النحت من الفنون المرتبطة بالحضارات القديمة، حيث النقوش والتماثيل هي من آثار الإنسان القديم الذي نحت مسيرة حضارته على الحجر، ومن ثم تطور هذا الفن ليصل إلى الحفر على الخشب والتشكيل بالبرونز، وهنا أخذت الحركة النحتية تتوسع في سورية لتلد نحاتين سوريين لكل منهم طريقته بالتعبير والنحت على هذه المواد، ومن بينهم الفنان والنحات "صالح نمر".
موقع "eSyria" حضر معرض النحات "صالح نمر" الذي أقيم في صالة "فري هاند" للفنون، المعرض الذي حاول فيه الفنان أن يعرض لجمهوره أعمالاً جديدة حسبما يقول تطرق عالم الإنسانية والروح فتشكل حالات فنية لكل منها وقعها الخاص لدى القارئ، هنا وخلال جولتنا بالمعرض التقينا النحات "علي خضر" من الحضور، وعن رأيه بالمعرض يقول: «إن "صالح نمر" يعمل في مراحل متطورة من العمل التشكيلي، فالتشكيل والتكوين لديه يعتمد على التخلص من الجاذبية الأرضية، والمنحوتة متحررة فيها حركة ديناميكية، إضافة إلى استخدامه لرموز دقيقة وجميلة، كما إننا نلاحظ أن الفنان يركز على المضمون والموضوع بشكل كبير وبدقة، أعجبتني التجارب الجديدة التي عمل عليها مثل الحجر، كما أن هناك منحوتات وصل فيها إلى مرحلة متميزة وجيدة وأصبح فيه التكوين متحركاً وجميلاً مع حداثة واضحة، أما القيمة البصرية التي أراها في هذه الأعمال المنحوتة فتمتلك قيمة عميقة وحركة فيها غنى تعبيري وحركة تشكيلية قوية، وهنا أود القول بأن الفن تحرر في بداية القرن الماضي من الواقعية المباشرة فأصبح في داخل الفنان حرية أكثر بتبسيط الأشكال الواقعية وصياغة تشكيلات خاصة به، و"صالح" أحد هؤلاء الفنانين».
على الجهات المعنية أن توسع الدائرة النحتية في سورية وتعطيها اهتماماً أكبر لما لهذه الحركة من أهمية في الحضارات الشرقية والغربية، وهنا علينا أن نعي تماماً أن تطور فن النحت مرهون بالارتقاء بالثقافة الفنية والذائقة البصرية لدى أفراد المجتمع عموماً
النحات "غزوان علاف" من جيل الشباب يقول: «بشكل عام من المفروض أن يعمل النحات على كل الخامات على حد سواء، فالنحات الذي يعمل على خامة الخشب أو المعدن هو نحات بحد ذاته ولكن تختلف التقنية بنحت العمل لديه، وهذا هو الاختلاف الذي يميز أعمال النحاتين، أما "صالح" فهو من النحاتين المتمكنين في عمله، يملك خبرة في العمل بكثير من المواد، ويعمل بالرخام والخشب والمعدن وهذا دليل على أنه يملك رصيداً كبيراً من الخبرة التقنية، والجميل أنه يعطي حس للمادة التي يعمل عليها، أما من الأعمال التي لفتت انتباهي في هذا المعرض هي الأعمال ذات الحجم الكبير، وذلك لأن النحت مهنة صعبة على صعيد العمل، التكنيك، التكاليف والورشة التي يعمل فيها الفنان، وهذه كلها صعوبات تقف أمام النحات، لذلك نرى أن أغلب النحاتين يهربون إلى الأعمال الوسط والصغيرة، وفي معرض "صالح" وجود الأعمال الكبيرة دليل على أن هناك جهدا أكثر من مضاعف بذله للوصول إلى عمل متقن بحرفية عالية».
امرأة تحمل الهلال فوق رأسها، أجساد أخرى قادمة من حضارات محتلفة شكلت حالة من الحوار بينها، هنا وخلال لقائنا مع السيدة "منال ابراهيم" من الحضور قالت: «"صالح نمر" يعمل منذ وقت طويل على العلاقة الأزلية التي تربط المرأة والرجل، وفي معرضه الجديد حاول أن يعرضهما بأشكال وحركات وتقنيات مختلفة عبر تكويناته ومواده المتعددة، وقاماته الشامخة هي دليل على البقاء والثبات في المكان والقدرة على العيش ومواكبة الحياة، هي مفاهيم مرتبطة بعمقنا وعمق حضارتنا وموروثنا الثقافي، نجح "نمر" في معرضه الجديد بأن يجسد هواجسه وأحاسيسه للجمهور المتابع لمسيرته الفنية المعروفة في الحركة التشكيلية السورية».
الوجودية، التعبيرية والإيحائية تواجدت بوضوح في أعمال "نمر" لتجسد حالات عديدة ومختلفة على خاماته المرتبطة بحضارتنا كما يقول، وهنا تقول "شيرا نيوان" من الحضور: «استطاع "نمر" أن يحضر التاريخ بكل تجلياته وعمقه في هذا المعرض الذي عمل فيه على خامات مختلفة من الحجر والخشب والبرونز، المواد التي مازال "نمر" يعمل عليها وينحت فيها همومه وأفكاره التي ترافقه أينما ذهب، كما أنه استطاع أن يخلق حالة من التآلف بين الخامات ليصل بالقارئ إلى المغزى الحقيقي العمقي من المنحوتة».
أمام إحدى اللوحات التي دخلت عالم المرأة وقفنا مع الفنان "صالح نمر" وفي حديثنا عن معرضه هذا يقول: «إنني أقصد العمل على عدة خامات مختلفة، وبرأيي على الفنان أن يغير نمط عمله بين الفترة والأخرى، فالعمل على خامة واحدة غير مفضل لدي، كما إنني أحب العمل على هذه المواد من خلال علاقة أزلية تربط بين الرجل والمرأة، الحرية وحب الحياة، كلها أمور إنسانة تتمحور بشكل فني وتبسيطي على منحوتاتي لتحاور القارئ بطريقة تشكيلية هادفة».
يتابع "نمر": «على الجهات المعنية أن توسع الدائرة النحتية في سورية وتعطيها اهتماماً أكبر لما لهذه الحركة من أهمية في الحضارات الشرقية والغربية، وهنا علينا أن نعي تماماً أن تطور فن النحت مرهون بالارتقاء بالثقافة الفنية والذائقة البصرية لدى أفراد المجتمع عموماً».