«إنه من الشخصيات النادرة على الساحة الموسيقية العربية، لما له من حرفية عالية في التأليف الموسيقي وتقنياته المتطورة في العزف على البيانو، فكان حقاً مدرساً بروح الاحتراف وذا ثقافة موسيقية رفيعة، وقادراً على شرح المفاهيم الموسيقية بلغة عنوانها البساطة والذكاء، إذ تصل الرسالة إلى المتلقي بطريقة مبسطة وواضحة، وهذا يدل على عمق فهمه للموسيقا، وعندما أجد ذاتي معه في إحدى الأمسيات أدرك مدى التوافق والهارموني الكبير الذي يرافق أدائي بمصاحبة تلك الأنامل على آلة البيانو».
هذا ما قالته المغنية "رشا رزق" عن العازف العالمي على آلة البيانو "غزوان الزركلي".
يتباين أداء كل عازف عن الآخر مع الآلة حسب خصوصيته ومقدرته على التوظيف والتعبير عن الذات بطريقة مختلفة، فلكل مؤدّ إحساس يؤدي إلى ظهور جمالية ورهافة أي مقطوعة موسيقية يعزفها، والجمهور هو الذي يقدر هذه المقطوعة لدى سماعها فيما يتعلق بالقوة الموسيقية والجمالية الفنية وقوة الجذب، لأن المتلقي في النهاية هو الحكم
موقع eSyria وبتاريخ 15/8/2009 التقى مع "الزركلي" في معهد "ثربانتس"، ليحدثنا في البداية عن مسيرته الموسيقية مع آلة البيانو، فيقول: «كان والدي عازفاً هاوياً على العود، أما خالتي التي علمتني الموسيقا فكانت تعزف على الأكورديون، وتحركت أولى مشاعري الموسيقية بحضوري التجمعات النسائية في "دمشق"، إذ كان العزف والغناء أساسياً في سهرات تلك البيوت، وبعد تشجيع والدي انتسبت إلى المعهد العالي للموسيقا، حيث طلبت مني لجنة القبول أن أريها أصابع يدي، ومنذ تلك اللحظة أحاول تطويع البيانو إلى ما هو شرقي».
لكل عازف طريقة يعبر بها عن ذاته ويكون ملاذه الآلة، فمع ملامسة أنامل "غزوان" لآلة البيانو ندرك مدى قوة أدائه الذي يمتاز بالإتقان والعاطفة، وعن هذا يقول: «يتباين أداء كل عازف عن الآخر مع الآلة حسب خصوصيته ومقدرته على التوظيف والتعبير عن الذات بطريقة مختلفة، فلكل مؤدّ إحساس يؤدي إلى ظهور جمالية ورهافة أي مقطوعة موسيقية يعزفها، والجمهور هو الذي يقدر هذه المقطوعة لدى سماعها فيما يتعلق بالقوة الموسيقية والجمالية الفنية وقوة الجذب، لأن المتلقي في النهاية هو الحكم».
لـ"غزوان" مقترحات خاصة حول وضع التعليم الموسيقي في سورية: «أي تطور وتحسن وأي تخلف في هذا المجال مرتبط بالتعليم، فالتعليم مرآة الموضوع وهو يعطي الجواب، ولا أريد أن أكون سلبياً لكنني لا أرى أي تحسن، بل على العكس هناك موجة تراجع إلى الوراء، بسبب بسيط جداً أن الزيادة السكانية يجب أن يرافقها زيادة في المؤسسات الموسيقية ويجب أن يكون المستوى التعليمي أعلى، حتى لا تبقى الموسيقا السورية فقط أبجدية ومبادئ، وأن تخطو إلى الأمام باتجاه الاحتراف والإتقان».
وعن الإرث الثقافي والفني الذي تنفرد به سورية في الموسيقا، يوضح "غزوان": «أنا كسوري أعتز جداً بالتنوع الموجود لدينا، سواء من الناحية الدينية أو القومية، وكعربي أرى أن الثقافة العربية هي الثقافة التي تجمع الكلّ من ناحية، وهذا هو السر في وجود لحمة وطنية في هذا البلد الذي تزدهر فيه الثقافة ويزدهر الفن وتحترم خصوصية هذا الشعب فيما يتعلق بالأمور الدينية والقومية من ناحية أخرى، إلا أنه يحتاج إلى مؤسسات تعليمية قوية، تستفيد من هذه البيئة وتطبق أمتن القواعد العلمية والفنية، وهنا يكمن أيضاً الانفتاح.
