تعد تجربة المخرج "مانويل جيجي" من التجارب الهامة في المسرح السوري، لما له من رؤية مسرحية مغايرة عن المسرح الكلاسيكي بتقنياته ولغته وخطابه وأسلوبه، حيث لا يمكنه الركون والاستكانة إلى شكل فني واحد إنه دائماً يبحث عن التجديد والإبداع، رافضاً الأشكال والأنماط التقليدية، يصوّغ اللغة المسرحية بأنها فكرة وإشارات ودلالات وحركات وفترات الصمت، فهو يرى الحركة في المسرح قد تحل مكان جملة كلامية وتشي بالعالم الداخلي للممثل، هذا ما أخبرنا به "مانويل جيجي" عن تجربته المسرحية.
موقع "eSyria" بتاريخ 18/6/2009 وفي مديرية المسارح بدمشق التقى بالمخرج المسرحي "مانويل جيجي" الذي كان يتنقل بين دفات المسرح تحضيراً لمهرجان مسرحي خارج القطر، وعن التطور في فن المسرح السوري قال: «كلما ارتقى الإنسان في المسرح أدى به الحال إلى التقليل من شأن الكلام، فالعصر الراهن يتخذ من الصورة أساساً له، وبقدر ما يتم تنوير خشبة المسرح باللغة البصرية يتم فتح الطرق أمام إمكانية الإبداع، فالإشارة تعتبر أرقى لغة توصل إليها علماء الأدب والفن، ومن الممكن النظر إلى وظيفة الحوار بدمجه ضمن لوحة بصرية جميلة على خشبة المسرح، فالصورة قادرة على تجسيد عدة حالات بحيث لا يمكن للكلام أن يعبر عنه، ينطبق هذا على الشعر أيضاً، فالشعر بدون صورة مجازية لا يعتبر شعراً».
كان مخططاً أن يكون فريق العمل أكثر من عشرين ممثلاً وممثلة في هذه المسرحية، وهذا لم يتوفر بسبب الظروف الإنتاجية للمسرح، التجأت إلى فرقة إشارات الرقص لسد هذا الفراغ، وهنا يتطلب مني أن أوظّف الفرقة للتعبير عن عدة مشاهد درامية عوضاً عن تقديمه بطريقة الحوار، فتنوعت أدوارها على خشبة المسرح، تارة كانت تقدم عروضها بمنظومة شبه راقصة وتارة أخرى بحركات إيمائية وتمثيلية صامتة، تميزت الفرقة بالتنوع والمرونة حيث خلقت بذلك الأجواء التي كنت أبحث عنه
منذ البداية، حاول المخرج "مانويل جيجي" أن يستفيد من تراث "خيال الظل" العربي الذي يقدم متعة بصرية، وهنا يؤكد "مانويل" حول هذه التقنية: «إن خيال الظل لم يأت من الفراغ، هناك دائماً الأسس والقواعد التي تستند عليه من أجل تطوير منحى جديد في مسيرة حياة المسرح، فتقنية "خيال الظل" يشدك إلى أماكن جديدة، ويذهب بك إلى آفاق بعيدة ومساحات واسعة، الديكور على خشبة المسرح يكون عشرة أمتار مربعة، وفي هذه الحالة تقنية "خيال الظل" تضيف على الديكور الموج والبحر من خلفه، فهي توليفة صورتين في صورة واحدة على خشبة المسرح، فمن خلال ثواني معدودة يتم تغيير الإضاءة والدخول بأماكن جديدة، هناك غزارة غير منتهية في تقنية خيال الظل، وهذه التقنية عليها أن تزداد في المسرح، وليس القيام بدخول السينما والتصوير الخارجي إلى خشبة المسرح، وعند استخدام السينما في المسرح تفقد خمسين في المئة من روحها، التمثيل الحي هو ما يميز جمالية ولذة المسرح، ومن خلال خيال الظل نتلمس ميزة عبقة بروح جميلة في المسرح».
من خلال حديثه يبين "مانويل" أنه جاوز القاعدة التي تقول دور الرجل يجب أن يكون مخصصاً للرجل وليس لجنس آخر وهي المرأة، وعن هذا يقول "جيجي": «أنا لا أضع نفسي في نطاق دائرة محددة مسبقاً ومرصودة بقيود أو مذاهب ثابتة، فلدي تجارب سابقة بهذا الخصوص، وهذا ما قدمته في مسرحية "يوميات المجنون" كمشروع تخرجي، أتمعن في المسرح برؤية عميقة ومنهج للحياة، فلكل إنسان رؤيته ومنهجه، لكن المشكلة تكمن في نقل هذه الرؤية من الحياة إلى الخشبة، وهذا يتطلب لغة فنية بصرية وجمالية حتى تتكامل جميع العناصر المشاركة في العرض المسرحي، وفي هذا السياق لا تختلف ذاتية المرأة عن ذاتية الرجل على الخشبة طالما أنها تمتلك رؤية حياتية ومنهجاً إنسانياً مشتركاً، وبناءً عليه انطلقت بتجسيد شخصية "سانشو" في مسرحية "دون كيشوت" للممثلة "سوسن أبو عفار"».
