"افتتح في غاليري "آرت هاوس" معرض التشكيلي السوري "ياسر حمود"، الذي قدم مجموعة من لوحاته التي لونت بطريقة إبداعية، متنقلاً بصوفية ألوانه بين اللونين الأبيض والأسود، ليضيف إليهما الأزرق، ذلك اللون الذي سكن ذاكرته مع أمواج البحر.
موقع "eSyria" بتاريخ 11/11/2010 حضر معرض الفنان "ياسر" الذي حضره باقة من الفنانين السوريين المغتربين أمثال "ابراهيم جلل، مالفا، بهرم حاجو"، إضافة إلى شخصيات فنية وثقافية في سورية و بحضور وزير الثقافة الدكتور "رياض عصمت".
"ياسر" روح حرة عفوية وغامرة، فهو مملوء بالفرح والانفتاح والغموض، وبين هاتين الحالتين يخرج معه العشق الإلهي، هي حالة خروج بدائرة فرحة لعالم يتوحد معه، إنه يتحدث اليوم بالخروج من المجهول إلى عوالم أجمل، إلى موسيقا فيها حرية وفضاء رحب يغوص فيه، فهو يعلن حالة الانفتاح لديه والانطلاق كدفق البحر بتأثره بالبحر في سورية
التقينا الدكتور "رياض عصمت" وزير الثقافة السوري الذي جال بين اللوحات لمرتين متتاليتين، فحدثنا عن إحساسه اتجاه تلك اللوحات: «الجرأة، ألوان البحر الأبيض المتوسط، الصوفية، الموسيقا، هي أربعة عناصر تشكل معالم هذا المعرض الذي له هوية واحدة رغم تنوع اللوحات وألوانها، فأحياناً الجرأة تكون في استخدام كتل ومساحات كبيرة باللونين الأصعب في الفن التشكيلي الأبيض والأسود، وهناك إحساس الموسيقا الذي يمكن أن توحي فيه كل لوحة في المعرض، بجانب الحرارة في الألوان التي تعبر عن ألوان البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى لمحات تأمل صوفية، فأحياناً هناك لوحات يغلب عليها اللون الأزرق أو الأحمر، أحس أن فيها نوعا من التأمل والروحانية، هذه هي العناصر الأربعة التي لاحظتها في لوحات تعبر عن الفن التشكيلي الراقي والحديث».
أما الفنانة "شيرين ملا" فتقول: «"ياسر" روح حرة عفوية وغامرة، فهو مملوء بالفرح والانفتاح والغموض، وبين هاتين الحالتين يخرج معه العشق الإلهي، هي حالة خروج بدائرة فرحة لعالم يتوحد معه، إنه يتحدث اليوم بالخروج من المجهول إلى عوالم أجمل، إلى موسيقا فيها حرية وفضاء رحب يغوص فيه، فهو يعلن حالة الانفتاح لديه والانطلاق كدفق البحر بتأثره بالبحر في سورية».
بين برودة الألوان وحرارتها يقول الدكتور "ياسر المنجي": «لا يخلو انحياز "حمود" للألوان الساخنة في "الإشراقات" على حساب الباردة من منطقية؛ فمن المسلّم به أن لحظة الكشف الأعظم والانفتاح على العلوي لا تأتي إلا في ختام سلسلة طويلة من المكابدات التي قد تستغرق العمر المريد بأكمله قبل أن يسمح له باختلاس النظر إلى "الحقيقة كما هي"، بل ربما اقترنت هذه اللحظة بشهقة الموت، لتصير بهذا المفهوم، "خلقاً جديداً للموت"، وانعكاساً استعادياً للحظة الخلق الأولى؛ تلك التي أشرقت الذات الأولى من خلالها على الكون المخلوق من خلال فعل الأمر بإشراق النور "وقال الله: ليكن نورٌ، فكان نورٌ.. ورأى الله أنّ النور حَسَنٌ. وفصل الله بين النور والظلام. وسَمّى الله النور نهاراً والظلام ليلاً. وكان مساءٌ وكان صباحٌ: يومٌ أوّلُ"؛ فتصير تنويعات "حمود" الباردة في هذا السياق احتفاءً بإشراق الألق الصباحي وبزوغ نور الوعي من رحم ظلمة الاحتجاب، وتتأكد مرة أخرى شرعية تصديره للمجموعة ببيانه الشخصي/ قصيدته التي يقول فيها: "وأسأل الغائبين، كيف يكون أول سمعهم قولاً من نور"».
