"أحمد أبوزينة"، فنان تشكيلي سوري، عمل في مجال التصميم الداخلي، وعرف عنه البحث عن القيم الجمالية، والحرص على تنميتها، كمفهوم بصري وفلسفي بحت.
eSyria كان مع الفنان "أبوزينة" في الحوار التالي مستفسراً عبره عن منحاه الجديد في الفن التشكيلي، والمعرض الذي سيتهيأ لإقامته، وذلك خلال لقائه في الموقع نفسه"بدمشق" بتاريخ 7/2/2009 :
انتقل الفنان "أبو زينة" من "دمشق" إلى دولة "قطر"، وعمل ما يزيد على ثلاثة عقود في تنفيذ وتصميم وزخرفة القصور... وهو مصور جريء وصريح، يقوم تصويره على أسس تجريدية باهرة... يصور بألوان الأضداد ويفسح المجال ليتضارب الأسود والأبيض والأحمر، ثم يعيد جمعها بلمسة زرقاء لازوردية أو لمسة خضراء فاتحة. إن عالم "أحمد أبو زينة" عالم جمالي بحت، تتعلق به العين ويحبه القلب، ولا تدخل في دنياه الكلمات والمشاعر المباشرة، وأفخر أنه كان طالباً من طلابي في كلية الفنون
**لا أستطيع الفصل بين المراحل التي مررت بها، وإنما محتواها الفني ينصب في تجريد الرؤية المختزنة من الواقع المحسوس. ولطالما استدعاني هذا المحتوى لتفريغه في أعمال فنية أَضع فيها مكنوني، ولمسات الجمال التي غلفت مفرداتي طوال السنين الفائتة، لتكون معرضاً ورسالة معرفية أقدمها إلى المتأمل، لكن الوقت لم يكن كافياً، والآن سنحت لي الظروف بأن أعرض هذا المخزون من رؤى وتصورات وهواجس وشعور في معرض شخصي، هو الأول والمهد للتجارب التشكيلية القادمة.
**العمل التجريدي برأيي يحتاج إلى فئة معينة من الناس لها خلفية ثقافية، وفلسفية قادرة من خلالها على فهمه وتحليله، والكمال الجوهري فيه يتعلق بأمرين: "التكوين واللون"، فأنا عند البدء باللوحة أعمل على إحداث الخطوط الأولى للتكوين، وقد أحتاج فترة زمنية طويلة لتحديد أبعاده... وبعد ذلك أضع لمسات اللون المركب بين الحار والبارد، لكن تلقائية اللون لا أحددها في مخيلتي، وإنما خطوط التكوين وانسيابيتها تفرض اللون الذي تريده، فيبدأ عندها الشكل النهائي بالتحول ومعه تتحرر لمساتي الأخيرة، المزوجة بأحاسيسي وشعوري.
**ركزت في معرضي على الأسلوب التجريدي ، للتعبير عما يجول في نفسي، وتسمو إليه تطلعاتي وأمالي وذلك بعد خبرة من التشكيل الواقعي الدقيق. وفي طبيعة العمل بذلت جهداً كبيراً في البحث عن التكوين واللون المناسب، ولا شك أن مفاتن الرؤى التي أشبعت بها ذائقتي الفنية، والرصيد المعرفي الذي أستند إليه، ساعداني على صياغة الموضوع بالشكل الأمثل الذي أطمح إليه.
*الطبيعة شكلت محوراً في بحثك اللوني، صف العمق البحثي الذي جمعك بها؟
**تجسد البحث في لوحة واحدة، رسمت بها الطيبعة من مخيلتي بصياغة تجريدية معاصرة، فيها حرية التكوين والاختزال ومدّ المساحات اللونية... قد يكون العمل محتجباًً بالغموض لرؤيته من الوهلة الأولى، وذلك لكثرة المنمنمات اللونية في معالمه، إلا أنه في النهاية منظر تجريدي للطبيعة، يحمل لمتأمله معاني الحنين والسعادة التي شعرتها ورويت بغناها نفسي.
**"التجريد" فن بالغ الصعوبة بالنسبة إلى الفنان والمتأمل، مثلاً عندما أرسم مشهداً واقعياً أو طبيعياً لا أشعر بأي ارتباك أو شكل من أشكال الصعوبة... لأن المشهد الذي أرسمه موجود أمامي دون إضافات... بينما اللوحة التجريدية ليست أمامي.. هي في الغائب البعيد، وهنا أقف أمام سطحها الأبيض لساعات... دون أن أتمكن من وضع لمسة واحدة، والسبب أنها تحتاج إلى خبرة فنية أكاديمية، وتجريب مستمر، وشعورية صادقة، والكثير من الوقت والجهد والتحليل لإنجازها حتى يكون الاختزال مبسطاً ويمس الجوهر والعمق.
**الخلاصة في مذهب التجريد، مبنية على رصد وتوثيق المشاهدات من الواقع والحياة واختزالها إلى تكوين متماسك، ومتزن مع الجمل اللونية التي وضعت عليه، وخلال عملي واندماجي بالحياة الاجتماعية والسياسية أجد نفسي في معظم الأعمال التي رسمتها، وهي توثيق للمكان الذي رأيته في المجتمع، وللحالة التي عايشتها وتأثرت بها. من المفروض أن تشعر بالدفء الحسي والمتعة باالعمل الفني عموماً، ، وأن تشعر بالمضمون الذي يحمل جزيئات اللون والكتل سواء كان عاطفياً أم سياسيا،ً أو أشياء أخرى...
