أصر أن أسميك "فجوة" لأنني كنت دائماً أقول لك: «أنت لست طائراً فينيقياً فقط كما سموك، بل إنك طائر سوري ترحل في السماء البعيدة لتحط برحالك وفنك السوري على جميع خشبات المسرح في العالم».
نعم لم يكن فقط كذلك، عرفته كشخص هادئ صديق يحب أن يتعلم ويعلم الآخرين، حديثه الدائم معي كان عن الإعلام وتوظيفه في خدمة الفن بأنواعه، المبدع الباقية صورته في أذهان من أحبوه، هو الراقص السوري الراحل الباقي "لاوند حاجو".
إن كنت ترغب بأن تصبح إعلامياً ناجحاً يجب أن يكون لك قلباً تعبر به عن الحضارة السورية وما تمتلكها من كنوز مخفية في جوفها، معنى الإنسانية أن نكون إنسانيين بكل ما نمتلك وما سنمتلك في الغد القريب
موقع "eSyria" بتاريخ 22/4/2009 حاول أن يتجول بين أصدقاء "لاوند" وأن يلتقط لكم بعض هذه الآراء حول فنه وشخصيته وبمناسبة ذكرى تأبينه في هذا العام والمقرر أن يقام في الحادي عشر من هذا الشهر على مسرح الحمرا.
كانت البداية من المديرة الثقافية لفرقة "رماد" "رانيا مليحي" التي قالت: «لم يرحل ذلك الطائر الفينيقي هو بيننا روحه تحلق عالياً بين أرواحنا ونستمد منها إلهامنا، لم يرحل المبدع "لاوند هاجو"...لم يرحل ولن يرحل، كان رمزاً شامخاً يعبر عن كل مكنونات الإنسانية والفن، روحاً وقلباً دافئاً أعطى الكثير ورحل في وقت قصير».
كلمات "رانيا" كانت تنبع من القلب وهي تذرف الدموع على رحيله، من هناك اتجهنا إلى الكاتبة "كوليت خوري" صاحبة نص "ستلمس أصابعي الشمس"، تلك المسرحية الأخيرة التي قدمها "لاوند" وودعهم بها ودّع جمهوره وهو يقول لنجعل من خشبة المسرح ترقص لتتكلم، وخلال لقائنا الكاتبة "كوليت" قالت: «"ستلمس أصابعي الشمس" هي أول رواية لي تحولت إلى عمل راقص، حيث يتحدث فيه العرض عن حياة امرأة تمر بأحداث كثيرة قد تسعدها أحياناً وتؤلمها في أخرى، فمن اليأس إلى الوحدة ليلمع الأمل وإغواء الشهرة ويظهر الحب وتتولد معه الرغبة، وليكون الملاذ دائماً في الفن الذي يكسبها المعنى الحقيقي للحياة، وفي كل هذا يقبع المجتمع في حجرته متفرجاً منتظراً، هذه فكرة الرواية التي طلبها مني يوماً ما ذلك الشاب الوسيم الرشيق "لاوند"، الذي تحدث معي يومها بكل جرأة وهو متأكد من أن العمل سينجح بامتياز، كان شاباً صادقاً نشيطاً ومن خلال حضوري لمسرحياته اكتشفت أنه فنان مهم ومبدع قلّ مثيله، وبعد مشاهدتي لأعماله وللعرض الأخير الذي قدمه في هذه المسرحية الراقصة ذهلت به وبقدرته على تحويل النص إلى عرض راقص، "لاوند" كان مشروع عمل ممتاز، أعماله تعجز المؤسسات على القيام بها، وهنا أريد أن أذكر أن "لاوند" كان قد طلب مني رسائل للشاعر "نزار قباني" لكي يحولها إلى عرض مسرحي راقص فكان يقول إنه يتخيل الرسائل في خياله بأنها ستكون أروع مسرح راقص في سورية، لكنه رحل وترك فرقته تكمل مشوار الطائر الفينيقي، "ستلمس أصابعي الشمس" فكرة رقصة رائعة تميزت بحضور "لاوند" فيها، "لاوند" ذلك الذي مدّ يديه للشمس فتحولتا إلى رماد».
