تتميز الحركة التشكيلية السورية بتواصل يمتد من بدايات القرن العشرين وحتى يومنا هذا دون انقطاع، فهي مسيرة متناغمة متكاملة ذات إيقاع يعكس الواقع ومتغيراته، وربما العثور على أهم الملامح المشتركة والوقوف عند المنتجات الأهم، هي من أجل إعطاء صورة أقرب إلى الحقيقة عن تلك المسيرة، و"فاتح المدرس" مدرسة من المدارس التي خرّجت فناً وفنانين يلونون هواء سورية التشكيلي، ولعلّ "فادي المدرس" تأثر كثيراً بأسلوب والده "فاتح" وطور ما تأثر به إلى مرحلة أحدث.
موقع "eSyria" بتاريخ 7/5/2009 حضر افتتاح معرض الفنانين "فاتح المدرس" و"فادي المدرس" بمناسبة مرور عشر سنوات على رحيل "فاتح المدرس"، وذلك في صالة "السيد" للفنون وبحضور عدد كبير من التشكيليين السوريين، وخلال جولتنا في المعرض، وبين عبق الألوان كان لنا لقاء مع الفنان المغترب "فادي المدرس" الذي تحدث عن سبب إقامة هذا المعرض في بلده الأم: «حالياً أنا مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، وأتيت لأقيم المعرض هنا في سورية حيث في هذا العام تكتمل عشرة أعوام على يوم وفاة والدي، وهو كرد دين أو معروف له، والمعرض يضم أعمالي ومجموعة من أعمال والدي الفريدة والتي ربما تعرض لأول مرة، وبالنسبة لأعمالي اعتمدت على مدرسة والدي بالدرجة الأولى هذه المدرسة التي تأثرت بها بشكل كبير، أما التقنيات الجديدة تعبر عن روح "فادي المدرس" وهي تقنيات تخص عملي فقط وهي تعني أفكاري بالدرجة الأولى وهذا الشيء يعطيني الحرية بممارسة الرسم في لوحاتي».
أعمال "فادي" فيها شيء خاص بعالمه، شاهدنا له أعمال سابقة كثيرة وبالنسبة لهذه الأعمال فهي جديدة لها لون وخط خاصان به، ومعاناة واضحة، كما أن هناك روحاً مشتركة في بعض أعماله مع والده
يكمل "فادي" حديثه عن تأثره بوالده وبالفن الغربي: «تأثرت بوالدي كثيراً كأستاذ تشكيلي، وتأثري به كان في الأشياء الجوهرية الفنية، حيث غالباً يحاول الفنان أن يرصد الأشياء التي تجاوره، لذلك تتراوح أعمالي بين المجتمع الغربي الذي عشت فيه وبعض الأماكن والذكريات المخزنة عن الوطن في مشاعري وذاكرتي، لتكون خليطاً بين الوطن والغربة».
يتابع "فادي": «بالرغم من أن الولايات المتحدة تتألف من نسيج عجيب من الثقافات والفنون وقد قمت بالاحتكاك مع ذاك المجتمع كثيراً، إلا أنني بالنتيجة تأثرت ببعض أعمالهم ووظفت ذلك في لوحاتي، ودائماً كان لي خطي الخاص بي حتى قبل مغادرتي الوطن».
وعن الحركة التشكيلية السورية يقول: «الحركة التشكيلية السورية قوية وخاصة على مستوى الوطن العربي ولها حضورها في المجتمع الأوروبي والفنان السوري معروف على مستوى العالم، هناك جيل شاب يحاول أن يتماشى على الطريق الفني الصحيح والمكمل لجيل "فاتح المدرس" وغيره من الفنانين القدامى المحترفين، وعندهم رؤية وأدوات خاصة صحيحة تبدع في العالم التشكيلي».
ريشة "فاتح" دمجت بألوان "فادي" وأبدعوا ثلاث لوحات مشتركة، وهناك كان لنا لقاء مع الفنانة التشكيلية "غادة الدهني" التي حدثتنا عن رأيها بالمعرض: «أعمال "فادي" فيها شيء خاص بعالمه، شاهدنا له أعمال سابقة كثيرة وبالنسبة لهذه الأعمال فهي جديدة لها لون وخط خاصان به، ومعاناة واضحة، كما أن هناك روحاً مشتركة في بعض أعماله مع والده».