وحول لجوء "جيجي" في مسرحية " دون كيشوت" إلى فرقة إشارات الرقص محاولةً لإرساء أشكال تعبيرية، يقول: «كان مخططاً أن يكون فريق العمل أكثر من عشرين ممثلاً وممثلة في هذه المسرحية، وهذا لم يتوفر بسبب الظروف الإنتاجية للمسرح، التجأت إلى فرقة إشارات الرقص لسد هذا الفراغ، وهنا يتطلب مني أن أوظّف الفرقة للتعبير عن عدة مشاهد درامية عوضاً عن تقديمه بطريقة الحوار، فتنوعت أدوارها على خشبة المسرح، تارة كانت تقدم عروضها بمنظومة شبه راقصة وتارة أخرى بحركات إيمائية وتمثيلية صامتة، تميزت الفرقة بالتنوع والمرونة حيث خلقت بذلك الأجواء التي كنت أبحث عنه».
وعن جوهر ومغزى مسرحية "دون كيشوت" يقول "مانويل": «جوهر ومغزى الحوار الذي اتصف به "دون كيشوت" كان تعبيراً عن حالة الإنسان العملاق ولكن بروح الطفل النقي والبريء، وهذا هو جوهر "دون كيشوت" بالنسبة لي، إنني أدافع عنه ولا أهدف إلى إسقاطه، هناك كثير الحالات الدون كيشوتية في العالم، حيث نتذكر عبر صفحات التاريخ البطل "يوسف العظمة" الذي قاد جيشاً مؤلفاً من ثلاثمئة جندي وحارب به الفرنسيين الذين كانوا يملكون عشرات الآلاف من الجيوش والدبابات والطائرات والمعدات الحربية الأخرى، وضحى بحياته وكان مدركاً أنه سيموت، إذ ما تعمقنا بهذه الحالة سوف ندرك مدى التراجيدية التي استلهمت حياتهم، وهذه النقطة أضفته على "دون كيشوت" إلى جانب الكثير من الأشعار والحكم مما أعطى الحوار إغناء وإثراء مسرحياً».
رأي "جيجي" بدور المخرج المسرحي في الألفية الثالثة هو: «تمحور دور المخرج في السابق حول جانب التنسيق فقط، أما الآن فإن التعمق في مهنة الإخراج يتطلب أن يكون المخرج فيلسوفاً أو مفكراً، إنني أشبّه دور المخرج بالنحات الذي ينحت التمثال، ولديه الكثير من الأدوات، في ذهنه وهي عبارة عن خلق وابتكار، وهذا ينطبق على الإخراج في المسرح، فالممثلون يتحركون على خشبة المسرح وتكمن خلف هذه الحركات الفكر والإبداع والموهبة والحس الفطري، على هذا الاساس يجب على المخرج المسرحي الحالم الخروج بعمل فني متميز جمالياً وتعبيرياً، وكلما تعمق المخرج في أدواته كلما أبدع في عمله».
ورؤية "جيجي" لواقع المسرح في سورية تتلخص بقوله: «لا بد القول أن هناك أزمة تجتاح المسرح في سورية والوطن العربي، وهنا أستطيع أن أختصر هذه الأزمة بكل بساطة من جانب الإنتاج، فلدينا كتاب وممثلون ومخرجون جيدون، وعندما يتوفر التمويل نستطيع حينذاك جلب الديكور والممثلين الجيدين وتقديم عروض رفيعة المستوى شكلاً ومضموناً، ولمّا تنظر الجهات المسؤولة إلى الثقافة على أنها حالة تجميلية فقط، بهذه الحالة لن يكون هناك المسرح والرواية والفنون بأنواعها بحالة جيدة، ورغم هذه المعوقات والصعوبات فالمسرح السوري يتمتع بمكانة متميزة بين المسارح العربية، والعروض التي قدمتها سورية في المهرجانات العربية والعالمية والجوائز التي حصدتها هي كفيلٌة لتقييم المسرح في سورية، وهو ما نشعر به حين يأتي الضيوف والمختصون إلى سورية ويؤكدون أن مسرحنا بحالة جيدة مقارنة مع الدول العربية الأخرى».
الجدير بالذكر المخرج "مانويل جيجي" خريج أرمينيا عام 1969 بدرجة ماجستير في الإخراج المسرحي، وبعد عودته إلى سورية توظف في المسرح العسكري، وأخذ يعمل في المسرح القومي والجامعي ومسرح الجمعيات الخيرية بروح المحترف، وحتى الوقت الراهن أخرج أكثر من 52 مسرحية، ابتداءً من مسرحية "يوميات المجنون" كأول عرض مسرحي ووصولاً إلى مسرحية "دون كيشوت" كآخر عرض مسرحي له، وبذلك أصبح واحداً من رواد وأعمدة المسرح في سورية.