«الفنان يملك بصراً شديد القدرة على التقاط المشهد المرئي في الواقع، وبصيرة قادرة على الدخول عميقاً في مكوناته وأبعاده.. وتبقى الصعوبة في إخراج الرؤية المختزنة وتحويلها إلى عملٍ فني، والطبيعة تحوي تشكيلات وتكوينات مذهلة من غيوم وحجر وسهل وشجر ونهر.. والفنان الباحث يستطيع إعادة تركيب وصياغة ما يراه بشكل جديد لا يشبه المشهد الطبيعي الذي حدد رؤيته فيه، فيكون منجزه الإبداعي عملاً فنياً صادقاً».
والرؤية للنحات "عادل خضر" الذي تحدث لموقع eSyria بتاريخ 8/7/2009 حول خصوصية التجريب النحتي وخامة العمل.
** العمل النحتي إيقاعات مجسمة ومتوازنة مع الفراغ، كما في الموسيقا فإننا نعزف عبر السلم الموسيقي ألحاناً متفاوتة الشدة واللين صعوداً وهبوطاً لاستخلاص لحن جميل، كذلك يمكننا أن ننوع بما يشبه تلك الإيقاعات الحسية على جسد المادة الخام، لنستخلص منها كتلة نحتية متكاملة الأبعاد.. منسجمة ومتوازنة فيها من الجمال ما يمتعنا، ومن التفكير والتأمل ما يشغلنا ويغنينا، لذلك النحات يبذل في عملية التحليل والتركيب والتنظيم والحذف والإضافة على جسد المنحوتة الكثير من الطاقة الروحية والجسدية.. حتى يصل في النهاية إلى تحقيق التكامل والتناسق في الكتلة.
** العمل النحتي مشهد بصري، والعين ترتاح للتنويع المنطقي للعلاقات البصرية التي يتضمنها، من درجات مختلفة، كإيجاد تباينٍ على السطوح من ارتفاع وانخفاض، خشونة ونعومة على أن يكون هذا مربوط بعلاقات تشكيلية منطقية واضحة الهوية.
** البورتريه يستهويني كأسلوب واقعي، وكل وجه نحتي أنجزه من شخصيات المجتمع، له حالة خاصة في داخلي، فربما تعجبني ملامحه الصارمة أو الطبية أو بروز الأنف أو الجبين الغض أو كثرة التجاعيد، وتأثري بهذه المعالم يدفعني إلى رسمها، وإعادة صياغتها نحتياً ضمن توليفات جميلة أشبه بالصورة الحقيقية في واقعها الحي.
** اشتق فن الميدالية من صك النقود، حيث كانت هذه المصكوكات تحمل نقوشاً مختلفة.. عبارات حروفية أو وجوه لملوك وسلاطين وشخصيات رسمية، ومع مرور الزمن باتت تخصصاً مستقلاً عن وظيفتها التي صممت لأجلها، ففن الميدالية عبارة عن تشكيل مجسم نحتي صغير نافر يراعى فيه تقنية الرسم والتشريح من جانب المنظور والكتلة، وهذا الأسلوب قديم جداً يسمى "الريليف" عمل به كفن جداري عند الفراعنة والسومريين والبابليين والفينيقيين، ومعظم الحضارات القديمة البوذيين الهنود، فقد صورت تلك الحضارات أساطيرها ومعاركها على الجدران والأعمدة.. وأشهر الريلييفات التي عرفت معركة نحتها مبدع سوري على أحد الأعمدة في "روما" سمي "تراجان".
** يملك المعدن خاصية المباشرة في التشكيل، ونرى ذلك في أعمالي التعبيرية الصغيرة والنصبية الموضوعة في بعض الساحات والحدائق العامة، ولكونه يعد مع "الحجر"، من الخامات النبيلة، فقد استطعنا كشف حضارات قديمة يعود تاريخها إلى آلاف السنين.. من خلال العمارة الحجرية من مسارح وقصور وأعمدة منحوتة التيجان.. مثل: مدرج "بصرى" وحمامات "شهبا" و"تدمر"، وحضارات أخرى مثل: الفراعنة وروما، ففي تاريخهم استخدموا "البرونز" كخامة مفضلة للنحت، وما زالت آثار تلك العهود محفوظة بنحتها ونقوشها..
