أشكال تعبّر عن الحالة الإنسانية بأبعادها ودلالتها، ولمسةٌ خفية تجسد روح المرأة وكبرياء الأم صانعة التاريخ، الماضية جنباً إلى جنبٍ في مسيرة المقاومة، الحامل الأسمى لمعنى الحنان والعطف والمشاعر الجيّاشة، والقادرة على تخطي الصعاب رغم ما كابدته من قهرٍ وحرمان منذ أن وجدت الخليقة في "حواء الأم"، إلى رمز الخصب والنضال، من "عشتار"، و"كيلوبترا" و"زنوبيا" إلى ما تحمله المرأة العربية في تاريخنا المعاصر من معاني البطولة.
البرونز هو المادة الوحيدة التي عبّرت بها الفنانة التشكيلية "عروبة ديب" عن المعاني السامية في معرضها الذي يقام في الفترة مابين 6ـ25/11/2009 والذي امتاز بروعة أشكاله النحتية وتنوعها، واللمسة الجمالية الأنثوية الواضحة في تصوير الحالات والمواقف في صراعها الدائم في معركة الحياة، والذي حمل عنوان "تحيةٌ للقدس عاصمة أبدية للثقافة"، ففي لقائها موقع edamascus تحدثت الفنانة "عروبة ديب" عن تنظيمها للمعرض فقالت «إن المرأة بكافة تعبيراتها وأفعالها تعبر عن حالةٍ وجدانية نضالية، والنحت من أسمى الرسالات التي تقوم بنقل الجانب التعبيري والوجداني عبر مجسمات شكليةٍ تختلف زمانياً ومكانياً كما يظهر، وتختلف بأبعادها التي تستند إلى دلالاتٍ تضمنتها كل شخصية في مواقف شتى، لكنها بالنهاية صوراً لشخص واحد هو "عروبة ديب" الزوجة، والمرأة، والفنانة، وابنة الشارع في معاصرة أحداثه، امتزجت في تركيبته أحاسيس وخرجت أشكالاً برونزية، وصحيح أن البرونز من المعادن الصلبة لكني عملت على تطويعه لخدمة قضية فالثورة والنضال تعني القسوة - هذا من ناحية - ومن الناحية الأخرى فالفن يقتضي التعبير بكافة الوسائل للحصول على استجابة».
يختزن كل عملٍ معانٍ عديدة متناقضة، حتى في حالات الحب تجد نوعاً من الأسى الذي يعتري الوجه، كما أن التصوير المختلف للوجوه أو لطول الذراعين وحجم الرقبة قد يحمل ألغازاً تستطيع الفنانة تفسيرها كما تريد في حين يختلف تفسيرها للناظر، هذه التقنية عودتنا عليها "عروبة" في معارضها بتعدد اللمسات الجمالية في كل شكل
وعن الأعمال التي ضمها المعرض قالت "عروبة": «يحوي المعرض أعمالاً منذ بداية مسيرتي الفنية قبل عشرين عاماً تتضمن المرأة بكل أحاسيسها وانفعالاتها، وتجسيداً للجسد وقيمه الجمالية والحسية، وتصويراً لمواقف مررت بها فتجسيد الأنثى وهي تنظر إلى مرآتها وتتكلم مع نفسها، أو المرأة العازفة، والمرأة التي تغوص في عمق ذاتها تبحث عن الحقيقة، والأم بكل حنانها وما تهبه من عطفٍ وحنانٍ إلى طفلها أو شريك دربها وحبيبها، ويتضمن أعمالاً تتحدث عن مواقف الكبت والحزن والقلق والألم، فالفنان يطرح ما تكون عليه حالته النفسية ».
