بين الحب والتصوف، والإيمان بالإنسان والأرض تنقل "عازرية" ليقدم لجمهوره السوري بعد طول انقطاع موسيقا غنائية تجولت في معالم الإبداع الكامنة في عالم "عازرية" الروحي.
موقع "eSyria" بتاريخ 1/3/2011 حضر الحفلة الغنائية الموسيقية التي أحياها الموسيقار السوري المغترب "عابد عازرية" في "دار الأوبرا" بدمشق، وبمشاركة موسيقيين سوريين شباب.
يعود إلى الوطن ليعرض لنا مقتطفات من إبداعه الروحي والحضاري، إنه أغنى الحفلة بطريقة عرض موسيقاه وغناءه الرهيب، كما مرافقة الموسيقيين السوريين الشباب له كان من الأشياء المهمة التي ميّزت الحفلة الإبداعية التي قدمها الموسيقار الكبير "عابد عازرية"
فعبر التجول بين "جلجامش، عمر الخيام، أدونيس، الحلاج، الشعر الأندلسي والشعر العربي الكلاسيكي والمعاصر" قدم لنا الموسيقار "عابد عازرية" موسيقا وغناءً إبداعياً عبّر من خلاله عن الحب الذي يكمن في نفسه لسورية الوطن والأرض والإنسان.
حيث بدأ حفلته بأغنية "جلجامش" يقول فيها:
«يرى كل شيء. يرى تخوم الدنيا
حكيمٌ عليمٌ. يعرف كل شيء.
يخترق حالك الظلام بثاقب نظره. يدرك الأسرار.
يعرف ما يخفى على الناس. جاء بأخبار الاوّلين.
بأخبار ما قبل الطوفان.
جال في الأرض طويلاً. أضناه التعب. وعلى ألواحٍ
من حجرٍ دوّن ما فعله وما رآه».
هنا يحدثنا المهندس "نبيل الدبس" معاون وزير الإعلام للشؤون الهندسية عن رأيه بالحفلة، فيقول: «عرف "عابد عازرية" اليوم كيف ينتقي الأغاني بعد غياب طويل، الباقة التي انتقاها "عابد" أعادتنا له وأعاده لنا، فما يقوله يصعب أن يوضع تحت مدرسة فنية معينة، فهي تميزه عن غيره بطريقة إبداعية، إن معرفتي به تعود إلى نهايات الستينات في "باريس" والآن أرى أنه حافظ على موسيقاه وقدمها بطريقة معاصرة إبداعية خاصة به، قادمة من روحه وعمقه الروحاني والإبداعي، فهو ما يزال أمينا لأول لحن بدأ بتأليفه، بدأ بالمتصوفة وبالآلات الشرقية ومازال محافظاً على تلك "اللا نخبوية" وعلى النفس والتخت الشرقي، فما يميزه عن الأجيال القديمة العربية أنه ابن هذا العصر واستطاع أن يعطي هذا التخت الشرقي والمقامات الشرقية الأصيلة والمغرقة بأصالتها كل ما يبدعه ويميزه، وأنا سعيد أيضاً أنه لقط النفس العربي- رغم أنه أرمني- بطريقة احترافية ومبدعة فهو رجل يعبد هذه اللغة والثقافة العربية المذهلة، كما أن الرؤية والنظرة التي ألقاها على المتصوفة لم أر مثيل لها عن كل ما قيل في العالم العربي عن المتصوفة».
ويقدمه "هوبير حداد" فيقول: «لقد ارتحل "عابد عازرية" عبر ثقافات الشرق الأدنى والبحر المتوسط جميعها، وأرى أن أفضل طريقة لإدراك السر الجميل لحضورنا في هذا العالم بعيداً عن الفذلكات الباطلة تكمن في التوليف المطلق والوحيد والأسمى للموسيقا، وبهذا يستطيع أن ينضوي تحت عباءة الروحانية الصوفية، عبر الاحتفاء الخالص بالفن الموسيقي.
يسمو "عابد عازرية" فوق الشأن الديني والعقائد والمذاهب كلها، ليبلغ كونية يحتل فيها الحب مكان الصدارة، وهذا الحب ليس مائعاً، إنه المطرح الذي يجمعنا كلنا في رقصةٍ معينة، في تواؤم منضبط، إنه الحب الذي يضرب صفحاً عن غياب بنانا الهوياتية ويدلف إلى كل خليقة، مهما كانت متواضعة».
أنهى "الموسيقار السوري المغترب "عابد عازرية" حفلته المويقية بأغنية "يا امرأة" التي يقول فيها:
«أنت الخليقة الأولى والمعرفة الأزلية
أنت المياه الصافية والرغبة الأولية
النار التي لا تنطفئ أنت والرعشة البدائية
أنت السر الحنون يا مرأة
أنت المكان المسكون. أنت الريح والعاصفة
أنت العنف بين البشر. أنت الأليفة
أنت النبوءة المنسية يا امرأة».
هنا ومن الحضور يحدثنا الأستاذ "حسن م.يوسف" فيقول: «"عابد عازرية" أسكرنا من نفس الخمر القديم، لكنه غيّر الكؤوس، نفس الخمر القديم المعتق الذي ينضح منه عبق الأزمنة، بكل بساطة هو لم يقدم أمسية غناء وموسيقا، بل قدم عمقا إنسانيا، حضاريا وفلسفيا، وبالتالي في الوقت الذي يلمس أذنك وجذرك الحضاري وعمق روحك، أعتقد أن هذه السمة ينفرد بها وحده من كل الفنانين الذين حاولوا أن يقدموا مشاريع فنية موسيقية، فهو لم يغير مجراه الموسيقي، واعتقد هذا أمر يميزه ويميز إبداعه، ويكفي جملة منه لتميزه عن غيره».
أما الآنسة "لميس عازار" فتقول: «يعود إلى الوطن ليعرض لنا مقتطفات من إبداعه الروحي والحضاري، إنه أغنى الحفلة بطريقة عرض موسيقاه وغناءه الرهيب، كما مرافقة الموسيقيين السوريين الشباب له كان من الأشياء المهمة التي ميّزت الحفلة الإبداعية التي قدمها الموسيقار الكبير "عابد عازرية"».
شارك الموسيقيين السوريين حفلة "عابد عازرية" بطريقة عزفهم الجميل الذي أغنى الحفلة، حيث كانت الفرقة مكونة من "خالد الجرماني" عود، "توفيق ميرخان" قانون، "محمد فتيان" ناي، "ربيع عازار" فيولا، "بشار شريفة" تشيلة، "باسم الجابر" كونترباص، "فرا حسن ومهند جرماني" إيقاع.
ومن الجدير بالذكر أن الموسيقار "عابد عازرية" من مواليد مدينة "حلب"، تشبعت طفولته بالأناشيد الدينية الشرقية "مسيحية وإسلامية"، واكتشف في مراهقته الموسيقا الشعبية الغربية والأغنية الفرنسية، الأمريكية، الإيطالية والإسبانية"، ودرس بعدها الأدب العربي في الجامعة اللبنانية في "بيروت"، وخلال رحلته اكتشف "باريس" التي لا يزال يعيش ويعمل فيها منذ عام 1967.