعية، «لكن من الناحية الفنية وجدت أن شخصية زيناتي قدسية متضمنة عند كل الممثلين، حيث شعرت أنهم جميعاً يقلدونه تماماً، بالصوت، والحركة، وجميع مسائل الأداء الأخرى».
ويرد "قدسية" على هذا الاتهام بقوله: «لا بأس بذلك، وليس عندي مشكلة بهذا الشأن، فالممثلون العاملون معي محترفون، وأنا أقول بكثير من الصدق إن ممثلي "وحيد القرن" عصيّون على أن يُطبعوا كزيناتي الممثل، كما أنني لا أملك هذا الهاجس ولا تلك النزعة، لكنني أستدرك لمن يلاحظ ذلك بأنه حتى لو طبع أولئك الممثلون التسعة بأدائي، فإنهم على الأقل لم يتشبهوا بممثل سيئ».
أما الباحث المسرحي "برنار جمعة" أحد الحاضرين فشعر أن هناك الكثير من التظارف المجاني طوال فترة العرض ويقول: «الأفكار المهمة لا تكفي للمسرح، فهو بحاجة إلى كيفية صحيحة في صياغتها، ودراية كبيرة بسيميولوجيا أبو الفنون، لأن كل شيء له معنى على الخشبة، ولا يمكن التساهل مع أي عنصر من عناصره، ولذلك أعتبر أن الاختباء وراء اسم الأديب الكبير "زكريا تامر" لم يشفع للعرض، بل إن السماجة في الأداء والصراخ الدائم، كان على نقيض الأفكار الكبيرة التي تنساب في قصص "تامر" بسلاسة عجيبة لتتفاعل مع أفكار القارئ، أما "وحيد القرن" فلم يسهم بخدمة تلك الأفكار بقدر ما شارك في تهميش عمقها، من خلال العمل على التهريج المفتعل وعدم إدراك المقاصد الحقيقية لما يريده صاحب "الحصرم"».