الفن هو ذاتي أجد به كياني وأغذي به روحي وعندما أبحث عن شخصيتي أستعمل فرشاة الرسم وأتبادل الغزل مع الألوان واللوحة, وفي شتى الأوقات والمراحل التي أريد أن أنسجم بها مع تطلعاتي ونفسي وتفكيري أتوجه إلى اللوحة وأداعبها.
بهذه الكلمات عبر الفنان رياض سعد عن حبه للفن بمختلف أشكاله وألوانه, وعندما تحثنا إليه لإجراء اللقاء معه رحب بنا في أي وقت من الأوقات ولدى سؤالنا عن العنوان الذي سنلتقي به أخبرنا بأنه وعند وصولنا إلى مدينة دير عطية حيث ولد فلنسأل أي شخص كان عن رياض سعد وسيخبرنا عن العنوان استغربنا الأمر في البداية فالمدينة يزيد عدد سكانها عن العشرين ألف نسمة فمن غير الممكن ولو نظرياً أن يكون معروفاً لديهم, وعندما ركبنا الباص متوجهين إلى المدينة ورغم وجود أشخاص من البلدات المجاورة لدير عطية إلا أنهم أخذوا يخبروننا بالعنوان والطرق العديدة التي تؤدي إلى مكتبه في وسط المدينة.
أنهى دراسته الثانوية ودرس في كلية الفنون الجميلة لثلاث سنوات إلا أن ظروفه منعته من إكمال دراسته فاتجه إلى ليبيا حيث قضى بها أربع سنوات من عمره ليتجه بعدها إلى المملكة العربية السعودية ويعمل هناك لعشرة سنوات متتالية في البناء دون أن ينسى الرسم حبه الأول, عاد بعدها إلى مدينته دير عطية ليعمل في مكتب سياحي ويمارس الرسم لإرضاء ذاته والتعبير عن أحاسيسه.
eSyria التقت الفنان رياض سعد ليتحدث عن فنه وذاته, حدثنا عن بداياته مع الرسم فقال "منذ سنوات الدراسة الابتدائية كنت أمسك بقلم الرصاص وأرسم كل ما تقع عليه عيني من مناظر طبيعية إلى الأواني المنزلية وكان والدي يلاحظ هذا الميول لدي فكان يشجعني بعبارات بسيطة على الرغم من أنه بعيد عن الجهة الفنية وكان كلامه دافعاً كبيراً لي لمتابعة الرسم والعمل على تنمية موهبتي, ففي ذلك الوقت كان معظم الأهالي يشجعون أولادهم على دراسة الرياضيات والفيزياء والمواد العلمية في مسعى لأن يكون أولدهم في عداد الأطباء والمهندسين إلا أن والدي لعب الدور الأكبر في متابعتي للفن إضافة إلى المدرسين في مختلف المراحل الدراسية فعلى الرغم من أن حصة الرسم كانت أسبوعية إلا أن المدرسين كانوا يلاحظون الطلاب الموهوبين ويعملون على صقل موهبتهم وتنميتها".
وعن اختياره للفن التشكيلي يقول "الفن التشكيلي بالنسبة إلي محيط واسع يضم العديد من الفنون الأخرى وأنا لم أتأثر بشخصية فنية عالمية في رسوماتي ولم أتبع مدرسة فنية محددة فرسوماتي عبارة عن معزوفة موسيقية أدندن عليها مختلف المقامات الموسيقية", وعن طريقته في الرسم يضيف " طريقتي في الرسم تختلف عن باقي الرسامين التشكيليين فمعظم الرسامين يخلطون الألوان أولاً ثم يستعملونها على اللوحة أما بالنسبة إلي فأنا أخلط الألوان على اللوحة ومن بعدها أعالج ما أقدر على معالجته ليعبر عن إحساسي دون تنظيم مسبق أو فكرة مختمرة".
وعن تأثره ببيئته المحلية يقول " تأثرت كثيراً بالبيئة التي أعيش بها وأنتمي إليها فرسمت أشجار الجوز والمشمش التي تغطي مدينتي ولم أكن أرسم أشجار السرو كما كان يفعل زملائي في المدرسة حين يرسمون المنازل القرميدية وأشجار السرو التي تحيط بها ولكني رسمت المنزل الذي جدرانه من اللبن ونوافذه الخشبية إحدى درفتيها مكسورة والأخرى سليمة والحجارة التي تؤلف البيت و ما يعتريها من اهتراء يظهر الطين من خلفها, هذه الصورة التي كنت أراها حيثما ذهبت في بلدتي ولم أستطع إلا أن أعبر عنها".
