تولى الكهنة منذ فترات طويلة شؤون الكتابة وتعليمها، وحفظ المكتبات وتنظيمها، كما تم اكتشاف "رُقم" لمعجم مقارن بين أربع لغات هي السومرية، الأكادية، الحورية والأوغاريتية، ومكتبتين خاصتين فيهما مجموعة من الرقم المثيرة، مما يشير إلى علوِّ قدر الكتاب والفكر في حياة المجتمع قبل الميلاد، وإسهامه الحضاري والتربوي، ذلك كان دافعاً لفكرة إنشاء مكتبة لأسرة الرعية الجامعية في كنيسة "سيدة دمشق" لتكون للكنيسة مساهمة في تعزيز دور الكتاب بين الجيل الجديد.
موقع "eSyria" بتاريخ 25/4/2010 حضر افتتاح مكتبة أسرة الرعية الجامعية في كنيسة "سيدة دمشق" برعاية البطريرك "غريغوريوس الثالث لحام"، الأب "إلياس زحلاوي" والأب "سامي حسني" وبمناسبة اليوم العالمي للكتاب، المكتبة التي ضمت عدداً من الكتب الأدبية والفنية والتاريخية باللغات العربية، الإنكليزية والفرنسية.
بإنشاء هذه المكتبة في كنيسة "سيدة دمشق" نضع اللّبنة الأولى لتجمع الشباب، هذا التجمع الذي سيدور حول كتاب معين أو فكرة معينة، وبذلك نكون قد خلقنا حالة من الحوار بين أشخاص عدة لهم المقدرة بتوسيع حلقة الاهتمام بالكتاب، فعلى كل الأسر أن تنشأ مكتبة صغيرة في منازلها لما للكتاب دور كبير في تنمية وتطوير الأجيال وتثقيفهم
لقد وحّد الكتاب بين شعوب الشرق الأوسط، وعمل على تثقيفها، ووضع الثقافات الخاصة لها، كما ربطت الكتابة المسمارية بين تلك الشعوب، وظلت متداولة إلى جانب الكتابة الأبجدية حتى القرون الأولى بعد الميلاد، من هنا نرى أن للكتاب دور كبير تطوير المجتمعات وتعزيزها، عن ذلك يخبرنا الكاتب "ندرة اليازجي" من الحضور: «للكتاب الورقي أهمية كبيرة بالنسبة لجيل الانترنت والتلفزيون, فالكتاب هو الصديق الوحيد الذي ينمي ويقوي أفكار الشباب من خلال ورقه الملموس، تاريخ الكتاب قديم وطويل, ومعظم الحضارات في العالم استخدمت الكتاب وسيلة لعملية التنوير والتثقيف الفكري والاجتماعي، من هنا أرى أن تأسيس مكتبة لأسرة الرعية الجامعية بمناسبة يوم الكتاب العالمي خطوة نحو تعزيز دور الكتاب بين الجيل الجديد نور الغد والمستقبل، فالقارىء هو الإنسان المتبحر في العلم والمعرفة وكل جوانب الثقافة».
الشباب هم الجيل الواعد الذي يبني المستقبل من خلال أفكاره وإبداعاته الفنية والاجتماعية والاقتصادية، وإشراكهم بتنمية المجتمع من خلال تعزيز دور الكتاب بينهم هو من أهم الخطوات التي تطمح لها الرعية كما حدثنا المسؤولون عنها، هنا وعن دور المكتبة وأهميتها بالنسبة للشباب تخبرنا السيدة "هيلدا فرح فتوح": «بإنشاء هذه المكتبة في كنيسة "سيدة دمشق" نضع اللّبنة الأولى لتجمع الشباب، هذا التجمع الذي سيدور حول كتاب معين أو فكرة معينة، وبذلك نكون قد خلقنا حالة من الحوار بين أشخاص عدة لهم المقدرة بتوسيع حلقة الاهتمام بالكتاب، فعلى كل الأسر أن تنشأ مكتبة صغيرة في منازلها لما للكتاب دور كبير في تنمية وتطوير الأجيال وتثقيفهم».
أطفال، شباب وكهول حضروا افتتاح مكتبة أسرة الرعية الجامعية بكنيسة "سيدة دمشق" هذه المكتبة التي ضمت كتباً للأطفال والشباب، عن المكتبة وعدد الكتب وفكرة إنشائها تقول "ريما فريح" من أعضاء الرعية: «استمدت المكتبة كتبها من أبناء الأسرة وآباءها الذين أبوا أن يكون الكتاب حكراً على من يملكه، وإدراكاً منهم لأهمية الكتاب والقراءة وماله من دور في بناء الشباب السوري، فإصرارنا على إعادة افتتاح هذه المكتبة إنما أتى من رغبة بزرع شتلة جديدة للقراءة بين الشباب، حيث ننمي بها لغتنا العربية، لنفتح آفاقاً جديدة، ونؤسس لمجتمع عربي سوري يحافظ على مورثه الحضاري وينمي ما يفتقده من سلوك يومي هو غاية بالأهمية "رفقة الكتاب"».