"العائدون من الحرب"، و"رجالٌ من رماد"، و"النائمة"، و"لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم" كلها أعمالٌ تحمل في طياتها معانٍ مختلفة، وأحاسيس تحدثت عنها الفنانة فقالت: « في عمل
"النائمة" نجد أن النوم قد يحمل قيمة الطمأنينة والراحة الجسدية لكن القلق المجسد من خلال حركة اليدين أو انطواء الرجلين قد يحمل في طياته معاني الخوف والبرد والقلق، أما "العائدون من الحرب" فهو عملٌ يصور النصر في "حرب تموز" التي منحتنا القوة والأمل من جديد على طريق تحرير الأرض، وكذلك "رجال من رماد" الذي يصور أحداث "غزة" والمواطن الفلسطيني الذي يحترق، لكن في نهاية المطاف تنتصر إرادة الخير وقوته على الظلم والطغيان، فهو العمل الذي تمتزج فيه الحرية بالثمن الغالي الذي نبذله لقاءها، أما العمل المتضمن المرأة في حالاتها الصماء والبكماء والعمياء، فهي لم تخلق كذلك ولكن ظلم المجتمع لها قد أجبرها على وضع يدها على فمها أو عينها أو أذنها لتعيش الحدث ولا تستطيع أن تعبر بالملكات التي وهبها إياها الخالق».
ولعل ما أسر الأنظار في هذه الرموز التعبيرية هو "لوحة الوجوه" التي وصفتها "ديب" فقالت: «أحببت تجسيد هذه الوجوه بالطريقة البارزة التي تظهر مقدمة الوجه عبر صيغةٍ تعبيرية، لتمثل الوجه البشري في كل حالاته من الضحك والبكاء، والحزن والفرح، والراحة والمعاناة والكبت، وهذا ما اكتسبته من كبار الأساتذة أمثال "أكثم عبد الحميد" و"ربيع الأخرس" الذين تميزا بتناول تفاصيل الجسم الإنساني، لكنني اتخذت المنحة الذي يخصني كاسمٍ فني من خلال الجانب التعبيري».
الفنان والباحث التشكيلي "ابراهيم عوّاد" قال: «يحمل المعرض بأعماله صغيرة الحجم جهداً خلاقاً ذا رؤيةٍ معاصرةٍ للفنانة، تقوم الأعمال على الجانب التصويري النحتي المعتمد على لقطات لا تختلف من حيث المضمون لكنها تختلف من حيث الرصد والشكل، وتحوي بعض اللقطات المثيرة كالوجوه لكن غالبية العمل تداول عام لمشاعر أنثوية مرهفة لكتلة موجودة تصويرية لذات الشخصيات في أماكن مختلفة، ذات جهد تقني في التحضير والإنتاج، ورغم أنني لا أعرف شخصية الفنانة "عروبة" إلا أنها أوجدت فسحة من العمل وكم هائل، وهذا يحسب لها، كما استعرضت مهاراتها في التشكيل المكاني، وهذا ما يحسب لهذه الفنانة، فالنحت يختلف عن غيره من الفنون في توفير جو وورشة مستقلة للعمل».
أما الفنان "عادل كامل" فقال: «يختزن كل عملٍ معانٍ عديدة متناقضة، حتى في حالات الحب تجد نوعاً من الأسى الذي يعتري الوجه، كما أن التصوير المختلف للوجوه أو لطول الذراعين وحجم الرقبة قد يحمل ألغازاً تستطيع الفنانة تفسيرها كما تريد في حين يختلف تفسيرها للناظر، هذه التقنية عودتنا عليها "عروبة" في معارضها بتعدد اللمسات الجمالية في كل شكل».
وبالإشارة إلى مسيرة الفنانة "عروبة ديب" فهي خريجة معهد "أدهم إسماعيل" عام1989، والمعهد المتوسط للفنون التطبيقيةـ "قلعة دمشق" عام 1991، وشاركت بعدة معارض منذ عام 1998 في سورية، والكويت، و"مونتريال" بكندا، و"واشنطن" في الولايات المتحدة الأمريكية، شاركت في مزاد "من أجل غزة"، ومنتدى "المرأة والتنمية العربي"، وتشارك منذ عام 1991 في نشاطات وزارة الثقافة