«تعود تسمية هذا الخط إلى مدينة "الكوفة" العراقية التي أصبحت في خلافة الإمام أمير المؤمنين "علي ابن أبي طالب" عاصمة للعالم الإسلامي، رغم أني أعتقد أن بداياته كانت في الجزيرة العربية مع نشأة الإسلام». هذا ما يقوله الفنان التشكيلي "محمد الجندلي" لموقع "eSyria" الذي زار معرضه المقام حالياً في المركز الثقافي "أبو رمانة" هذا المعرض الذي جسد جمالية الخط الكوفي وزخرفته وأنواعه منذ زمن فن العمارة الإسلامية وحتى هذه اللحظة حيث كانت هناك أكثر من 30 لوحة حملت كل واحدة منها جمالية خاصة بها وكأنها كانت تعبر عن قلاع مشيّدة بزخرفة حروفها ورونقها, التقينا بالفنان التشكيلي "عبدا لله مراد" حيث حدثنا عن إبداع صديقه "الجندلي" اعتماداً على الخط الكوفي بقوله: «تربطني بالفنان الخطاط "محمد الجندلي" صداقة قديمة تعود إلى أيام الدراسة في كلية الفنون الجميلة حيث كنا زملاء بنفس القاعة والدفعة أيضاً, الفنان "الجندلي"، فيمتلك مهارات ذوقية رفيعة بالخط والتنفيذ الحرفي الدقيق وبالتكوين المتآلف والمترابط منذ كان طالباً وأخذ منحى نحو الخط والإعلان وركّز كل جهده على الخط الكوفي وبدأ يبدع فيه بأشكال متنوعة ومختلفة منها آيات من القران الكريم وأقوال مأثورة وأمثال, حيث نلاحظ في لوحاته دقة في التنفيذ وبراعة في الخط وتكوينات مبتكرة وجديدة وهو دائماً يحاول أن يصل إلى المراحل الأفضل والأقوى من حيث الدقة والتنفيذ وقياس المسافات وأنا شخصياً أجد عنده حرفية عالية جداً».
وعن رأي المهندس المعماري والخطاط "محمد دبور" الذي التقيناه في المعرض قال: «لاحظت من خلال متابعتي للوحات الفنان "محمد الجندلي" اهتمامه بالخط الكوفي فقط وأتوقع أنه ليس لديه إلمام بالخطوط الأخرى التي تقوم على قواعد وقوانين خاصة وجماليات ولها توازن فني, أما الخط الكوفي ليس له قواعد وقوانين خاصة به فلك أن ترسم الخط كيفما شئت وهذا غير مسموح في الخطوط الأخرى».
لاحظت من خلال متابعتي للوحات الفنان "محمد الجندلي" اهتمامه بالخط الكوفي فقط وأتوقع أنه ليس لديه إلمام بالخطوط الأخرى التي تقوم على قواعد وقوانين خاصة وجماليات ولها توازن فني, أما الخط الكوفي ليس له قواعد وقوانين خاصة به فلك أن ترسم الخط كيفما شئت وهذا غير مسموح في الخطوط الأخرى
وحدثنا الفنان "الجندلي" عن الخط العربي والكوفي بالأخص ونشأته وتطوره وعن ذلك قال: «بدايات الخط العربي هو خط زخرفي بدأ من رسائل الرسول (ص) والقرآن الكريم ثم انتقل عبر الكتابات التي يجب أن تخلو من صور الأرواح لأنها كانت محرمة في الدين الإسلامي منذ البدايات وحتى هذه اللحظة فالتجأ الخطاطون إلى زخرفة الخط العربي تحاشيا ً لهذه الصور, وبدأت زخرفة الخط من زمن فن العمارة الإسلامية حيث بدأ الخطاطون يطلقون رغباتهم في الأعمال الحرفية ومنه الكتابات فأبدعوا فيها وقاموا بزخرفة القرآن الكريم في الفواصل والمقاطع في نهاية الحزب ونهاية الوقف فوضعوا إشارات وتفننوا بها, ويسمى هذا الخط بالكوفي ,أما هو خط عربي أصيل، وعن سبب تسمية هذا الخط بالكوفي قال: «تعود تسمية هذا الخط إلى مدينة الكوفة العراقية التي أصبحت في خلافة الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عاصمة للعالم الإسلامي،رغم أني أعتقد أن بداياته كانت في الجزيرة العربية مع نشأة الإسلام,وأخذت موقعها الحضاري والتاريخي، ومن بين ما اهتمت به الشؤون الثقافية والفنية، فكان الخطاطون و الخط العربي في مقدمتها, و