ربما نحن نفتقد إلى وجوه مسرحية راقصة وشابة كـ"لاوند" في سورية ولكن رحل هذا المبدع وترك لنا فرقة أخذت منه الكثير ليبدعوا من بعده، ورأي الدكتور "رياض عصمت" أحد الكتاب المسرحيين أكثر دقة بـ"لاوند" فقال: «تعرفت على "لاوند هاجو" قبل تأسيس فرقة "رماد"، عرفته راقصاً معي في إحدى العروض وبعدها حاول أن يعمل على نفسه بكل قوة، وقد قمت بدوري بتعريفه على الفنانين العالميين فأثبت نفسه في هذا المجال على أنه قادر على أن يخلق مسرحاً سورية راقصاً وفريداً، وعندما حضرت عرض مسرحية "ستلمس أصابعي الشمس" هذا العرض المختلف عن العروض الأخرى والذي بالإضافة لأبعاده الفكرية فهو يشبه مسرحيات "الأسرار" القديمة، اكتشفت أن فيها حداثة وخفة ظل تتطلب الإبداع والبراعة فهو نفسه يطير فيها مثل الفراشة ليقدم أوجه الفن المختلفة مع شخصية الكاتبة الموجودة في العرض التي تحاول أن تتخلص من وحدتها وعزلتها عبر مغريات كثيرة في الحياة لكن الفن هو المنقذ الوحيد لخلاصها، لذلك تقول ستلمس أصابعي الشمس، "لاوند" كان من الشخصيات المسرحية الراقصة الفريدة في الساحة العربية وفي العالم، قدم رقصات في قمة الإبداع والدقة والتقنية، حاول بلغته الراقصة أن يجعل من المسرح الراقص يخاطب كل شخص، فله منا ألف تحية».
رحل "لاوند" ولكن روحه كانت تحلق في سماء دار الأوبرا كان متواجداً في عيون الفرقة عندما قدموا آخر عرض بغيابه، قدموا العرض وهم في حزن على رحيله، وهنا تقول السيدة "مايا جاك" صديقة "لاوند" من "لبنان" التي كانت تكن له معزة خاصة في قلبها: «ذلك الطائر الذي صمم الرقصات وهو يطير في عالم الرقص والموسيقا وبعدها أكمل مشواره نحو السماء ورحل، كان في قمة الهدوء وهو يتحدث ويتحرك على الخشبة، لم أر منه يوماً جملة أو كلمة غير جادة كان حيوياً نشيطاً يبحث عن الجديد تحت الشمس وعندما لمس الشمس لينور بها خشبة المسرح السوري والعالمي رحل من دون أن يودعنا برقصة جديدة، سيبقى "لاوند" كما سموه "طائراً فينيقياً" يحلق في عالم الفن وفي أرواح الجيل السوري والعربي ككل».
ربما لم أزر "لاوند" في بيته يوماً ما، ولكن قلبه كان أكبر بيت سوري مفتوح على محرابيه، كان دائماً يقول لي: «إن كنت ترغب بأن تصبح إعلامياً ناجحاً يجب أن يكون لك قلباً تعبر به عن الحضارة السورية وما تمتلكها من كنوز مخفية في جوفها، معنى الإنسانية أن نكون إنسانيين بكل ما نمتلك وما سنمتلك في الغد القريب».
ربما معرفتي السطحية به جعلتني أعشق الرقص المسرحي وأن أكون من المتابعين لفرقة "رماد" وما ستقدمه من بعد رحيل "لاوند".
«في الأسطورة يقترب طائر الفينيق من الشمس بعد إنجازه لعمل يفتخر به، فيحترق ويتحول إلى رماد، ومن رماده يولد من جديد ليخلق أعمالاً تكون مدعاة للفخر، وهكذا تتوالى النجاحات والإنجازات.. هكذا هي فرقة "رماد" ولهذا سميت بهذا الاسم»، بهذه الكلمات ختم الراقص والمخرج المسرحي "لاوند هاجو" مسيرته الفنية وطار نحو السماء مبتسماً.