وعن أول لوحة عرضت له يقول " قمت برسم أول لوحة لي في العام 1972 حينما طلب مني بعض الأصدقاء رسم لوحة بمناسبة افتتاحهم لمكتبة الأصدقاء فقمت برسم بيت في الكروم تحيط به أرض ترابية ويوصل إليها طريق جبلي غير منظم يعبر عن البيئة القروية بكل تفاصيلها ولا تزال اللوحة معروضة إلى الآن في المكتبة". وعن المعارض التي شارك بها يضيف " في الحقيقة مختلف المعارض التي قمت بإقامتها كانت في مدينة دير عطية وعلى أرض القصر الثقافي فيها فاغلب لوحاتي مقتناة بشكل شخصي فأنا لدي مجموعة من الأصدقاء من مختلف المناطق ممن يعشقون الفن التشكيلي وهم يتابعون أعمالي بين الفينة والأخرى ويقتنون ما يعجبهم", والسبب الذي دعاه لعدم إقامة معارض خارج المدينة يقول: "رغم أنني عضو في نقابة الفنون الجميلة وأنا على صلة دائمة بأساتذتي وزملائي إلا أنني لا أريد التفكير في الناحية المادية, لا أريد أن أشعر من نفسي بأنني أعرض لوحاتي للبيع أو أنتظر مبلغ من المال مقابلاً لها فاللوحة في نظري لا تقدر بثمن, وأكتفي عندما أقوم بإهداء إحدى لوحاتي لأحد الأصدقاء ليضعها في صالون منزله ويسأل عنها ليخبرهم بأنها من رسم رياض سعد أكون في غاية الفخر والسعادة, فأجمل هدية ممكن أن تعطى هي لوحة تبقى في الذاكرة".
وعن المواضيع التي يعالجها في رسوماته يقول "اغلب لوحاتي التي أرسمها تكون دون فكرة مسبقة فأضع اللوحة أمامي وأمسك بالفرشاة وابدأ بخلط الألوان على اللوحة معبراً عن إحساس يخالجني وعن لحن يعزف في مخيلتي, أرسم العديد من الوجوه التي أصادفها فوجه المرأة وهي تحمل أكياس البرتقال والخضار واللحم متوجهة إلى بيتها, يحمل في طياته الكثير من معاني الحياة ومرادفاتها ورغم خروج معظم اللوحات التي أرسمها معبرة عن الحزن والأسى إلا أنها تحمل السعادة في باطنها".
وعن الألوان المحببة إليه يقول " أحياناً ... أنا أحب اللون الأزرق كثيراً, وفي أغلب لوحاتي أحاول الابتعاد عن اللون الأزرق إلا أنني وبلمسة لا شعورية أضع هذا اللون السحري ضمن ألوان اللوحة, واعتبر أن اللون الأزرق هو أول نظرة للإنسان نحو السمو والعلو والابتعاد عن محيطه لتختلط عيناه بلون السماء الأزرق ويشعر وكأنه طائر حر يغرد بعيداً عن العالم حتى يصل إلى الصفاء النفسي والهدوء الذي يمنح الروح ضوءاً جديداً لتواصل مشوارها الطويل".
وعن الفنانين التشكيليين الذين أعجب بفنهم يضيف " أنا كما تحدثت سابقاً لست متأثراً برسام معين أو مدرسة محددة ولكنني متابع دائم لكافة المعارض التشكيلية وكان آخرها معرض الفنان أنور الرحبي في صالة البعث والذي أعتبره من رواد الفن التشكيلي في سورية فهو يتميز بإحساس مرهف مستخدما في رسوماته الألوان المائية ليعبر عن إحساس صادق, إضافة إلى أستاذي الكبير فاتح المدرس والذي أبدع في ألوانه الجريئة التي أستخدمها على لوحاته لتعبر عن الحياة والنغم والموسيقى, وأعتبر بأن صديقي مصطفى دعبول صاحب فضل علي لمتابعته الدائمة لأعمالي ورعايته القديمة لتوجهاتي الفنية ورغم توجهه إلى فن هندسة الديكور الداخلي إلا أنه لايزال إلى الآن متابعاً ومشجعاً لي". وعن عائلته الصغيرة يقول "لدي ولد وثلاثة فتيات, البنت الصغرى فقط تمارس الرسم وكم كنت أتمنى لو أن أحد أولادي درس الأدب أو الموسيقى ولكن< ليس كل ما يتمناه المرء يدركه> فمن غير الممكن أن تعلم شخصاً ما ليكون شاعراً أو موسيقياً إن لم يمتلك الفطرة والموهبة لذلك".
وعن الغموض في لوحاته أضاف "يقول بيكاسو لا تسأل العصفور عن معنى زقزقته, فأنا أرسم اللوحة وأترك لكل من يراها أن توحي له بما يتخيله عنها دون أن أحدد له معنى معين ألزمه فيه, فكل شخص يرى لوحة من لوحاتي يقرأها كما يريد دون تدخل مني".