ليس من السهل الكتابة عن فن ليلى نصير في معرضها الذي أقامته مؤخرا في جالوري أيام بالمزة، لأن تجربتها على حد وصفها تعتبر من تجارب التطابق (الاستثنائي).
الفنانة ليلى حدثتنا قائلة أن تجربتها الداخلية المعاشة هي أساس لصياغة أداءها التشكيلي الصادق فالمواصفات (الباتولوجية) المأزومة تتسامى في بعض تعابيرتها العاطفية إلى لغة جمالية شمولية وإلى احتدام زاهد وحيوية متقشفة في اللون والخط تصل في بعض حالات تصاعديتها إلى مستوى العدمية الوجودية أو الوجدانية وبما تثيره في الوعي والذاكرة والتخيل من خصوصية تراجيدية ومغتبطة بالنور في آن واحد .
رغم انتساب لوحتها إلى الخصائص الملحمية في التعبيرية السورية على حد قولها ، فلم تفلت فترات تشكلها الدراسي من روافد الحساسية الفنية المصرية والتي هيمنت على بواكير النصف الثاني من القرن العشرين. و علقت الفنانة التشكيلية عن تأثرها بالفن المصري الذي تأثرت فيه إلى حد البكاء ذات مرة، قائلة: "دراستي الفنية كانت في القاهرة، فالفن المصري يتصف بالتخليص في الخط ما يوحي بفراغ خارجي، أي أن ماهية الخط نحتية توحي بالفراغ، وللفن المصري جمالية خاصة، ففي الخط بساطة وتلخيص مع رقة ولين".
أكد يوسف المطلق طالب في كلية الفنون السنة الثالثة أن ليلى رسمت ملامح الآخرين في معرضها سواء كانوا إناثا أو ذكورا وكأنها تصور وجهها في المرآة، مرآة مشظاة أشبه بالمشكاة أو (الكاليودوسكوب) المتعاكس الأنوار والألوان، عيون واسعة مسكونة بالاستكانة القدرية تبدو ساهمة في الابداية مثل مآقي التماثيل المدفنية التدمرية تداعب خطوطها الحادة الفراغ بترافق خجول وجل ولكنها تغرز في رحابة الضوء بسادية نصل السكين ثم تتحر رجفات اللون من رفيف حدودها الرهيفة، فيما يسيطر على تكوينات شخوصها التداخل الخنثوي بين الأنوثة والذكورة كما هي (هير مافرودية) في الميثولوجية اليونانية شخصيات قدسية طهرانية ووثنية أسطورية في آن واحد تتدانى وتتباعد معبرة عن الاتصال المستحيل مع الجنس الآخر، وكثيرا ما تحجز شخصياتها في زنزانات مستطيلة أشبه بالتقسيم الايقوني.
تفضح قوة أصالة لوحتها اشد كوامن الضعف الأنثوي في عالم مشرقي مشوب بالتعسف الذكوري وهكذا تحيك من ضعفها ملحمة لوحتها الوجودية، كما تقترب أكثر من أنثوية التعبير إذا راقبنا أساليب الثلاثي النسائي المصري آنجي أفلاطون، وتحية حليم، وجاذبية سري هي اقرب إلى الأولى في الارتجافة التعبيرية المتقشفة في الخط واللون واقرب إلى التجارب المتأخرة في الثالثة التي تتسم بالحدة (البسكلوجية) ولكنها تتميز عنهن بتأكيدها الأسلوبي على (التشظي والانشطار) في الأشكال وهو ما يعني أنها وضعت قطارها الأسلوبي على سكته المتميزة بمعزل عن هؤلاء وعن أنماط التعبيرية الانفصامية الجرمانية وسواها، على حد قول الفنان أسعد عرابي الذي وصف حساسيتها التعبيرية والحسية الرهيفة بأنها قابلة للانكسار مثل هشاشة أجنحة فراشة تسعى خلف السنة نار الشمعة حتى تفنى وتتحد بحريقها، قائلا: "المواصفات الجمالية الأصلية والصعبة المراس التي حصنت مسيرة ليلة نصير من الاسلبة والتنميط لذا تبدو محصنة من التقاليد والتقليد بحيث لا يمكن لبدا هتها الرؤييوية إلا أن تكون كما هي عليه".
إذا علينا الاعتراف أن ضجة المعري فيلسوف الأدباء لقد تخامدت وتلاشى صداها وظهرت ألوان ليلى وتشكيلاتها ضمن مفهوم فلسفي أسطوري متوغلة في ذاكرة التاريخ القديم، فالواحات ليلى صدى آخر يتردد باقيا في بصيرة وباصرة من يدرك لوحاتها ومعانيها، لم تكن مصادفة إذا غنى الشعراء ليلى بالكلمة والصورة المكتوبة والمعنى في القلب، فهي ملهمتهم فكيف إذا غنت ليلى باللون والفلسفة والتراث شعرا أسطوريا.