إننا نستلهم ونتعلم من خلال القواعد الموسيقية الكلاسيكية الأوروبية، فإن البحث عن الخصوصية الثقافية لا يقل أهمية عن تحصيل المستوى العلمي، هذان العاملان يمشيان جنباً إلى جنب ويؤثر أحدهما بالآخر للنهوض بالمستوى الثقافي وللوصول إلى ما نسميه اليوم الأصالة، لذلك يجب علينا ألا ننسى هويتنا الموسيقية العربية والشرقية، وأن نهتم بالموسيقا الدينية، ونهتم بشكل جدي بموسيقا الأقليات السورية، أو على الأقل ندعم مبادراتها الأهلية، فلا تعارض بين الكلاسيكي والشعبي. للموسيقا أنواع، وكل قالب يكون جميلاً في حال وجود القواعد والحرفة والتعميم».
الموسيقا الكلاسيكية الشرقية أخذت باعاً طويلاً عند "غزوان"، وعن ذلك يقول: «الموسيقا العربية الكلاسيكية قد تكون وسيلة للفت نظر الإنسان الأوروبي، وخاصة عندما تقدم من إنسان غير أوروبي، فما بالك إذا استطعت أن توظف كلماتك العربية بأغاني وأناشيد وأهازيج، وأن تنقل عبر الكلمة والموسيقا فكرك الإنساني؟ وهنا أود أن أقول إن الموسيقي الشرقي غريب في سورية، فليس لديه مدرسة موسيقية مختصة بالموسيقا العربية، والموجود هو عبارة عن معاهد خاصة، ولا يعني وجود بعض المعاهد الخاصة أننا اكتفينا بهذه النتيجة وأن نعتبر ذلك إنجازاً».
وعن الموسيقا الكلاسيكية الاوروبية، يسترسل "غزوان": «بداية لا بد من وجود حس المسؤولية والنزاهة والصدق تجاه الحفلات التي تقدم سواء في الأماكن الرسمية أو الأماكن العامة، ولكي نعرف إن كان هذا الفن أو ذاك نخبوياً يجب تقديمه للجمهور أولاً، فإن كان فعلاً كذلك فنحن بحاجة لنشر هذا الفن بصورته الجيدة، وأن نعطي الجمهور فرصة أكبر، وأن يكون موضوع تنظيم الحفلات الموسيقية بشكل عام ليس لمرة واحدة، بل يجب أن يصبح حالة عادة واستمرار باتجاه خلق تقليد، كما يجب الاهتمام بالتدريس ونبدأ مع الأطفال».
أما فيما يتعلق بمشاكل التي تعاني منها الفرقة السيمفونية الوطنية فيتابع "غزوان": «من ناحية فإن الفرقة السيمفونية في المعهد العالي للموسيقا استطاعت أن تلعب دوراً إيجابياً كبيراً ومثلت سورية في الخارج، رغم أن هذه الفرقة تعاني من مشاكل كثيرة لا تخطر على البال، حيث لا يوجد للفرقة ملاك منذ 16 سنة ومبنية على المكافآت، في أي لحظة يمكن للشخص أن يغادر بين ليلة وضحاها دون حقوق أو واجبات وبالتالي لا ضمان، كما لا يوجد خطة للأمام تهدف الى التحسين المعنوي والمادي، والارتقاء بالمستوي الفني، وإعطاء الموسيقي حقوقه المادية، هذه الأشياء كلها ينبغي أن تكون ضمن إطار متكامل يوضع للفرقة السيمفونية، وللأسف، هذا غير موجود حتى الآن رغم مرور الأعوام الـ16 المذكورة على تأسيس الفرقة».
وجدير بالذكر أن "غزوان الزركلي" عازف بيانو محترف، ولد في دمشق عام 1954 وتلقى دروسه في الموسيقا الكلاسيكية، كما في برلين وموسكو، ونال عام 1981 شهادة الدكتوراه، درّس في ألمانيا وأصبح بروفسوراً في "فايمر" عام 1988، يحمل الجنسية الألمانية، وهو عضو تحكيم دولي في الإمارات العربية والمغرب وقبرص وروسيا، مثّل سورية في 26 بلداً وعمل خبيراً بالعزف على البيانو في كونسيرفاتوار القاهرة وفي الأوبرا المصرية، لعب وما يزال يلعب دوراً بارزاً في الحياة الموسيقية السورية في مجالات العزف والتدريس والتأليف والتنظيم والكتابة والترجمة، حائز جائزة الدولة التشجيعية في سورية عام 1969، وسام الجزائر عاصمة الثقافة العربية عام 2007 وجوائز موسيقية عديدة في لبنان وروسيا وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وغيرها.