أدي هذا الاهتمام إلى تفجير الطاقات الفنية والإبداعية لدي الخطاطين، فشهد الخط فيها طفرة كبيرة من التلون والإبداع، فتنوعت أشكاله وتعددت صوره وغدت له مسحة زخرفية رائعة شكلت المحاولات الأولي لظهور الخط الكوفي الذي اقترن باسم هذه المدينة وأنواع الخط الكوفي، الكوفي البسيط، هذا النوع تتمثل فيه البساطة خالي من الزخارف تنتهي توائم حروفه بشكل مثلث، الكوفي الهندسي وهو ما تتحدد فيه حروف الكلمة بإشكال هندسية وتتكرر الكلمة في أوضاع مختلفة في جميع الاتجاهات لشغل المساحة المطلوبة وهو نوع شديد الاستقامة في رسم حروفه وزواياه قائمة وسماكة حروفه تماثل سماكة الفراغات المحيطة به، الكوفي المورق، ويعرف عن هذا النوع من الخط بأن الكتابة تخرج من أطراف حروفها سيقان نباتية دقيقة وتزخرف نهاياتها ورقة نباتية تمتد إلى أبدان الحروف نفسها مما يعطيها صفة جمالية مضافة وقد انتشر هذا الخط في شتي أنحاء العالم الإسلامي ، الكوفي المزهر ويقوم هذا الخط علي تحوير الورقة النباتية التي عرفت في الخط المورق إلى ورقتين تتألف من فصوص ثلاثية يحتضنها الغصن النباتي الذي يخرج من رؤوس ونهايات الحروف ثم يمتد بعيدا ً عن مكان اتصاله بالحروف وينثني قليلا ً بعدما تنشق أوراقه لتزين بالأزهار, ويعتبر هذا الخط في نظر المختصين وعلماء الآثار العربية الإسلامية ابتكارا ً من ابتكارات العرب المهمة وإضافة جديدة للفنون المزدهرة في الحضارة العربية الإسلامية، الكوفي المضفور، والذي يتميز عن غيره من الخطوط الأخرى بتكون زخرفته من ترابط حروفه مع بعضها في تداخل وتشابك، كما يميل إلى التعقيد إلى حد يكاد يذهب بمعالم الكتابة بحيث تصعب قراءتها في بعض الأحيان ولايمكن للقارئ أن يعرف أين تبدأ الكلمة وأين تنتهي، وسمعت من خطاط عراقي مرموق جداً وهو مهندس خط ويعيش حاليا ً في "لندن" حيث قال إن كل أنواع الخط مقننة أي لها قانون ماعدا الخط الكوفي ويجد المشاهد اللوحات كلها كوفية الخط وكل لوحة تحمل روحا ً واحدة وتخضع لحالة معينة من قبل الخطاط الذي يخطها ويطورها ثم يبدأ بعد ذلك بمعالجة الأحرف , وإذا نظرنا إلى لوحتين لهما نفس الشكل والخط الكوفي نرى كل واحدة لها جمالية تختلف عن الأخرى وهنا تبدأ معالجة الأحرف والترتيب الفني ونرى شكل الأحرف في بداية الجملة تختلف عن شكل الأحرف عن نهاية الجملة، فهذه الأعمال تحتاج من الخطاط الدقة العلمية والصبر الطويل لإنتاج عمل جيد, فاللوحة التي تنتهي منها اليوم تعود إليها غدا ً لتضيف إليها شيئاً جديداً, فالعمل الفني لا ينتهي بانتهاء اللوحة, فهذه اللوحات استغرقت مني جهد عمل ثلاثين عاماً ورغم ذلك فلوحاتي لم تصل للكمال لأنها بحاجة دائمة لإضافات فنية جديدة , وأنا أعرض لوحاتي وهي ليست للبيع وإنما لأمتع الناس بالأصالة العربية».
الجدير بالذكر أن الفنان من مواليد مدينة "حمص" عام 1939 وأثناء دراسته الإعدادية والثانوية أهتم بدراسة الفنون الجميلة وشارك في عدد من المعارض المدرسية والعامة لأعمال النحت والأعمال الفنية وقد حاز في هذه المرحلة على ثلاث جوائز منها جائزة فنية على مستوى مدينة حمص وجائزة معرض الأمومة برعاية المركز الثقافي في حمص وجائزة على مستوى الجمهورية العربية المتحدة المقام في مدينة دمشق وقد شارك في عدد من المعارض المحلية ومعارض المناسبات الوطنية المقامة في مدينة حمص ودرس الفنون الجميلة في دمشق وتخصص في دراسة هندسة الديكور وتخرج من الكلية دورة شباط سنة 1972.