في مطلع التسعينيات أنجز المخرج "نجدت إسماعيل أنزور" مسلسله الأول في الدراما السورية "نهاية رجل شجاع" وأحدث من خلاله نقلة نوعية في الدراما السورية، حين أعلى شأن الصورة وقدم لغة بصرية مبهرة للعمل التلفزيوني، حيث تجاوز النص المكتوب ليرسم بالكاميرا النص بشكل جديد يتوافق مع طبيعة الحالة المرئية، لتتوالى أعماله التلفزيونية فيما بعد كالجوارح وسقف العالم ورجال الحسم التي سجلت في كل مرة نجاحاً في تاريخ الدراما السورية.
موقع"eSyria" وبتاريخ 13/11/2009 كان في حوار خاص مع المخرج "نجدت إسماعيل أنزور" في بيته ليأخذنا بدوره إلى طفولته وبدايته في عالم الإخراج، فقال: « تأثرت بوالدي المخرج "إسماعيل أنزور" كثيراً إلى درجة أصبح مثلي الأعلى في الحياة، فهو كان رائد من رواد السينما السورية وصاحب أول فيلم بعنوان "تحت سماء دمشق" الذي يشكل الآن أقدم وثيقة سينمائية كاملة في تاريخ السينما السورية، فقد تخرج من النمسا في فترة الثلاثينات وهذا بحد ذاته إنجاز كبير في ذلك الوقت، إضافة إلى إتقانه سبع لغات غير عربية، ودائماَ كان يتحدث في البيت حول تجربته في السينما وبالتالي لا بد أن تنعكس هذه التجارب على العائلة »
في كل عمل أحاول أن أقدم وجوها جديدة لأننا بحاجة إلى هذا التجديد، وحين نضع ممثل قليل الخبرة مع ممثل ذو خبرة نجد تعاونا مشتركا بينهما، وبالتالي ينعكس هذا التعاون على الأجيال ويفيد الممثل المخضرم والجديد
ويتابع "أنزور" بقوله: « ومن جهة ثانية كنت أعشق السينما وأرتادها كل يوم، وبعد فترة وجيزة حاولت عرض أفلام بكاميرا فوتوغرافية من خلال جمع الصور لخلق قصة ما أو فكرة ما، إلا أن الأمر قد تطور معي فقدمت أول فيلم عام 1972، وكان عبارة عن إعلان لمنتج "هامول" وتم عرضه على شاشة التلفزيون السوري، وتلك كانت أول تجربة احتراف بالنسبة لي، وبعد هذه المرحلة سافرت إلى "الأردن" لتقديم العديد من الأفلام القصيرة والوثائقية والإعلانات والفيديو كليبيات، وخلال هذه الفترة عملت أول فيلم تلفزيوني بعنوان "نزهة على الرمال" ونلت على أثرها جائزة مهرجان "بغداد" العالمي».
وحول أعمال "أنزور" الأولى التي شكلت مرحلة تأسيسية ونقلة نوعية في الدراما السورية، يقول: « عدت إلى سورية بناء على رغبة من شركة إنتاج "الشام الدولية" والأستاذ "حسن م يوسف" والفنان "أيمن زيدان" فكانوا يطمحون إلى طرح رؤية جديدة عما هو سائد في تلك الفترة، بذلك قدمنا عملا تعاونيا بعنوان "نهاية رجل شجاع"
وكان علامة فارقة في الدراما السورية أثناء معاناتها من بعض الإشكاليات التي كانت تنحصر بالقالب التقليدي الكلاسيكي، كما أن مسلسل "نهاية رجل شجاع" حسب قول الكاتب "حنا مينا" غيّر مجرى الدراما السورية وأحدث رؤية جديدة في اللغة البصرية الفنية على صعيد الدراما».
كل من يتابع أعمال "أنزور" يدرك للوهلة الأولى مدى انشغاله بالجانب التقني والصورة البصرية، وعن هذا الأسلوب، يؤكد: « اللغة البصرية مطلوبة في العمل الفني، وكنت أطالب فيها منذ سنوات عديدة إلا أن الآخرين أصروا على اللغة المنطوقة، والآن أٌثبت أن الصورة هي لغة العالم والمستقبل، لذا علينا أن نتشبث بهذه اللغة ونقدمها بنوع من الرقي، فمساحة التلفزيون التي نعمل عليها صغيرة جداً، لأن العمل التلفزيوني في الأساس يعتمد على الحوار، وعلى الرغم من ذلك أحاول أن أجد بعض المنافذ كي أتمكن من التسلل لتقديم هذه الرؤية، فكلما كانت مساحة الجهد البصري أكثر كلما كان العمل يقدم أبعادا جديدة ومساحة تحترم عقل وعين المشاهد، وهذا الهدف الذي أسعى إليه».
