"زكي سلام" فنان تشكيلي فلسطيني، ولد في "دمشق"عام 1958، بدأ صراعه مع الحياة محترفاً الفن التشكيلي بمذهبيه "النحت والجرافيك"، وذلك بعد تخرجه في كلية الفنون الجميلة "بدمشق"عام 1984،
عمل على خامة "الخشب والصلصال والبرونز" مؤكداً لمجتمعه مقدرة الفنان الذي يتخطى الصعوبات كيف ينجز ببراعته المستحيل مهما اشتدت به الظروف عتمة وخناقاً.
إن هناك علاقة مهمة تجمع بين المذهبين، فالتكوين النحتي ترى دقته عبر الظل والنور الساقط عليه، و"الجرافيك" ترى دقته عبر حركة الأبيض والأسود على سطح اللوحة
يعرف عن الفنان، نشاطه المستمر في الحركة التشكيلية السورية، وعدم انقطاعه عن إقامة معارض شخصية لأعماله على مدار السنة، ومحاولاته الدائمة في جذب الأنظار إلى الفنون الجمالية الغائبة في ظل المعاصرة والفنون الغربية الوافدة، وهو الحاصل على دبلوم دراسات عليا من ذات الكلية عام 2000، وله معرض شخصي متنقل بين الدول الأوربية.
للتعرف إلى نفس محمله بالهم الإنساني "eSyria" التقى الفنان الفلسطيني في غاليري "بيت الرؤى" في منطقة "جرمانا بدمشق" في 11/9/2008، وأجرى معه هذا الحوار:
** "الجرافيك" فن الحفر على الخامات الطبيعية، وهو فن اللوحة المطبوعة، وله تقنيات مختلفة أستخدمها في أعمالي منها الطباعة على الزنك والنحاس والخشب الصناعي وفي جانب آخر الطباعة بواسطة الشاشة الحريرية.
** الرسام الهولندي "رامبرانت". لقد عمل على فن "الجرافيك" بشكل شخصي، وكان عمله حفر بالماء القوي "الأسيد" على المعدن.
الصراع يدور حول التضاد بين الخير والشر
** اتسمت أعمالي بالحزن لأنها تجليات وجدانية، محورها الأساسي الحياة في ظل الصراع العربي الإسرائيلي، وأنا أعيش داخل هذا الصراع، وبقدر ما كنت صادقاً مع نفسي بقدر ما تجلت هذه السمة في أعمالي.
أما الإنسان، فهو متوالد على هذه البسيطة حاملاً سمة الأزلية وأتمنى أن يكون الفن أزلياً مثل الإنسان ووجوده، وطالما أنه موجود فالصراع باقٍ وعواقبه مستدامة، من هنا توحّدت العلاقة بين الحزن والإنسان، وإذا كان دور الفن التشكيلي التعبير عنهما فأنه حتمياً سيناول الصراع لأنه يدور حول مسألة التضاد بين الخير والشر.
** عملنا خلال العام مجموعة معارض هامة، تناولت مجموعات واسعة من الفنون التشكيلية مثل الخزف والنحت والخط العربي والجرافيك وفن الطفل، فكانت بمثابة إضاءة على أعمال مجموعة فنانين من أجيال وأفكار ومرجعيات ثقافية مختلفة عكست حضارة "سورية" الحديثة.
** تنطلق فكرة العمل من مسارين: الأول دراساتي وأبحاثي حول النحت، وقد جهدت في تطويرها باتجاه اللوحة المطبوعة. أما المسار الثاني، فهو علاقة "الجرافيك" مع فنون النحت، وبدوري كنحات أقول: «إن هناك علاقة مهمة تجمع بين المذهبين، فالتكوين النحتي ترى دقته عبر الظل والنور الساقط عليه، و"الجرافيك" ترى دقته عبر حركة الأبيض والأسود على سطح اللوحة».
