الخط واللون عنصران أساسيان في فن التصوير، وكل فنان يستخدمهما في أدائه ويسعى للحصول إلى أسلوب يمنحه الشخصية والهوية الذاتية التي تميزه عن سواه، من هذا المنطلق نتأمل لوحات "بشير بشير" في معرضه الذي أقيم مؤخراً في صالة "الشعب"، الذي لم يخرج عن القاعدة، استخدمها بطريقة متداولة في شعبيته وعرضها بهذا الشكل للمرة الأولى... فأين يقف هذا الفنان بلوحاته؟
بتاريخ 5/5/2009 التقينا بالفنان السوري "بشير بشير"، وخلال جولتنا بين لوحاته المزخرفة بتلك الحروف الملونة تحدثنا معه عن سر انتقاله إلى هذا النمط من اللوحات: «وظفت الخط في اللوحة بشكل تجريدي وعفوي واستفدت من التكوين، فكان هناك ربط بينه وبين الخط الذي فصل التكوين وشكله من جديد، وظفت اللون في اللوحة وكانت هناك جرأة في الألوان الحارة والباردة، كما يوجد في العمل نوع من التناغم برأي النقاد والفنانين الذين حضروا معرضي الأخير، والشيء الأساسي أنني قبل أن أعمل على مسألة الخط عملت على "دمشق" القديمة وعلى الطبيعة بشكل جيد».
ما يحاول أن يفعله "بشير" من خلال أعماله الأخيرة هو الهرب من التراث إلى الحرف العربي، وهو عمل جديد نتمنى له التوفيق في هذه التجربة الجديدة، فهو ابن المدرسة السورية هذه المدرسة الأولى بعد انهيار المدرسة العراقية المدرسة التي تعارك المدارس الغربية
يتابع "بشير" حديثه عن لوحاته: «كما حاولت أن أوظف هذا النمط الذي كان موجوداً في الطبيعة و"دمشق" القديمة بالتكوين الجديد الذي أدخلت إليه هذه الألوان، حيث استفدت من منحنيات أغصان الأشجار ومن التكوين والمنظور الهندسي (الكتلة والفراغ) حاولت أن أوظفهم ضمن العمل الفني بحيث يكون متوازناً، هذه كانت الفكرة الأساسية للوحاتي في المعرض وانطلقت منها على هذا الأساس، وفي الوقت الذي أبني فيه كل لوحة يكون لدي مخيلة مسبقة لموضوع ثانٍ يعني الإضافات التي كنت أرغب بإضافتها في أول لوحة أوظفها في اللوحة الثانية، وكما حاولت أن أدخل الطفولة القديمة الموجودة في داخلي على اللوحة من خلال دخول ذلك الخط الطفولي بشكل متناغم».
وعن سبب انتقاله من نمطه السابق إلى هذا النمط، ورأيه باللوحة التشكيلية السورية يقول: «سبب انتقالي من الطبيعة و"دمشق" القديمة إلى الخط هو حافز لأن أنتقل إلى موضوع جديد، لأن الفنان يجب أن يغير مكانه ويطور أعماله مع الحفاظ على تراثه، أما اللوحة التشكيلية السورية فهي في أوج أيامها وهي في القمة، ولدينا فنانون ممتازون يمتاز كل منهم بنوع تشكيلي معين له أهميته ومكانته المهمة بين اللوحة التشكيلية العالمية».
دفء الألوان الممزوجة بتلك الحروف العربية كانت تشع المكان، وهنا وعن أعمال "بشير" الأخيرة يقول الأستاذ التشكيلي "أنور الرحبي": «"بشير" من التجارب الحروفية، لكن هذه الحروفية تمثل الرسم الحقيقي لواقعنا التاريخي فهو استلهم من التاريخ الحرف، والحرف بمداه المعلومات يعني قدم معلومة جميلة على أنه يمكن أن يقدم مكان الرسم للبورتريه للشجرة والطبيعة، فهو يعمل على المساحة ليست الواحدة بل يعمل على مجموعة من المساحات تؤكد على أن مساحة الحرف لا تقل أهمية على حركة الإنسان وفكره وحالته المختلفة وهذه مسألة نفتقدها، ليس هناك رصيف تقليدي في تجربته التشكيلية فهو فاعل بمعنى أنه المتغير والمتحرك هنا يتعلق بالحرف وحرية هذا الحرف، فلن تجد في لوحاته حرفاً أو كلمة تستطيع قراءتها بل جعل من هذا الحرف تكوين لا يقل عن تكوين أي لوحة لها إيقاعاتها ومداها وبالتالي قيمها البصرية المعروفة».