فنانون كثر حضروا المعرض ومن بينهم الفنان "خليل عكاري" الذي تحدث عن رأيه بالمعرض والتجربة المشتركة بين الفنانين: «هي ليست تجربة أولى مشتركة بين "فادي" و"فاتح المدرس"، فـ"فادي" قبل وفاة والده شاركه بأعمال مميزة، وهي تجربة ناجحة، ولا شك أنه في الفن لا يوجد فنانون متطابقون من حيث العمل على اللوحة، فدائماً الطالب يخرج عن أستاذه والابن يخرج عن تجربة والده ولاشك أن "فادي" له خطه الخاص به، حيث في بدايته كان له أسلوبه وطريقته المميزة عن غيره فكان يحب التقنيات والتجريد كثيراً وله علاقات لونية خاصة، كما عمل على الملمس بكتل ومواد تميزه، ومازال هذا الأسلوب موجود في لوحاته بشكل واضح، وقد طور أسلوبه بمنحى آخر وأصبح يدخل على لوحاته الطبيعة والأشخاص والتكوينات الإنسانية والطبيعة الصامتة، وأضاف للوحاته تشخيص الواقع واستطاع أن يمزج بين الطبيعة والأسلوب التجريدي بشكل جديد، فاستفاد من تقنياته التجريدية إلى حد ما في معرضه هذا، فاستخدامه الإيحاءات والمفردات الواقعية أحيت عمله وأبعدته عن التجريد المطلق».
أما الفنان الكاريكاتوري "علي فرزات" فكان له حضوره المميز في المعرض وبنظرة حب تأمل وقال: «"فاتح المدرس" أهم ما فيه أن أعماله تتطابق مع فكره وسلوكه، فهو يدخل إلى عمق الإنسان بكل جوانبه، وسلوكه معكوس في لوحاته بشكل واضح، و"فادي" أخذ جزءاً من هذه المشاعر في لوحاته وهناك اختلاف بسيط أنه تغرّب أكثر، فأعمال "فاتح" عفوية وتلقائية وبسيطة، وهنا أقول أن أي عمل فني يخلو من السلوك هو عمل فاشل والفنان سلوكه هو الفكر، فاللوحة لا تتجزأ عن شخصية الفنان، ولوحة "فاتح" عندما تشاهدها ترى فيها "فاتح" بذاته وروحه، وأنا أقدس السلوك الإنساني في العمل الفني وهذا الذي لاحظته في أعمال "فادي المدرس" في هذا المعرض».
ألوان قديمة مزجت بلوحات شبه حديثة تعبر عن الحالة التشكيلية السورية القديمة والحديثة، وهنا كان للفنان "عبد السلام عبد الله" كلمة بمناسبة هذا المعرض: «هناك فرق كبير بين تقنيتي "فادي" والأستاذ الكبير "فاتح المدرس"، فـ"فاتح" طابع يلصق بوجدان كل فنان، هو ذهنية متواجدة في عقل كل من يحب الفن وكل من يهتم بالفن ويدونه ويؤرخه، بالنسبة لـ"فاتح المدرس" هو عبارة عن نبع نستقي منه الكثير من الأشياء، فلسفته في الموضوع وهندسة اللوحة وإنشاء اللون وحواريته معها، هو جسر فني مرّ على هذا الجسر كل من يتبع الفن، أما بالنسبة لـ"فادي" فهو نبضة ممزوجة بين شيئين الغرافيك عكس والده، فوالده يعتمد على الريشة في بناء اللوحة، فتلقائية الريشة وعفويتها والغنى الفكري في فهمه للّون له عمق كبير، أما "فادي" عفوية اللون عنده تعطي أشكالاً تعبيرية مبسطة لأن اعتماده في بناء اللوحة عبارة عن تقنية غرافيكية وتقنية يعتمد عليها في شفافية اللون وفرشه بشكل تلقائي وعفوي بعملية الضغط وهذه التلقائية تعطي أشكالاً توظفها كعناصر تعبيرية».