«تنقلنـا لوحـات الفـنان "فراس الجوابـرة" او فلنقـل إشـاراته "الغرافيكية" التي تبدو مثل خطـوط غامـضة على سطوح قديمة، إلى عالم متقشـف يبدو رغم تجريديتـه المطلقـة غارقاً في تأمل ذاته. وكأنما هو إطلالـة على النفس البشرية من الداخل. أو لنقل إضاءة حالات منها على سبيل إضفـاء مزيد من الغموض على غموضها المعتاد. إذ أن الفن في بعض تجلياته محاولة لإخفاء الواضح، ودرب لاختراع العوالم المخفية». هذا ما كتبه الناقد والفنان التشكيلي "عصام درويش" عن تجربة الفنان "فراس جوابرة" في معرضه السابق في صالة "عشتار".
ويتابع "درويش" كلامه: «يغوص "فراس" في مختبر السطوح العذب والمشاكس متمتعاً بالاكتشافات المذهـلة لاجتمـاع المواد وحوارهـا النشط. تهشيـرات سوداء على الأبيض وبيضاء على الأسود وبعض من بقـع الأحمـر تنبت في براري الأسـود والأبيـض المتناغمــة المتضــادة. نـرى في بحثنـا الأكـثر تبصـراً خطـوطاً تشبه تلك التي تتركها الحيوانات البحـرية على الأحفـوريات القديمة، وكأنما نشهـد تحولاتهـا الطقسية وصوت حياتها وصمت موتها. يؤكد في بعض أعماله تلك الصلة معسر الماء حيث يرسـم بوضـوح مايشبه سمكـة في تجليات شكلهـا الأكثر بساطة، محاولاً ما أمكن الحفاظ على روح التجريد الصافية. ويصيغ "فراس الجوابرة" عالمه من تناوب عضوي بين العقل المجرد وحــرارة الحريـة. وهو تناوب صعـب إذ يحاول كـلٌ من طرفيه إحراز الفوز فيه، ولكن الأعمـال الأفضـل في مجموعـة معرضـه التي أن عرضها في صالة "عشــتار" تحـت اسم "آجينور" ستكون لتلك التي حلقت أعلى في فضاء الحرية المقدس».
من خلال هذا المعرض أود عرض رؤى داخلية وهواجس وتعبيرات أحاول إخراجها على سطح اللوحة، أرى المناخ المناسب لنقل المعرفة الداخلية إلى معرفة خارجية
موقع eSyria رصد جملة من الآراء حول هذه التجربة التشكيلية والتي يقول فيها الكاتب والناقد "أيمن الغزالي": «بين معرضه الأول (المهاجــر11) وعمله الآن, فاجأني "فراس" بهـذا التحـول الهائل من البسـاطة إلـى الفطرة، التي بدورها أنتـجت كـل هذه العفـوية والبراءة لامتحـان الدهشـة الأولـى والحـس العفـوي. يميل "فـراس الجوابرة" في أعمالـه الأخيرة إلى التقشـف اللوني ليس بالمعنـى الاقتصـادي ولكن من أجـل إبراز دلالات جديدة في الأبيـض والأسـود, الظـل والنــور, الداخـل والـخارج, بأقـل التكوينــات وأدق التفاصيل، التي تشي بغربـة ميتافيزيقية عميقة عن محيطه وزمنه. لهذا لجأ "فراس" إلى التعامـل مـع سـطوحـه علـى أساس أنها مادة حيـة حسـية يسـتطيـع الحـوار معـها، والحـديـث إليـها والبـوح علـى بياضــها, وبيـن هـذه التنويعــات اللونيــة وجغرافيتــها، ينحـت الفنــان تضـاريـس نشيجه بأداة تبدو انفعالية، لأنـه يطفـح بآلام وآمال تبدو للوهلة الأولى أنها لون لكنها بالنهاية تصبح قضيته الأساسية. هكذا ينتظر "فراس الجوابرة" مراجيح فتنته بزهو المكتشـف لتكوينـاته الخفية، المتمردة داخل هذيانات الدقــة والانفعال، والتي لا يمكن انتشالها من عفويتها وسحرها وألمها».
أما "قيس الخليلي" فقد قال: «أراه يختزل الجنون بقبضة من ريح ولون، يسير العشق في ظله، لتنتحب الأساطير من بدائية ذاته، عـاد ليكون قيامة من جديد، ومن عطش ترويه الشـمس، اسـتجدى الحقيقة قلوباً وطريـق، فمـن سـواد المنفـى، إلـى بيـاض الموت، جسرٌ من جرحنا أحمر، حيث للحب عنوان، طفل بأصابع القمح، يرسم على جدران القدر، شكراً لأنك الحرية في باحة الألم، "فراس الجوابرة" شكراً لأنك هنا».
وعن تجربته الأخيرة تحدث الفنان "فراس الجوابرة": «من خلال هذا المعرض أود عرض رؤى داخلية وهواجس وتعبيرات أحاول إخراجها على سطح اللوحة، أرى المناخ المناسب لنقل المعرفة الداخلية إلى معرفة خارجية».
وتابع عن استخدامه في أعماله مجموعة لونية هي (الأسود والأبيض الصريح والرماديات ما بينهما)، وعن مرد هذه المسألة لديه: «تقنياً، التجربة السابقة وهي تعتبر الأم الشرعية لهذه التجربة، كان فيها الأبيض والأسود والأحمر، في هذه التجربة خفّ الأسود وأصبح أكثر هدوءاً ووضعت الرمادي فيها، هي نتيجة تجربة سابقة حيث أعمل على نفس المشروع، أما بالنسبة للاختزال اللوني، نرى الأحمر في أماكن صغيرة ولكنه واضح للجميع لعدم وجود ألوان في اللوحة، هذا نتيجة القلق والألم والحروب التي نراها حولنا، وتجعلنا شيباً وشباباً، نساءً ورجالاً، أحد النشاطات الهامة في حياتنا اليومية هي مشاهدة نشرات الأخبار بدقة، في أوروبا ليس لديهم هذا الهوس بالمشاكل والآلام التي نعيشها في منطقتنا، وهي المنطقة التي نشأت منها الحضارة، نشأت حضارات كثيرة وتأثرت بالحضارات القديمة وأثرت بما بعدها من حضارات، هي الحامل للحضارات، ودينياً هناك الكثير من الأنبياء الذين ولدوا في هذه المنطقة ونشروا تعاليماً سامية مرتبطة بالتشريع والأخلاق، فهي منطقة عريقة، عندما نرى في هذه المنطقة الفقر والحروب والأزمات المشتعلة دائماً لا تتوقف، اللاشعور لدي جعلني أعمل بألوان فقيرة جداً وحزينة، وجعلت اللون الأحمر يظهر دائماً، يراه البعض لون الدم والبعض الآخر يراه لون الحرية، ووضعت الأخضر أيضاً كلون للحياة والأمل».
الجدير ذكره أن "فراس الجوابرة"، من مواليد 1982، درس هندسة معلوماتية، وحصل على ماجستير إدارة معلومات، والآن بصدد إنهاء دكتوارة إدارة المعرفة، كما يدرَس في الجامعة الدولية الخاصة، وكذلك في الجامعة الافتراضية، ويعمل بالرسم بشكل يومي منذ عشر سنوات.
وقد أقام معرضه الأخير في صالة "شيل كلوب" في "مزة- الفيلات الغربية" من 10/2/2011 وحتى 12/3/2011.