مسيرة طويلة من البحث والتجريب والاطلاع، لدرجة لا تختصر بكلمات قام بها الفنان التشكيلي "عز الدين شموط" ليقدم خلاصة سنين عمره لوحات تدوي صداها المتميز ضمن ايقاع الحركة التشكيلية السورية.
موقع "eSyria" بتاريخ 22/10/2009 حضر افتتاح معرض الفنان التشكيلي "عز الدين شموط" المقام في غاليري "السيد" للفنون، حيث التقينا "شموط" وأختار أن تكون بداية حديثه معنا قصة قصيرة تختصر مفهومه لعمق معنى إن يكون المرء رساماً: «كان أحد الفنانين يخربش على الورق مذ أن بلغ الأربع سنوات من عمره, وعندما أصبح في عامه الرابع عشر بدأ يرسم أشياءً قريبة جداً من واقعه, أما عند الـ/36/ عاماً قرر أن يتعلم الرسم, وفي الـ/60/ خطا خطوة نحو الأمام, إلى الـ/70/ بدأ يتطور قليلاً, وقال لنفسه استطيع أن أقول عن نفسي "فنان" حين أبلغ الـ/120/ عاماً، فعلى الإنسان أن يتعلم ويمر على كل الأساليب المختلفة, ليمتلك ثقافة، ذاكرة بصرية وتقنية واسعة, ووقتها يستطيع القول بإمكاني الرسم».
اللوحة تحقق لذة الرسم والإبداع، وكل لوحة أنجزها تخلق لدي سعادة كبيرة، كما أني لا أرسم إلا عندما أشعر بحاجة للرسم وتنتابني هذه الحاجة يومياً، فأبدأ الرسم بعد دخولي لحالة من الطرب بكل أحاسيسي فتكون لوحتي ذو طرب بصري، وبرأيي من يستطيع أن يقدم لوحة تحقق خياله وتطلعاته الفنية يكون قد ربح الكثير
يضيف "شموط": «اللوحة اليوم ليست أداة إيديولوجية تدافع عن قضية، فوسائل الإعلام الحديثة والاتصالات البصرية والغير بصرية تستطيع أن تقدم هذا الدفاع بشكل أفضل بكثير, كما أرى أن اللوحة لم تعد بحاجة لأخذ دور النضال، لكن عليها أن تكون ذو موقف ومعنى, اللوحة ليست مجرد معالجات شكلية ولونية؛ فالتي لا تملك محتوى بصري ومعنى فكري بصري تكون غير مكتملة».
"عز الدين شموط" عاشق الألوان والتشكيل الذي لم تثقل السنين همته لممارسة حبه الإبداعي يقول: «اللوحة تحقق لذة الرسم والإبداع، وكل لوحة أنجزها تخلق لدي سعادة كبيرة، كما أني لا أرسم إلا عندما أشعر بحاجة للرسم وتنتابني هذه الحاجة يومياً، فأبدأ الرسم بعد دخولي لحالة من الطرب بكل أحاسيسي فتكون لوحتي ذو طرب بصري، وبرأيي من يستطيع أن يقدم لوحة تحقق خياله وتطلعاته الفنية يكون قد ربح الكثير».
اكتظت صالة "السيد" بعدد هائل من الفنانين، ومن الحضور كان الدكتور "حيدر يازجي" نقيب الفنانين، الذي حدثنا عن المعرض: «عوالم الفنان "عز الدين شموط" خاصة به ومتميزة, نحن نرقب أعماله باستمرار, فهو يقدم لوحات تحتاج إلى بحث ومتابعة, لأن ما يقدمه ليس مجرد رسم حتى ضمن المدرسة التي يعمل بها فأعماله فيها نوع من التجديد، خلفيتها التجربة والخبرة لأنه يعمل بجدية وإخلاص, اللوحة التشكيلية لديه مليئة بالمسؤولية؛ وهذا ما يميزه, حتى أن كل لوحة من لوحاته في هذا المعرض تحتوي على شيء جديد ومختلف, محافظاً على وجود روح "عز الدين شموط" في كل أعماله, هو رجل التجارب الكثيرة الغنية, والمسؤول أمام محبيه ولوحاته، لدرجة تمنعه من أن يقدم لوحة ما وفيها شيء من النقص».