مساحات "بشير" اللونية تعانق الفرشاة في تقنيتها، وهنا يقول الفنان اللبناني "خالد أبو الهول": «ما يحاول أن يفعله "بشير" من خلال أعماله الأخيرة هو الهرب من التراث إلى الحرف العربي، وهو عمل جديد نتمنى له التوفيق في هذه التجربة الجديدة، فهو ابن المدرسة السورية هذه المدرسة الأولى بعد انهيار المدرسة العراقية المدرسة التي تعارك المدارس الغربية».
أما الفنان السوري "سليم صبري" فيقول عن رأيه بأعمال "بشير": «"بشير" له طابع خاص من الوقت الذي بدأ بالفن، وهذا الطابع الخاص به يتميز ببقع لونية وخطوط تختلف كثيراً عن غيره، فخطوطه تأتي منسجمة مع الألوان لتشكل بشكل خاص في لون هو "بشير"، أنا شخصياً أتمنى من كافة التشكيليين ألا يقعوا في موقعٍ واحد فتطور الفنان هو تطور فكري وذهني ونفسي واجتماعي في نفس الوقت، وتعبيره عندما يتطور إلى أشياء أخرى هو تعبير عن تطوره وتطور المجتمع معه».
يتابع الأستاذ "سليم صبري" حديثه ليقول: «الذي يتابع أعمال "بشير" يلاحظ أن لديه تطوراً بنفس الاتجاه ولا أعلم إن كان سينقلب بفنه يوماً ما، فأنا بالسياسة لست مع الانقلابات أما في الفن أشجع الانقلابات وأرجو أن ينقلب، فاللوحة السورية في السماء ولكن مع الأسف هذه السماء ضائعة لم يجدها أحد في العالم بعد، فهي من أقوى الفنون التشكيلية العربية الموجودة في منطقة البحر المتوسط، ولكن المشكلة إن الفنان السوري إلى الآن لم يٌكتشف في تلك السماء العالية، الفنان السوري جاء من التأثر وهو يرسم بقلبه وليس بقلمه أو ريشته، هو بحاجة إلى وسائل لتطلقه إلى العالمية، و"بشير" أحد هؤلاء الذين يبدعون ويتميزون بإبداعهم».
ويقول الأستاذ الدكتور "علي سليم الخالد" عن الفنان "بشير بشير": «إن الأعمال التي يقدمها لنا "بشير" بقوامها التشكيلي المبني على وحدة الأسلوب مما مكن الفنان من بناء لوحة تشكيلية ممتدة على حرية التكوين وتفرد الأسلوب، هذا الاسلوب المبني على التضاد اللوني المحبب تارة وعلى الرمزية تارة أخرى مما يستدعي حرية اختيار منطق تلك الأشكال المؤسبلة ذاتياً لحدس الفنان وقدراته الإبداعية، إن هذه الأعمال معتمدة على تجارب مسبقة وبحث تشكيلي تراكمت جذوره حتى زمن بعيد مرتبطة بالثقة التي يتمتع بها الفنان "بشير" وهو الذي يريد أن يقدم حواراً جديداً عاصره مرمزة بخطوط غرافيكية تبوح بالطاقة الإبداعية الجياشة عند الفنان، وهكذا فإن أعمال "بشير" في معرضه الأخير تكاد تنطق بصدق ما لديه من ترابط مساحاته التشكيلية وهي مشبعة بالإيماءات الغرافيكية السوداء».