لـ "أنزور" رؤية بناءة حول اختياره كادر العمل والذي يتميز بوجود تناغم وخلطة بين الفنانين من بلاد عربية، فيقول: « يجب علينا أن نعترف أن الدراما السورية تعمل على تكرار الوجوه في الوقت الذي نحتاج فيه إلى عدم تكريس هذه الظاهرة، وعندما نقوم بعمل ثلاث أجزاء من مسلسل معين فالجزء الرابع يبدأ بتكريس نفس النمطية الفنية على الرغم من وجود هذا الكم الكبير من الممثلين، وبالتالي الأعمال السورية تنحدر إلى هاوية التكريس بمعنى تكرار الوجوه وتنسيخيها في مسلسلات ذات نوعية معينة، وبذلك نقع في التشابه على مستوى التمثيل والشكل وأماكن التصوير وهذا أمر سلبي ويضر بالدراما السورية، وفي الوقت الذي يكون هناك وجوه غير سورية في أعمال محلية فهذا يساعد الدراما السورية على الخروج من رتابتها وشكلها المكرر».
ويتابع "أنزور" : « في كل عمل أحاول أن أقدم وجوها جديدة لأننا بحاجة إلى هذا التجديد، وحين نضع ممثل قليل الخبرة مع ممثل ذو خبرة نجد تعاونا مشتركا بينهما، وبالتالي ينعكس هذا التعاون على الأجيال ويفيد الممثل المخضرم والجديد».
وعن فيلم "سنوات العذاب" الذي لم يكتمل مع أنه كان يوحي بمنعطف عالمي في تاريخ السينما العربية، يقول :
« جاءتني فرصة لتقديم فيلم عالمي بناء على طلب الرئيس الليبي "معمر القذافي"بعنوان "سنوات العذاب" حيث كرست جهداً كبيراً لمدة ثلاث سنوات لتنفيذ الفيلم، وباشرنا في تصوير جزء منه بعدما أنهينا التحضيرات اللازمة والسيناريو، ولكننا لم نكمل تصويره لأسباب عديدة لم تنته بعد، ولكن هناك بصيص أمل كي يكتمل ، وأعتقد أن هذا الفيلم سيغير مجرى السينما العربية باتجاه منحى ورؤية جديدة».
وعن مشروع المقاومة الذي تبناه "أنزور"، فقد توج بعرض أول فيلم تلفزيوني بعنوان " أهل الوفا" في مهرجان دمشق السينمائي الدولي، يضيف "أنزور" في هذا الصدد: « علينا أن نفتح باب المقاومة ونقدم أقلاما في هذا المنظور، وبناء عليه قدمت الفيلم التلفزيوني بعنوان "أهل الوفا" الذي عرض ضمن فعاليات الدورة السابعة عشر من مهرجان دمشق السينمائي الدولي، حيث يتناول الفيلم عملية "الشهيد الحي" التي نفذتها المقاومة اللبنانية عام 1994، فكانت تجربة فريدة من نوعها، وهو فيلم تلفزيوني وليس سينمائي، ولكنه منفذ بحس خاص والجميع كانوا متعاونين معنا ووفروا لنا الإمكانيات اللازمة ضمن حدود العمل التلفزيوني، و قد تمنى الناس لو أن العمل نفذ كفيلم سينمائي لأخذ فرص عرض أكبر».
أما كيف يرى المخرج "أنزور" واقع الدراما في "سورية" والطريقة التي تسلكها في الفترة الحالية، يقول: « واقع الدراما السورية في وضع جيد، ولكن هناك ضغوطات عليها والسيد الرئيس الدكتور "بشار الأسد" تحدث في خطابه منذ أيام عن حصار الدراما السورية هذا من جهة، ومن جهة ثانية هناك حصار يتعلق بالمصالح الفردية الضيقة، وبالنهاية الدراما السورية هي واقع مفروض وصناعة موجودة ونجد في كل سنة تطور وتقدم إلى الأمام، على الرغم من وجود شروط إنتاجية صعبة فرضت علينا، إلا أننا أثبتنا أنفسنا بجدارة في خريطة الدراما العربية بقوة».
وفي نهاية لقائنا سألناه عن مشاريعه المستقبلية، فأجاب: « حالياً أعمل على عمل اجتماعي بعنوان "ما ملكت إيمانكم" من تأليف الدكتورة "هالة دياب"، وهو يتحدث عن التطرف الديني والتطرف اللاأخلاقي على حساب الطبقة الوسطى التي بدأت تضيق عليها مساحة العيش، فلا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ما لم تكن الطبقة الوسطى مسيطرة على مجريات الواقع المعيشي، والتي تحتاج منا إلى إعادة النظر بتنظيم حياتنا وبناء الثقة بين المواطن والمسؤول».