انتابني شعور جميل عندما أخبرني بعض الاصدقاء بأن الفنان الشاب "جابر العظمة"، يقيم معرضاً للخيول في غاليري "أتاسي"، وبدأت أفكر كيف سألتقي بهذا الفنان الذي لا يتكلم إلا قليلاً عن فنه.
بتاريخ 26/2/2009 اتجهت إلى "أتاسي" حيث معرضه الذي يضم لوحات لعالم آخر هو عالم الخيول، وكان لي معه هذا اللقاء.
إن عمل "جابر" في هذا المعرض يفتتح لصاحبه حيّزاً حاضناً في ذاكرتنا البصرية، لا بد أن نراكم فيه مع الوقت ما سيأتي من تجارب، له ولغيره، مرحباً بـ"جابر" بين ظهرانينا، فناناً وإنساناً
*ما هو التصوير بالنسبة لـ"جابر العظمة"؟
** التصوير هو كلمة في عالم آخر يعبر عن الذات، في التصوير الفوتوغرافي هناك مهارات كثيرة لا بد للفنان من إتقانها، والتصوير بالنسبة لي حالة تعبيرية أساسية، والعين هنا تحتل مكان العدسة فتختار اللقطة المناسبة وتلتقطها، وأنا أحاول من خلال هذه العدسة اطلاع الآخرين على ما أراه وأحس به.
** في الواقع هذه التجربة كانت فرصة من خلال صديق عرفني على شخص يملك مجموعة من أجمل الخيول، حاولت من خلال هذه الفرصة أن أنقل قارئ لوحتي إلى العالم الذي دخلته، عالم الخيول الذي فيه أشياء كثيرة تشد عدسة العين بالنسبة لي، وطبعاً كانت طريقة النقل هذه مختلفة عن العدسة التي صورت الخيول.
** إن الذي يعمل في عالم الخيول له نظرته المختلفة في طريقة اختيار مواصفات معينة للخيل الجيد، ومن هذه المواصفات انحناء العنق بطريقة معينة، والعينان الواسعتان، وفتحتة الأنف الكبيرة، فالحصان القادر على اتخاذ وضعية معينة وجميلة هو حصان جيد بكل ما للكلمة من معنى، لقد تعلمت أشياء كثيرة مختصة بهذا العالم، وكانت هذه الخطوة.. البداية المهمة لإقامة معرض للخيول، وذلك من خلال التقاط صور حسب أسلوبي ورؤيتي الخاصين بي..
** ربما كان ذلك لحبي للحيوانات، فأنا لم أكن قد اقتربت من قبل على شيء اسمه خيل، كنت أحس بخوف شديد، ولكن عند دخولي لهذا العالم اختلفت نظرتي له، واستطعت أن أتعرف على الخيل عن قرب، هناك أنواع كثيرة للخيول منها خاصة بالجمال، وأخرى للصيد والركوب، بالإضافة أن لكل نوع صفاته الخاصة به.
** كان منظراً مدهشاً عندما كانت تقترب من الكاميرا لتتنشقها بمنخارها، اكتشفت من خلال سهراتي الطويلة في حقل تربية الخيول، أن لهم عالماً آخر خاصاً بهم، ولهم أحاسيس غريبة ودقيقة، كنت أذهب في الليل ومعي مساعدي وعدة الإضاءة ومدرب الخيول، أسرح معهم وأتعرف أكثر على حركاتهم وتصرفاتهم.
** نعم... كانت إحدى اللقطات التي صورتها هي لحظة غزل بين خيلين، عندما حاولا بميل عنقيهما كل منهم نحو الآخر، واكتشافي لهذه الحركات كانت من خلال "بدر"، الذي عرفني كيف أنه خلال اقتراب الفرس من الحصان يتغير سلوكه، ويبدأ بشد عضلاته، ويستقيم بقامته، إنه شيء في قمة الروعة عندما يحاول التباهي برشاقته وقوته.
** ربما هي تسمية جمعية غريبة، وكان ذلك لأن كل صورة يمكن أن تحمل وتعبر عن معنى مختلف عن الآخر، فبعضها يبدو كأنها هضاب، وأخرى جسد امرأة، ربما من هنا جاءت هذه التسمية، إنها مناظر جميلة وواسعة وسع البادية السورية، وأنا أشعر هنا بالراحة النفسية والحقيقة، ولكل مشاهد الحرية في أن يرى ما يحس به ويرغبه فهذه المتعة تخص المشاهد وحده وأحاول مشاركته فيها.
* ماذا يعني لك الجمهور؟
** أنا أحاول أن أشارك معهم بحالة روحانية بحتة بعيدة عن القيود، ولكل مشاهد نظرته الخاصة للوحة وأنا أحترمه وأحترم نظرته للوحتي.
كانت مرافقتي لـ"جابر" من خلال جولتنا بين لوحاته دخولٌ لعالم آخر، وعن "جابر" ومعرضه هذا قال الفنان "أحمد معلا": «عرفت "جابر العظمة" يافعاً مأخوذاً بالموسيقا والرسم، تحرّكه دينامية شغوفة بالتعرف على أطياف متنوعة من الفنون والتقنيات، مصرّاً على مخالفة المحيط في انتقائه لشكل تعبيره عن ذاته، ثم عرفته طالباً في كلية "الفنون الجميلة" جادّاً ومتفوقاً -بعد سنوات- تقوده نزعة عصامية صامتة خلال بحثه عن تميزه مشدوداً إلى حقول بكرٍ، رادهاً هارباً من أن يلحق به عار المشي على دروب مطروقة».
هكذا ويكمل "معلا" حديثه عن معرض "جابر العظمة": «إن عمل "جابر" في هذا المعرض يفتتح لصاحبه حيّزاً حاضناً في ذاكرتنا البصرية، لا بد أن نراكم فيه مع الوقت ما سيأتي من تجارب، له ولغيره، مرحباً بـ"جابر" بين ظهرانينا، فناناً وإنساناً».
وفي الختام ننوه أن "جابر العظمة" فنان فوتوغرافي صاعد، وهو حائز على عدّة جوائز في هذا المضمار، درس "جابر" في كلية الفنون الجميلة في جامعة "دمشق"، بالإضافة إلى احترافه لفن التصوير منذ عام 1998، فهو يعمل كأستاذ مقيم في الجامعة الدولية "للعلوم والتكنولوجيا" منذ عام 2006.