الجمال والهدوء والراحة النفسية والإشراق كل تلك الأحاسيس تنتظرك في (غاليري السيد)، عندما تطالعك أول لوحة لعبد السلام عبد الله في معرضٍ أشبه ما يكون باستراحةٍ من ضوضاء المدينة، في عالمٍ غني بالورود يستعرض جماله المثالي تحت الضوء.
اثنان و عشرون لوحة من مقاساتٍ مختلفة أغلبها(120*120)، رسمها عبد السلام عبد الله بالألوان الزيتية. الألوان قوّية ومشرقة وغنيّة بالضوء، تبدو متناغمة مع الإيقاع السريع للريشة، التي التقطت ملامح مختلفة من انعكاس ضوء النهار على الطبيعة والأزهار،حيث تحيط الزهرة بكلّ شيء وبتشكيلاتٍ مختلفة لتتراءى وراءها المشاهد المثالية للعمران الخالي من التشوّهات، والبيئة الريفيّة النضرة والنقيّة، حتى المرأة و إن ندر وجودها في مجمل اللوحات فهي تتزين بالوردة، وتحيط بها الورود في تشكيلٍ يستوقف المتلقي ببراءته، و يبّث إليه رسالةً جماليّة ما، هي صرخة في وجه بيئةٍ تضج بالفوضى البصرّية إلى حدّ التشوه.
المعرض الأخير لعبد السلام عبد الله يمثّل حلقةً جديدة من سلسلة معارض فرديّة وجماعية له، تناول فيها الطبيعة الجميلة المثالية من وجهة نظرٍ انطباعيّة محضة، حتى لقب بسيد الانطباعية في سوريّة. هذا اللقب الذي أسبغه عليه عددٌ من النقاد كان مدخلاً للحديث مع عبد السلام عبد الله عن معرضه الأخير ومجمل أعماله ورسالته في الفن:
( وصفني الكثير من النقّاد بأنني سيد الانطباعية في سوريّة، وأنا أقول: لهم شكراً لكم، ولكن أين أنا من الفنّانين السوريين : أحمد إبراهيم، وأستاذي الكبير المرحوم نصير شورى؟ وأؤكد لكل متتبعي أعمالي الفنيّة بأنه لا جديد تحت الشمس إنّها المدرسة الانطباعية للفرنسي (كلود مونييه)، ونحن جميعًا نسير على خطاه في هذا المجال، ولكن من وجهات نظرٍ خاصّةٍ بنا، تمثل اجتهاد الفنّان وتميّزه ورؤيته الشخصيّة للمشهد وإحساسه به. الانطباعيّة تعتمد على الضوء والطبيعة والألوان المشرقة وآنية التنفيذ للمشاهد، فضلاً عن رهافة الحس والانفعال الصادق، وأنا لا أدّعي امتلاك كلّ ذلك ، لكنني على الأقل فنّان راقص أمام لوحتي ومجنون بها، أنفذها بأسرع وقتٍ ممكن لألتقط الحالة الزمنيّة للمشهد وانعكاسات الضوء على السطوح التي أرسمها، وأسعى لتطوير نفسي تقنياً ضمن إطار الخط الفنّي ذاته الذي أتّبعه منذ سنوات موهبتي المبكّرة عندما أقمت أوّل معرضٍ لي في العام 1973 عن حرب تشرين التحريرية بإشراف أستاذي في المدرسة وكان عمري وقتها ثلاثة عشر عاماً، وبعد دراستي للفن أكاديمياً في العام 1997 بدأت سلسلة من المعارض لا زلت أسعى من خلالها إلى تقديم موسيقى لونيّة تلقطتها عين المُشاهد، فاللوحة بالنسبة لي مقطوعة موسيقية أوزعها من خلال الكتلة و اللون، وموسيقاي هي التلاعب بالاشتقاقات اللونيّة، و أريد للمُشاهد دائماً أن يسمع لوحتي- مقطوعتي الموسيقيّة- بعينه وأن تتآلف عينيه وعقله مع الطبيعة.
مَشاهد الطبيعة التي أرسمها مأخوذة من الواقع مع بعض الإضافات الخاضعة لرؤيتي، وكيف أنقل المشاهد الطبيعة المثالية والصحيحة من و جهة نظري، أحياناً أرسم أحلامي، و لكنّ هدفي النهائي هو أن أرسم جسراً بين المُشاهد والطبيعة. الإنسان قليل الوجود في لوحاتي و في معظم الأحوال أختار الوجه الإنساني للمرأة فهي بشكلها الخارجي أقرب إلى الوردة التي هي أهم عنصرٍ في أعمالي، و بين الإنسان و الوردة أحرص دائماً على العمل على المعادلة التاليّة( أُناسي هم ورودي،وورودي هم أُناسي)، وأريد أن أقنع المشاهد من خلالها دوماً: بأنك أيها الإنسان تشبه الوردة، ولك عبقك الفكري ورائحتك الخاصّة ولهذا يجب أن لا تبتعد عن الطبيعة). ربمّا يكون عبد السلام عبد الله ومن خلال عبارته الأخيرة قد لخصّ مجمل رسالته في الفن ، فهو يميل غالباً إلى اختزال الطبيعة والإنسان بالوردة، أو هذا ما استنتجناه -على الأقل- من معرضه الأخير، أما الوردة الأحب إلى قلبه بعد الوردة (الجورّيّة) فهي زهرة المجنونة (أرسمها كثيراً في لوحاتي وتمتاز بها دمشق إلى جانب الياسمين، يقال أنها ترمز إلى الحكمة والاستقامة والنقاء، وأجمل ما فيها أنّها دائماً مضيئة ولا ظلال لها).
عبد السلام عبد الله: من مواليد الرميلان1961م- خريّج كليّة الفنون الجميلة بدمشق 1985م- أستاذ في المعهد العالي للفنون التطبيقيّة بدمشق- محاضر في كليّة التربية بدمشق في العام 2001- محاضر في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق / قسم التصميم و التقنيات المسرحيّة (السينوغرافيا) من العام 2003 إلى العام2006م- أقام العديد من المعارض الفرديّة في دمشق والكويت والرياض وشارك في معارض جماعيّة أخرى في حلب وإسبانيا و فرنسا- حاز على العديد من الجوائز و شهادات التقدير و هو مشارك دائم في المعارض الرسميّة لوزارة الثقافة- أصدرت المؤسسة العامّة للبريد في سوريّة خمسة طوابع لأعماله بمناسبة معرض الزهور الدولي الثلاثين في العام 2003م.