"البرونز" يتوحّد مع عوالمي الإلهامية
** بعد تخرجي عام 1984 من كلية الفنون الجميلة "بدمشق" بدأت تجربتي في النحت مستخدماً خامتي الفخار والخشب، ورافقتاني منذ ذاك الوقت بسبب طبيعتهما كمواد مكونة للطبيعة، وصفتهما القريبة من النفس والروحانية الإبداعية، وخاصيتهما الليّنة، وكون اتجاهي عاطفي في تلك المرحلة، عملت أول فرن لصناعة الأعمال الفخارية وقودها الخشب الذي لم تتواءم روحي معه، وصرت أمارس النحت على الخامتين، وهنا جربت معظم الأخشاب المتوفرة في الغابات "السورية" ووجدت أن الشجرة كمادة حيّة لها طبيعة متفردة بكينونتها عن سواها من أحياء الطبيعة، وتحتاج أن تبدع معها حواراً في العمل وغالباً ما ينتهي ذلك بالاتفاق.
** بدأت بتجارب مع أنواع مختلفة من الحجر، وسرعان ما عبرت بي أبحاثي إلى معدن "البرونز" وفيه وجدت شخصيتي التي أبحث، إنه مادة لا تفرض حضورها على الفنان بعكس خامة الخشب والحجر، المستوجب مسايرتها بسبب طاقتها الموجودة على توليد الأشكال بينما خاصية "البرونز" مطواعة وقابلة للتشكيل كيفما أريد، وتحتمل كل الملامس الممكنة عليها وقادرة على حمل الفراغات وتستطيع أن تركز أثناء تكوينها على النقطة الضعيفة، وهذا ما جعلها تتوحّد مع عوالمي الإلهامية إضافة إلى فكرة الديمومة بالعمل.
* هناك سمات أخرى؟
** "البرونز" قادر أن يحمي الشكل بداخله أكثر من بقية الخامات إنه أشبه إلى ألسنة النار المتطايرة، التي تمنحك اندهاشاً بالشيء متغير الجمال، فأن ترى النار وتشعر بقسوة حرارتها يعني أن ترى لوحة متجددة الجمال، وتشعر بعمق وقسوة وصفاء موضوعها.
مفهومي في التعبير لا ينطبق على السائد من الجمال
** الموضوع التشكيلي والتعبير عنه في مفهومي لا ينطبق على السائد من الجمال كمثاليات الرأي والاعتقاد والتصور وما شابه ذلك، مفهومي للجمال يأتي من قدرتي على إعطاء طاقة تعبيرية للعمل الفني، وهذه الطاقة قادرة على أن تصل للآخر بمعزل عن الزمان والمكان، ولا أعتقد بوجود فن سوري، وإنما هناك فنانين سوريين لهم تجارب مهمة، لكن لم تتبلور بعد اتجاهاتهم الفنية المرتبطة بالمكان أو بالجغرافية، ولا بدَّ من حضور بعض الأسماء التي إن وجدت بأماكن أخرى من العالم ربما كانت في مصاف الفنانين العالميين "كفاتح المدرس" مثلاً.
** تتلخص المعطيات بوجود الناقـد المتمكن من معرفته وكلمته ورأيه البناء.
** يكمن دور الناقد في ثلاثة قضايا: أولها التصنيف، بمعنى أن الناقد يحسن وضع كل المجموعات المتشابهة في النتاج الفني ضمن خانة واحدة، موضحاً للمتلقي سمات كل مجموعة على حدة بدءاً من رسالاتها ودلالتها وانتهاءً بقيمها الجمالية السيئة والجيدة. ثانياً يستطيع الناقد أن يُقيّم تجربة الفنانين التشكيليين من خلال جملة معارف تحمل في طياتها مفهوماً شاملاً للجمال، مستنداً إلى رؤية عميقة في تاريخ الفن وكافة مذاهبه ليضع أمام المتلقي الأفضل من نتاجهم الفني، موضحاً مميزاته في صيرورة الفن التشكيلي وعلاقة جمالياته بالمكان والزمان المعاش. ثالثاً يستطيع الناقد من خلال رؤيته السابقة فرز الأعمال المزيفة، التي لا تحمل في مضمونها قيماً فنية، إذاً تستند مهام الناقد إلى معرفة عميقة بتاريخ الفن ورؤية شخصية لرسالته وأبعاده وتأثيره على المجتمع.
