كيف لا يكون الحرف العربي مصدر وحي فنانين تشكيليين عرب وغربيين بكل ما يحمله بين طياته من عبق الحضارة العربية واستمرارية هذا الحرف الأثري المعاصر المتداول، إضافة إلى لحن موسيقاه المتراقصة مع انحناءات خطوطه المكتظة بعاطفة الشرق وسحره.
موقع "eSyria" بتاريخ 25/10/2009 حضر افتتاح معرض الفنان التشكيلي "وليد الآغا" الذي قدم سيمفونية لوحات تشكيلية علاماتها الموسيقية ألف باءنا العربية، وعنها يقول: «الحرف بالنسبة لي كائن, لكن من الناحية الفنية أنا لا أعمل بحرفية الخطاط، أو الإنسان الباحث بالحرف العربي إن كان بتجريده أو بكتابته, بل أتعامل مع الحرف من حيث الجمالية ومن حيث الروحانية, فإذا عدنا إلى مجمل الباحثين الصوفيين نجد أنهم أوجدوا للحرف رؤية ومعاني لا نستطيع التعبير عنها بعمل أو بمعرض, لأنه بحث جمالي كبير ببعده الثقافي، الفكري والإنساني, هذا ما كان من ناحية الحرف العربي كحرف, أما عن علاقة الحرف العربي مع الأبجدية ومع الجوار فهو نوع من التمازج, وأنا لا أستطيع أن أنكر وجود هذا النوع من الأحرف والخطوط مثل حرف جبيل وحرف النطقي فوجودها مثل وجود الحرف العربي, هذا التمازج والحوار بينها هو الذي يجعلني أن أخلق عملاً بصرياً جمالياً ضمن تقنية تخدم هذه الرؤية».
إذا كنا مقلدين فنحن الأجدر والأكثر إقناعاً بالفعل ,نحن عملياً نتعامل مع حرفنا العربي بروحانية أكبر, وعلاقتنا به ليست علاقة غربة فهي علاقة حميمة, أما الغرب ينظرون للحرف من زاوية ضيقة جداً, لا يتعاملون معها بروحانية ,ولا يدخلون بشكله وبفراغه وبمعناه وفلسفته
يضيف "الآغا": «التحدث عن اللون شيء وعن الحرف شيء آخر, فاللون هو جزء من ثقافتنا البصرية التي عشناها, والممتدة من شمال إلى أقصى الجنوب في سورية المتمتعة بمناخ وجغرافية نحسد عليها إن كان من قبل الآخرين أو من قبل الفنانين, فألواني موروثة على صعيد الجغرافية من الشمس والخضرة, أما على صعيد المكان فمن كل بيت من بيوتنا السورية التي تحتوي أشياء تتعلق باللون وحرارته, الأمر الذي يشكل جزء مهماُ من تراثنا البصري، لكن يبقى لكل فنان تجربته الخاصة ورؤيته, فأنا من الفنانين الذين يعملون على التقنية بنغم, وهي جزء لا يتجزأ من عملي, كما أن التقنية ليست مجرد استعراض بالنسبة لي, فأنا ألجأ إليها لأؤكد الإحساس الذي أريد تقديمه من تراثنا الغني اللامحدود، أنا ابن هذا البلد, وبالتأكيد لست مضراً أن آتي بمفردات خارجية غربية لأستطيع القول أني موجود, فأنا محليتي من هنا».
يتابع "وليد الآغا" حديثه ملتفتاً إلى مقولة تزعم أننا العرب مقلدين للغرب بالحرف العربي فيقول: «إذا كنا مقلدين فنحن الأجدر والأكثر إقناعاً بالفعل ,نحن عملياً نتعامل مع حرفنا العربي بروحانية أكبر, وعلاقتنا به ليست علاقة غربة فهي علاقة حميمة, أما الغرب ينظرون للحرف من زاوية ضيقة جداً, لا يتعاملون معها بروحانية ,ولا يدخلون بشكله وبفراغه وبمعناه وفلسفته».