*هل تعتقد حسب رأيك أن التجريد ثابت أو متحول في اللوحة؟ وإن كان متحولاً، من يسير مراحل صياغته: دلالات التكوين أم الفكر والمتخيل؟
**إنه متحول في اللوحة وليس ثابتاً، وكونه مرتبط بمعاني ومفاهيم متعددة... فإنك تقرأه في كل مرة بوجه مختلف عن السابق، بل وتكتشف فيه جوانب قد تثير فيك الحنين أو الحزن، ودائماً التكوين يفرض علي أن أصيغه بصياغة معينة، توصلني إلى مرحلة أشعر بها أن هناك توازناً في لوحتي لكن بمزيج لوني متحول، ومستند إلى تفاعلي النفسي مع مسار التكوين ودلالاته...
لا ألجأ إلى الانسجام بصياغات اللون بل أضع لمسات قاسية وصاخبة أحياناً وباردة في أحايينٍ أخرى، وقد أضع ألواناً وحشية للتعبير عن الموقف الذي أتأثر به أو اللحظة التي تتوقد بها مشاعري.
**إن الفهم للوحة التجريدية لا يعتمد على الثقافة البصرية وحسب، وإنما يحتاج إلى متعة البحث والتحليل والتعمق في جوهر اللوحة، والغاية الأساسية من هذا المذهب منح المتعة البصرية للمتأمل، والوصول إلى انطباع استشفه من المشاهدة ومسّ داخله عند رؤيته... لذلك أنا لا أطلب من المشاهد أن ينظر إلى لوحتي فقط بل أن يحاول الدخول إلى عوالمها وتحليل ما يوافق مشاعره. إن فهم العمل التجريدي لا يعتمد على الموازين والمقاييس.. إنما يعتمد على الخبرة والعمق الفلسفي الذي يضعه الفنان في لوحته.
إن مشاركة المتأمل في عملية الفهم عند تكامل هذه المحاورة يعتبر العمل الفني ترفاً فكرياً وتراثاً بصرياً خالداً، على أن يقدم العمل بأسلوب حضاري فيه احترام لذائقة المشاهد.
*ماذا عن المعطيات والقناعات الفنية التي منحك إياها التصميم الداخلي للمكان، كونك مهندس ديكور؟
**مارست عملي في " الديكور" لسنوات عديدة رسمت خلالها الكثير من الأعمال، وكان همي الأساسي فيه توسيع دائرة الاستيعاب والفهم للعمل الزخرفي الراقي، وقد بذلت جهوداً في السنين الماضية لإفهام الزبون معنى الفن والجمال في حياته اليومية، وفي ديكور بيته وممتلكاته... واستطعت أن أوصل المفهوم إلى جميع الناس الذين قابلتهم، والتفاعل كان إيجابياً، وكانت سعادتي عظيمة لأنني لم أزاول العمل المهني المجرد في التصميم الداخلي للمكان.
**كل جانب من جوانب الحياة له مقومات... والرأي بها يختلف من شخص لأخر، والفنان المبدع قادر على إيصالها للمجتمع بأشكال جمالية مختلفة، والتربية الجمالية في تصوري عبارة عن ممارسة مثالية تحتاج إلى من يقودها ويسيرها في الواقع الحياتي، وربما ينجح أو لا، وهذا عائد إلى الخبرة والمقدرة.
القيمة الجمالية تحتاج إلى بيئة ومكان... القيم الجمالية والمثالية "الحق والخير والجمال"، عندما تدخل إلى المجتمعات وتنضج بها، تتحول إلى المثالية والتحضر والرقي الإنساني...
"الدين" تعامل مع المجتمعات البسيطة بهذه المُثل، وآمل أن تقوم الحياة عليها دائماً.
عالم جمالي بحت
حول أعمال الفنان السوري، قال الدكتور "عبد العزيز علون" ناقد تشكيلي: «انتقل الفنان "أبو زينة" من "دمشق" إلى دولة "قطر"، وعمل ما يزيد على ثلاثة عقود في تنفيذ وتصميم وزخرفة القصور... وهو مصور جريء وصريح، يقوم تصويره على أسس تجريدية باهرة... يصور بألوان الأضداد ويفسح المجال ليتضارب الأسود والأبيض والأحمر، ثم يعيد جمعها بلمسة زرقاء لازوردية أو لمسة خضراء فاتحة. إن عالم "أحمد أبو زينة" عالم جمالي بحت، تتعلق به العين ويحبه القلب، ولا تدخل في دنياه الكلمات والمشاعر المباشرة، وأفخر أنه كان طالباً من طلابي في كلية الفنون»
ببلوغرافيا الفنان
ولد الفنان"أحمد أبو زينة" في "فلسطين" عام /1948/
أمضى جزءاً من حياته في "سورية"
تخرج من كلية الفنون الجميلة ـ جامعة "دمشق" قسم العمارة الداخلية عام /1970/
زار معظم المتاحف العالمية، ولديه اطلاع واسع على مقتنياتها وتاريخها
وبعد مراسٍ طويل في فن التصميم الداخلي اتجه إلى الفن التشكيلي كتفرغ واحتراف.