تتابع "ريما": «المكتبة تحتوي على 1800عنوان, منها كتب ثقافية, دينية, فنية وتاريخية، كما توجد مجلات نادرة جداً فيها مثل, مجلة المعرفة, المسرة, بالإضافة إلى كتب إنكليزية وفرنسية، نأمل من شباب الرعية وكل الذين يرغبون باقتناء واستعارة كتاب ما أن يزوروا المكتبة التي ستفتح بابها يومي "الأحد والخميس" من الساعة السابعة صباحاً وحتى التاسعة، حيث الاستعارة ستكون داخلية وخارجية، كما يمكن أن تزداد ساعات الاستعارة في المستقبل».
كثير من الكُتّاب تحدثوا عن دور الكِتاب في المجتمعات، وهنا للكاتب الأب "إلياس زحلاوي" أحد الرموز الدينية والفكرية في سورية رأي في ذلك: «من المؤسف أن الغرب يصدر لنا مايمنعنا من المطالعة، في حين أنه يمارس الكتابة على مختلف الأصعدة الفكرية، الشعرية، الوجدانية، الفلسفية والعلمية, ومن تتاح له مجالات الاحتكاك بالغرب يلاحظ أنه حتى في أكثر الأماكن ازدحاماً في "الميكرو" مثلاً يقرؤون بكثافة، ولايجدون مكاناً يقفون فيه لكنهم يجدون مكاناً لوضع الكتاب أمام أعينهم رغم الصعوبات التي يمرون بها، وهنا يجب أن نتسائل نحن لماذا نقلع عن القراءة في الوقت الذي نحن فيه بأمس الحاجة إلى القراءة, في يقيني أن القراءة اليوم يجب أن تبدأ من الأطفال لذلك أنشئت المكتبة هنا منذ عام 1978, أنشئتها أنا بمساعدة شبيبة الرعية الجامعية, كانت أموالنا ضئيلة حاولنا أن نشتري مانستطيع أن نقتنيه من مال, ووجهنا نداءات للناس في الكنيسة كي يأتونا بما قرؤوا من كتب ولا يريدون قراءتها مجدداً».
عن كيفية تعزيز دور الكتاب بين الشباب يقول الأب "إلياس": «كنت أقوم بتدرب أطفال الجوقة واخوتهم على قراءة منتظمة للكتب وأطالبهم بتقديم مختصر في كل مرة عما قرؤوا, هذه الأمور تبدلت بسبب ظروف عديدة خارج قدرتنا، ولكن الآن وبمناسبة اليوم العالمي للكتاب نحاول أن نعاود المجيء لنعزز ثقافة القراءة بين الأطفال والشباب برق مختلفة، وأرجو من هذه المكتبة الجديدة في يوم الكتاب العالمي أن تكون منطلقاً لعودة الناس بدءاً من الأطفال إلى تذوق القراءة, ففي هذه الكنيسة ما لايقل عن ثلاثة آلاف طفل يأتون كل أسبوع من بينهم 250 طفل من أطفال جوقة الفرح, أرجو أن نعودهم ونحببهم بالقراءة لكي يصبح لديهم ملكات ينمونها, وكما أتمنى أن يصعد من هؤلاء الأطفال من يكتب ويرسم, لأن الطاقات الموجودة في بلدنا كثيرة لكن المجال لايفسح أمامها كي تنطلق, فنحن نسعى بأن تكون هذه الكنيسة من جملة المؤسسات التي تفسح للأطفال مجالاً للنمو فكرياً، إنسانياً واجتماعياً لكي يساهموا بدورهم في إحياء الفكر في مجتمعنا العربي».
أما نهاية حديثنا فكان مع الأب "سامي حسني" أحد المشجعين والمساهمين بافتتاح المكتبة، عن دور الكتاب وأهميته سقول: "هنا غذاء الروح وطبّ العقول"، هذا ما اختاره القدامى شعاراً لمكتبة الإسكندرية التي صار لها في العالم صيت، وطبّقت الآفاق شهرتها في العهود السوالف، فنقشوه أحرفاً من ذهب على بابها، رفعاً لقدرها، وتنويراً لروّاد مناهلها، ولسنا نبالغ في شيء إن قلنا إنّ هذا الشعار أصاب كبد الحقيقة حين زعم أنّ الكتب على اختلاف مناحيها وتباين أغراضها هي بمثابة العلاج للعقول المصابة بشتّى هذان العلل والأدوية، وأحسن وقاية لتلك التي يهاجمها الجهل ويشدّد عليها الحصار بجحافل الغباء وضيق الفكر، وما يجرّه هذان الداءان الويلان من عصبية مقيتة واحتكار للفضل والفضيلة من دون سائر الناس، وفي الكتب أيضاً غذاء للنفوس، وإلا هزلت وماتت، ولم يبقَ للإنسان إلا ما يشارك فيه الحيوان من ضخامة جثّة وقوة عضلات، ومن أجل كل ذلك نقدم لرعيتنا ونفتح لهم مكتبتنا آملين أن تكون لخير كل من يرتادها إعلاءً لشأن الفضيلة، ودعوة إلى إذكاء الطموح وشحذ الهمم بمكارم الأخلاق».