أما "عمر عبد العزيز الحلاج" الذي أبحر مع "حمود" وسط ألوانه، وغاص كثيراً في صوفية لوحاته، كتب مقدماً معرضه قائلاً: «تبدأ قصة الخلق في الأديان من كلمة أو من فعل مبدع للإله الخالق، أو من تقارب تلقائي لأثيرية السماء بهيولة الماء، أو غيرها من الأساطير المؤسسة التي ترجمتها طلاسم العرافين أو الكتب السماوية أو الطواطم أو رسوم المعابد إلى مفردات تدخل الخيال الجماعي لمجتمعاتها، وما زالت نقطة الخلق الأولى موضع تحيّر حتى في زمان اكتشاف المركبات الجزيئية للذرة، الانفجار الكبير من أين جاء؟ الثواني الأولى لخلق الكون؟ ما شكل الكون وإلى أين يتوسع؟ هل هناك فراغ في العالم أم أن العدم يعني انعدام الفراغ أيضاً؟».
يتابع: «تزداد الأسئلة تعقيداً كلما دخلنا إلى عالم الجزئيات، ما الذي يحفز جزئيات الذرة لتقفز من مدار إلى آخر؟ قبِلنا أن الطاقة والمادة هما وجهان لعملة واحدة، ولكننا عجزنا عن فهم الطفرات التي تحدث أحياناً والتي لا تتساوى فيها المادة والطاقة قبل القفزة وبعدها. هذه الطفرات الصغيرة، التي تشكل كل منها عملية خلق صغيرة من العدم، رفدٌ مستمر لعملية الخلق الكبرى، هل بدأ الخلق من طفرة تلقائية من العدم؟ وماذا يحدث حين تكون الطفرة عكسية وينتهي الوجود إلى العدم؟ هل رفض الوجود حالة يمكن وصفها؟ هل للعدم شكل أو لون؟. "رفد ورفض" جدال بين حالتين وليس بين لوحتين، حالة الوجود وحالة العدم، وبين الحالتين طاقة خفية تكاد أن تتماهى وتنبض بوجود مادي، تختبئ بلون نريده أن يكون أسودَ ويرفض هو التعريف، لا يمكن أن نسبغ على العدم لوناً لأنه بمجرد تعريفه لا يعود عدماً، إنهما ليستا لوحتين تجريديتين بل هما تمثيل حرفي بالأسطورة الخلق حسب نظريات الفيزياء النووية.
ولكن مهلاً! ماذا يريد "ياسر" من التمثيل الحرفي لأسطورة حديثة؟ وهو الذي صمد وحيداً لسنوات محاولاً أن يخلصنا من عقدة أن اللوحة يجب أن ترسم شيئاً، أن تماهي حدثاً أو أن تمثل سرداً، هل تراجع "ياسر" عن قفزته في الفراغ المجرد في محاولته الجريئة المجنونة كجذبة الدرويش للتوحد مع الله، حيث تختفي الكلمات وينتهي الزمان ويتحول الوجود إلى إشراقات لون؟ هل نهاية التجريد هي أن تعود إلى فعل إنسان الكهف الأول الذي جسّد برسومه تمثيلاً حرفياً لمشاكله الوجودية؟».
يضيف: «لقد انتهت الصوفية الأولى إلى طرق ومدارس وكرامات، وانتهى الوجد إلى حالات من الطقوسية، وصار الصوفيون يدّعون أن الوصول إلى الله لا بد له من تدريب، ولا بد له من إتقان وتحكم، في "البوذية"، يُعتبر هذا التحكم بالعقل هدفاً بحد ذاته، تصبح تقنية التأمل هي الغاية لا يهمّ إن أوصلت بعد ذلك إلى الله أو العدم، هل عمل "ياسر" هو نوع من التدريب التقني للنظر؟ هل تتحول جذبته الروحية إلى طقس هدفه الأول والأخير السيطرة على الوعي واللاوعي في نسق من التحكم الآتي؟».
ينهي الأستاذ "عمر عبد العزيز الحلاج" قائلاً: «إن عودة "ياسر" لعالم البشر المادي هي نوع من الملامتية، تختبئ وراء ماديته المفرطة في محاولة للالتفاف علينا، لكي يصل من ورائنا إلى عالم يستطيع أن يتعرف فيه على آلية الخلق، بينما نقف نحن محاولين فك رمزية التمثيل المباشر لأسطورة الخلق، في الحالة القصوى، تتحول التمثيلية إلى تجريد وتكتمل دورة التجربة في عالمه، بينما نحتار بين ماديته وتجريده، بين الوجود والعدم، يقترب الدرويش خطوةً أخرى إلى هدفه، جذبةً أخرى».