ناقش المشاركون في الندوة البحثية الموسيقية الدولية التي انعقدت في "دمشق" بين 19/21/7/2008، مجموعة من الأبحاث والدراسات تناولت حياة الموسيقار الشيخ "علي الدرويش الحلبي"، ومسيرته الفنية والتدريسية في الدول التي تنقل فيها: "مصر- العراق- تونس- تركيا".
من ضمن الأبحاث التي قدمت في الجلسة الأولى من يوم الاثنين 21/7/2008، في القاعة متعددة الاستعمالات بدار "الأسد" للثقافة والفنون، (بناء النماذج السليمة على أساس القسمة الهولدرية للمسافات اللحنية، عند الشيخ "علي الدرويش الحلبي" في دلالاته الموسيقية)، للباحث د. "نداء أبو مراد" من لبنان.
بدأ المنظرون الأتراك بهدف التقرب من جيرانهم الأوربيين البحث عن الهارمونية، لكنهم عادوا في النهاية إلى نموذج "صفي الدين الأرموي"
البحث تناول النماذج الموسيقية السليمة مفصلاً فيها "الكومات والهولدرات" لدى الشيخ، كما تضمن البحث إجراء مقارنة من الناحية التقنية لأعمال "الفارابي"، " توفيق الصباغ"، "علي الدرويش الحلبي". كما استعرض د. "أبو مراد"، التجربة التركية في نهاية القرن الثامن عشر قائلاً: «بدأ المنظرون الأتراك بهدف التقرب من جيرانهم الأوربيين البحث عن الهارمونية، لكنهم عادوا في النهاية إلى نموذج "صفي الدين الأرموي"». في موقف الشيخ "علي الدرويش الحلبي" قال: «موقف الشيخ كان عبر مقاومة مزدوجة الأهداف عمل بها على جبهتين، من خلال مقاومة الجنوح التركي الحديث حيال الجنس الزلزلي، أيضاًَ مقاومة النزعة التحديثية العربية لقسمة متساوية لديوان الأربع وعشرين». وأضاف قائلاً: «بكل بساطة الشيخ "علي الدرويش الحلبي" هو إنسان عربي عاش هذه الصفة ومارسها في حياته، حتى في مدينة "حلب" القريبة من "الأستانة" في ذلك الوقت، اعتقد بأن المسافات ما زالت مختلفة، وتتلاءم مع الطابع العربي الذي يحب الجنس الزلزلي». في ختام حديثه قدم قسمة السلم الموسيقي عند اليونانيين، موضحاً من الناحية الثقافية حجة الشيخ "الدرويش" في تقسيم السلم إلى أربعة وعشرين ربعاً متساوياً، كما نادى به "محمد العطار"، مؤكداً أن النموذج الموسيقي الحسابي إن لم يكن مفسراً للواقع سيبقى بعيداً عن التطبيق في المجال الموسيقي.
د. "الأسعد القريعة" من تونس، مدير المعهد الوطني التونسي، محاضر في المعهد العالي للموسيقا بتونس، تناول في بحثه (السلم الموسيقي لدى الشيخ "علي الدرويش الحلبي")،متوقفاً عند الأبعاد التي اتفق عليها المنظرون العرب القدماء، منذ أيام "الفارابي"، "ابن سينا"، "كامل الخلعي"، وفرقة معهد الموسيقا، موضحاً أهمية المواضيع التي طرحت والتوصيات التي أقرت في مؤتمر القاهرة في العام /1932/م، وصولاً إلى الشيخ "الدرويش" الذي اعتبره منهجياً وعلمياً في مختلف تنظيراته، وبيّن الاختلاف بين الموسيقيين والمنظرين حيث لا يفكر الموسيقي خلال أداء معزوفاته بالكومات، مؤكداً أهمية الدور الذي يلعبه المنظرون في تفصيل الموسيقا وتحليل مكنوناتها.