ومن زوار المعرض كان الفنان التشكيلي "عبد السلام عبد الله" وعن الحروفيات وتشكيل "الآغا" يقول: «أنا في كل شيء أقول كثرة الكلام لا يخلو من الكذب, إلا في الفن التشكيلي بالحروفية العربية يجب أن نكثر الكلام, والكلام ينطق على سطح اللوحة وليس في اللسان, حيث لسان الحال عند الفنان التشكيلي لوحته, ولسان الحال للفنان العربي اللوحة الحروفية, فهي تناهض مطاف الفن في العالم (التجريد), وقد قال "بيكاسو": (مهما عملت بالفن، ففني لا يضاهي حرف من الحروف العربية), وبالتأكيد اللوحة الحروفية تقدم بمستويات متباينة ومتفاوتة, أما الأخ "وليد الأغا" فهو ينطق بالحروفية ,يلعب باللون, يدمج روح القدم في التكنيك, كما أن الحس اللوني لديه حس تاريخي, فقد أجاد الثلاثي اللغوي التشكيلي في لوحته, لعبة اللون وهي الدلالة التاريخية, لعبة الحروفية أي نطق الفن العربي, ولعبة اللوحة كلوحة بصرية».
كما التقينا الفنان التشكيلي "محمد بجبوج" مدرس في قسم الحفر والطباعة بكلية الفنون الجميلة، وحدثنا: «الحروفية لغة، أدوات، مقومات وموسيقى مشتركة, فالأداء يعود لكل فنان كيف يتعامل مع الحرف ويوظفه, كيف يبني اللوحة من حيث التكوين والعلاقات الحروفية بين بعضها, إضافة إلى علاقة اللون باللون, بذلك يكون لكل فنان خصوصيته بما يقدمه، رغم الموجة الفنية السائدة في إدخال الحرف العربي ضمن العمل, بحيث تصبح اللوحة حروفية عربية بكل مفرداتها ومقاييسها, خالية من أي استعارة غربية إلا بعض التكنيك وطريقة إنجاز اللوحة, لكنها بالمجمل عمل شرقي عربي بحت بكل مفرداته, وهذه أحد أسباب جماليته».
أما الدكتور "سرور علواني" حدثنا عن علاقة المعطيات التشكيلية بالمكتسبات الإنسانية: «"وليد الآغا" هو خريج قسم "التصميم الزخرفي" ,الذي سمي فيما بعد بـ"الاتصالات البصرية", فهو بالتأكيد يتعامل مع الاتصالات البصرية على أنها التواصل مع الآخرين, أي تأثير الشكل واللون كمعادلة نفسية للإنسان, فهو فنان يمتلك خبرة ومهارة عالية, حتى مهنته الجديدة في مجال الطباعة كاحترافية أفادته في عمله, إضافة إلى استخدم المهارة التقنية في إنتاج عمله, فإنتاجه هذا متوقع وليس مفاجئ، بل أتوقع المزيد, فهو يمتعنا كل فترة بشيء جديد, وهذا ما ننتظره».
يتابع "علواني": «التشكيل بكل تأكيد يحمل معنى , باللون أو الشكل ومدى تأثيره على المتلقي, فنحن نعمل اللوحة للإنسان لننمي ذوقه الجمالي ,نؤثر فيه ببناء ثقافة بصرية معينة, تأثر حتى على سلوكه, فكما يقول أحد الفلاسفة (نعلم أولادنا الفيزياء والرياضيات ليعلموا أولادهم الأدب والفن), فهي قمة القيم, لنعلم الأجيال القادمة بالرقي والحضارة, فالفن التشكيلي ينمي سلوكنا بكل تأكيد، كما أن المشاهد المتلقي هو عبارة عن فنان أيضا يقدر قيمة العمل الفني ويعطي نتائج للأسلوب بقدر ما يستوعب العمل».