من زاوية أخرى التقينا الفنان "علي فرزات"، وأثناء متابعته لتفاصيل إحدى اللوحات المعروضة حدثنا: «بالتأكيد لست ناقداً فنيا لكني قد أكون متذوقا جيداً للفن، وأرى أنه أمر مهم أن يقدم لك الفنان عمل متوازن ومحترم في زمن اللاتوازن, أن يحترم فكرك وخيالك, فقليلة هي الأعمال التي تقدم وفيها احترام للطرف الآخر، "عز الدين" فنان بمعنى الكلمة ليس رساماً عادياً, فهو مبدعٌ لوحاته دائماً مبهرة ومدهشة كوميض يسرق نظر أي موجود, كما أن لوحاته توحي بحضور قوي لشخصيته, وجزء من حياته وأعماقه, أعتقد أنه ليس من السهل التعرف على لوحته خلال عدة دقائق والمرور بها سريعاً لأنها مخزون تجاربه السابقة ومعاناة 40عاماً».
كما التقينا الفنانة التشكيلية "غادة دهني": «الأستاذ "عز الدين" هو أستاذي وأستاذ لكل الفنانين, لأن أعماله الرائعة وتقنيته الغريبة الخاصة به, تترك أي إنسان يقف عاجزاً مدهشاً أمامها, فهو متخصص جداً بنوع الأعمال التي يقدمها من حيث أفكاره، ألوانه وكل تفاصيل عمله, كما تأخذني لوحته بعيداً فهي تحتاج إلى تدقيق عميق لفهم مضمونها وكشف القصة المخفية وراء ألوانه, ولا يسعني إلا أن أقول أنه فنان عظيم, وإنسان رقيق المشاعر دافئ، كذلك هي أعماله تشبهه بألوانه الهادئة وقصصه المحكية، فأتمنى أن ينال التقدير الذي يستحقه في مجتمعه».
أما في كتاب "عز الدين شموط ..حياته وفنه" الذي ألفه الناقد التشكيلي السوري "صلاح الدين محمد" فقد ذكر فيه: «لم ينقطع يوماً عن البحث والتجريب؛ وعمّق من معرفته وثقافته الفنية إلى أن وصل إلى مستويات متميزة من الاطلاع على تجارب التشكيل العالمي في عصوره المختلفة، وتفرد بين مواطنيه وزملائه السوريين فنانين وباحثين ونقاد وأساتذة بالتعمق في مجال تقنيات الحفر والتصوير وأعطى في المجالين حفريات ولوحات وكتب، ولم يقطع صلته بسورية أبداً رغم إقامته في فرنسا لعقود، تحلى بتواضع شديد ورؤية مثالية نحو الفن بل ربط بين الفن والفكر وعبر عن فلسفته الخاصة تجاه الفن متعاطفاً مع ما ينسجم مع مساره من نظريات في الفن أو مناهج في صناعة اللوحة».
وفي الصفحة الأخيرة للكتاب تحت بحث "اتجاهات فنه" قال الأستاذ "صلاح الدين محمد": «كما يتوضح اليوم في عطاء الفنان "عز الدين شموط" عبر مسيرة مازالت مستمرة بكل حيويتها وزخمها منذ أربعين عاماً؛ مسيرة أخذت بيد وأعطت بأخرى، وعمقت من الجانب المفاهيمي في فننا التشكيلي الذي كان غائباً، ودفع بتقنيات الحفر إلى مستويات عالية وقدم حلولاً تشكيلية جديدة بأي معيار وأي تقييم، وطور عدداً من الاتجاهات في وطنه بل أعطاها مفهوماً خاصاً مقنعاً من خلال إنتاجه وأضاف إلى المكتبة الفنية العربية كتباً نوعية وبذلك سدّ فراغاً مؤكداً».