د. "أيمن تيسير" من الأردن، مدير مهرجان الموسيقا والغناء الصوفي، مشرف جوقة الغناء العربي في المعهد الوطني للموسيقا، قدم في بحثه (إجراءات العمل في المقام الموسيقي العربي لدى الشيخ الدرويش)، منهجية خاصة لتدوين الأعمال الموسيقية العربية، بهدف الاطلاع من خلالها على نفسية الملحن ودرايته عن المقام. وعن دراسة الموشحات لدى الشيخ " الدرويش" قال: «حسب القواعد التي وضعت في مؤتمر "القاهرة"، ومن خلال دراستي للموشحات الحلبية ومقارنتها مع الموشحات العربية الأخرى، وجدت أن "الدرويش" يحدد جملة من الاختلافات بين هذه الموشحات، إضافة إلى اعتباره أن الموشح الحلبي يختلف عن نظيره الأندلسي بناحية الجملة الموسيقية ومن حيث القالب الشعري». قدم د. " تيسير" شرحاً لموشح (هل لمفتون العيون السود) للشيخ "علي الحلبي الدرويش"، بطريقة علمية إحصائية، متوقفاً عند المقام وتلويناته مع الإيقاع العام.
eSyria التقت مع د. "أيمن تيسير" وسألناه عن أسباب تناوله لنظرية المقامات لدى الشيخ "علي الدرويش الحلبي" فقال: «ركزت على موضوع تطبيق منهجية إجراء العمل في المقام الموسيقي العربي لدى الشيخ "الدرويش"، حيث أنه كان من الأعضاء في لجنة المقامات في مؤتمر "القاهرة"، واقترحوا حينها منهج عمل للمقامات وصنفوها من حيث الأجناس والخلايا، ووضعوا طرق منهجية للعمل تحدد آلية استخدام المقام من حيث البداية والنهاية، هذا من الناحية النظرية، أما من الجانب التطبيقي، قمت بتحليل قطعة غنائية من ألحان "علي الدرويش الحلبي"، وهي "هل لمفتون العيون السود"، وكان التساؤل هل طبق "الدرويش" ما اقترحه في اللجنة، وفعلاً تبين أنه استخدم المقامات حسب الأصول التي اقترحت».
عن الموشحات الحلبية أضاف: «معروف أن مدينة "حلب" تمثل المركز الرئيسي للموشحات المشرقية، عندما نقول موشح مشرقي نؤكد تساؤل ماذا يعني موشح، البعض يفهم أننا نتحدث عن قالب شعري لا علاقة له بالقوالب الموسيقية. الموشح انتقل من "الأندلس" إلى "حلب" حيث صاغوا له فكرة جديدة مبنية على قالب شعري بسيط، موسيقياً مختلف تماماً عن الموشح في الأندلس، فالموشح الحلبي هو الأساس في المشرق وانتقل إلى مصر والمغرب العربي عبر الشيخ "علي الدرويش الحلبي"، فالمدينة لها دور هام في ابتكار هذا القالب وانتشاره في العالم العربي».
وعن أهمية الدراسات العربية المشتركة قال: «الندوات البحثية مهمة في التثاقف العربي العربي، حين أعلم أن لدى باحث موسيقي فكرة جديدة لا يوجد وسيلة لمعرفة هذه الأفكار إلا عبر اللقاءات والدراسات المشتركة، إضافة إلى أن الندوات البحثية تعطي نتاج خبرة الباحثين الطويلة لجيل الشباب، الشيخ "درويش" تنقل في وقت لم يكن تتوافر فيه وسائل النقل الحديثة التي تتواجد اليوم، حين تتكلم عن الموشحات في العراق يقال "روحي الخماش" البارحة علمنا أنه تلميذ الشيخ "علي الدرويش" فهو تحمل مشقة الترحال بحثاً عن العلم. في الحقيقة نحن مقصرون في حقه، وهو ظُلم كثيراً خاصة إذا علمنا أن "القصبجي"، "محمد عبد الوهاب"، من الموسيقيين الذين تتلمذوا على يد الشيخ "علي الدرويش الحلبي"، فهو من درس النظرية الموسيقية في مصر لكن أحداً لا يعلم شيئاً عن ذلك».