** لا يوجد "جرافيك" سوري كما الحال في باقي فنونا التشكيلية وإنما يوجد فناني "جرافيك" على قدر من الأهمية، لكن تعترض أعمالهم مشكلات والرئيسية منها مشكلة التواصل والانسجام مع رؤى وتصورات المتلقي. في كلية الفنون الجميلة لدينا يتخرج سنوياً عدد من الحفارين، وقلما نشهد معرض حفر متخصص في صالات العرض، وهذا الأمر يحتاج إلى بحث وحلول.
** لا يستطيع فن الحفر أن يثبت نفسه محلياً كفن مستقل له حضوره وشخصيته، نظراً للمعوقات التي ذكرناها، وذلك يعتبر عائقاً معترضاً لتقدمه، ثم أن اختراع الطباعة بالآلة الحديثة والتحميض على المعدن بالطريقة الضوئية والتكنولوجية في الحاسوب المعاصر يعدٌّ جزءاً من تلك العقبات والأفضل السعي إلى تجاوزها بوضع دراسة ومنهجية للعمل أكثر دقة ومعرفة من السابق، كما في "مصر" مثلاً يوجد معرض دوري دولي وعالمي لفن الحفر، يقام كل ثلاثة سنوات تشارك فيه عشرات الدول ومئات الفنانين ألا يكفي ذلك لإنعاش تلك الحركة وسحق العقبات التي تعترض هذا الفن؟ بقيت مسألة إيجاد متحف عرض دائم للفن الحديث في "سورية"، وللحفر بشكل خاص تعرض خلاله الأعمال القديمة والمعاصرة، ويكون خطوة انفتاح جريئة ثقافية وسياحية بيننا وبين الجوار الحضاري.
الحساسّية البصرية
حول أعمال الفنان الفلسطيني، قال الناقد التشكيلي "أديب مخزوم": «لا يقتصر "زكي سلام" على إبراز التأثيرات الفنية المتبادلة والخفية بين لوحاته المطبوعة وأعماله النحتية بل يتعدى ذلك ليظهر الحساسية البصرية الناتجة عن استخدام وسائل تقنية متعددة، مثل الشاشة الحريرية والمازونيت والخشب الصناعي والمعدن والأحبار… إلى جانب ارتباط مطبوعاته بأهوال الحروب والنكسات والنكبات الكبرى منذ نكبة "فلسطين" عام 1948، وصولاً إلى سقوط "بغداد"عام 2003، مروراً بنكسة حزيران عام 1967، من هنا نرى أن أعماله تعكس في مظاهرها التعبيرية المباشرة التحولات المأساوية، التي عاشها الإنسان العربي وبالأخص الإنسان الفلسطيني في غربته المزمنة عن وطنه الأم».
وأضاف: «إن أعمال "سلام" في "الجرافيك" من حيث الوجهة التشكيلية تعتمد على تبسيط العناصر الواقعية من إنسان وحيوان ونبات وزخرفة متحررة مركزاً على إيقاعات الأبيض والأسود، مستعيناً بالأحبار التي تبرز في بعض لوحاته كشرائط ملونة».
وقال الفنان التشكيلي السوري "سامر إسماعيل": «عالج "زكي سلام" الوجه بصياغات تعبيرية مختلفة، كونه يشكل مرحلة طويلة عايشها في تجربته مع فن الحفر والنحت، فالمعالم التعبيرية التي يتركها متجلية في الشكل تترك عندك انطباعات كثيرة تتوالد أثناء الحيرة والحوار المتبادل بينك وبينه».
وأضاف: « يمكنك عبر أعماله إن ترى وجوهاً متعبة عاشقة ومشردة وأخرى تعكس الموت والصمت العميق، وهي لا تبتعد في مدلولاتها عن مدلولات الجسد، فلانتظار الذي تراه مخبأ في العيون يمكنك رؤيته بحركات الأيدي المتوضعة في المقام الأخير للشكل».