** العمل النصبي يعتمد بشكل رئيسي على دراسة المكان والفراغ المحيط بالكتلة على أن يظهر حيويتها، بالإضافة إلى نسب بنائها المتوازنة والمتماسكة، مع دراسة الإضاءة المتحولة على جسدها من خلال الإنارة الطبيعية والصناعية لإظهار شكلها ليلاًَ، ومنحها القدرة في السيطرة على المكان وجذب المشاهد بآن معاً.
** لي تجربة طويلة مع كافة الخامات المتوافرة الصلصال والجبس والخشب والمعدن والحجر الرخامي، وبعض هذه الخامات غير قادرة على بلورة الرؤية المتخيلة للموضوع، فالطين مثلاً أكثر مادة مطواعة للتشكيل الفني، فعبره نحدث العديد من التفاصيل التشريحية الدقيقة في المجسم، ويمكن أن نجعلها كبيرة الحجم،إلا أنه مادة أساسية تستطيع بها تشكيل معظم التكوينات التي نرغب بها… وإذا قارناها "بالحجر الرخامي" نجد الحجر لا يقبل تلك التفاصيل، خاصة الضعيفة منها والممتدة كثيراً في الفراغ، بينما "الطين" يقبلها لأنه مستند في داخله على هيكل معدني، وهو مادة للتشكيل النحتي، حيث إنه يتحول (الطين) عبر القالب لأي خامة نريد العمل عليها سواء البرونز أو الألمنيوم أو النحاس أو الحجر الصناعي، وكل خامة لها قدرة تعبيرية وشخصية تتسم بها، ويبقى الخشب كخامة حيّة الأقرب إلى نفس الإنسان، لذلك المشاهد يتعاطف معه بشكل أسرع، ويكون العمل قريباً لوجدانه أكثر.
** أعمل الآن على منحى نحتي جديد، وهو التشكيل المباشر في المعدن، أي إنني أختار قطعاً معدنية جاهزة وأقوم بتطويعها وتحويرها عن طريق اللحام والصهر مبتعداً عن السائد، وهو أن يأتي الفنان بمجموعة قطع جاهزة ويركب بعضها مع بعض لخلق الشكل الفني دون اللجوء إلى التطويع والطي، وفي تجربتي أخضع القطعة إلى التكوين والتشكيل الذي أرغب، محافظاً على خصوصية الكتلة النحتية والتشكيل الإنساني في جوهرها. أما الأهم فإن عملية التركيب النحتي لدي سوف تكون متكاملة بحيث تحتوي على موضوع وكتلة وفراغ.
ببلوغرافيا النحات:
يذكر أن النحات "عادل خضر" المولود في "دمشق" عام /1959/، متخرج في معهد "أدهم إسماعيل" للفنون الجميلة في "دمشق"، صقل فنّه على مدار /7/ أعوام على يدّ النحات المصري "محمد حسين هجرس"، وخلال /27/ عاماً بحث في تشكيل مختلف الخامات، وكوّن مجموعة كبيرة من الأعمال النحتية..
أتقن "خضر" فن "الميدالية، "والبورتريه" النحتي، وله دراسات لمشاريع نحتية نصبية، وتجميل الأماكن العامة.. شارك في العديد من ملتقيات النحت التي أقيمت في "سورية"، منها ملتقى النحت الثاني لمؤسسة المعارض والأسواق الدولية عام /2003/، أنجز عملاً من الرخام التركي "بيانكو رويال"، وضع في حديقة مدينة المعارض في "دمشق"، كما أنجز عدداً من الأعمال النصبية.