إنه اليوم الحادي عشر من "ملتقى دمشق الدولي للنحت" الذي بدأ فعالياته على أرض مدينة المعارض القديمة في 26/11/2009، بمشاركةٍ مميـّزة من نحاتين سوريين وعالميين، ورغم ظروف الطقس المتقلبّة فإن العمل لا ينقطع في موقع الملتقى منذ ساعات الصباح الباكر، وصولاً إلى ساعات المساء الأولى.
النحاتـّون يسابقون الزمن ويعملون بنشاطٍ دؤوب، ليهدوا "دمشق" منحوتاتٍ استمدّت موضوعاتها من سحر أقدم عاصمةٍ مأهولةٍ في التاريخ.
"دمشق" أفضل حالاً من الكثير من المدن على مستوى الحركة الفنية، والحراك الثقافي عموماً لكننا نحتاج إلى المزيد من التنشيط والتشجيع
وبعد غيابٍ دام ثمانية وعشرين عاماً عن الساحة الفنّية في سورية يشارك النحات السوري العالمي "بطرس الرمحين" في الملتقى بحوارٍ من نوعٍ خاص مع الحجر التدمري، بعد أن استولى عليه سحر الرخام في مدينة "كرّارا" الإيطالية، ليكون "ملتقى دمشق الدولي للنحت" مساحته الحوارية الجديدة مع الحجر، في المدينة التي تفتّح فيها وعيه الأول بفن النحت.
موقع eSyria التقى "بطرس الرمحين" بتاريخ 6/12/2009، وعدنا معه إلى البدايات الفنيّة الأولى في "دمشق" وعن ذلك قال: «بدأت بالنحت على الخشب منذ كان عمري أربعة عشر عاماً، وتطورت أعمالي وخبرتي دون أي مساعدة أو تأهيل أكاديمي، ثم أصبح لدي العديد من النشاطات كإقامة المعارض الفردية، والاشتراك في المعارض الجماعية والملتقيات، وفي العام 1978 سافرت إلى فرنسا مع أخي "لطفي" للاشتراك في معرض بصالة "اليونسكو" بمدينة "باريس"، وفي "المركز الثقافي السوري بباريس"، كما أقمنا عدداً من المعارض في إيطاليا، بينما كانت عيننا على مــديـنة "كرَارا"، وقررنا الاستقرار في هذه المدينة الحلم لكل نحات».
ميلاده في مدينة "القريـّا" بمحافظة "السويداء" سنة 1949م، وإقامته مع الأهل في مدينة "دمشق" بحي "باب توما" الأثري الذي أمضى فيه سنوات الطفولة والشباب، وزياراته المستمرة إلى مدينته الأم التي يستولي عليها سحر الحجر البازلتي الأسود، كل تلك العوامل ساهمت في تشكيل الذاكرة البصرية للنحات "بطرس الرمحين" الذي حدّثنا عن تلك التأثيرات في وعيه الفني قائلاً: «لطالما استهوتني الأشكال التشخيصية والمجسمات التي وقع عليها بصري في "دمشق"، وكنت أراها بعيون الطفولة أعاجيب قادمة من عالمٍ آخر، ومروري المتكرر من أمام حديقة "متحف دمشق الوطني" التي تنتصب فيها المنحوتات الأثرية الساحرة، وتمر من أمامها الحافلات التي تقلـّنا إلى "باب توما"، كان من أكبر دوافعي للمعرفة عن فن النحت، حيث قررت من ذلك الوقت أن أعيش هذا العالم وأحسّه، فبدأت مع الخشب، وعندما أصبحت تجربتي أكثر نضجاً نفـّذت عدة منحوناتٍ على خاماتٍ مختلفة، ومنها حجر البازلت الذي تمتاز به مدينتي الأم "القريـّا"، هذا الحجر الذي يكتسب سحراً خاصاً في التشكيل، ويمنح المنحوتات الديمومة والعمر المديد».
وعندما قرّر "الرمحين" الاستقرار في مدينة "كرّارا" في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، لم يشأ أن يكون وجوده في تلك المدينة عابراً: «من المعروف أن "كرّارا" مدينة الحجر الرخامي الإيطالي، وعاصمة النحاتين في العالم، وعندما تحقق حلمي بالحياة في هذه المدينة فكّرت بتأسيس مكان دائم مختلف تماماً عن وجود الآخرين كنحاتين هناك، لكونهم يأتون إلى "كرَارا" مستضافين من فنانين آخرين، أو مشاغل للنحت، فأسست مكاناً خاصاً بي ليكون مشغلي الخاص، ثم أصبح مؤسسة تستقبل النحاتين من جميع أنحاء العالم، ومركزاً لتعليم النحت هو الوحيد من نوعه في كل إيطاليا».
وبحسب "بطرس الرمحين" استطاعت مؤسسته التعليمية لفن النحت؛ "آركو آرتي" إثبات وجودها في "كرّارا" خلال السنوات الماضية عبر استضافة العديد من النحاتين العالميين، كما كان لها مساهمات في استقطاب عددٍ منهم لزيارة سورية، والمشاركة في ملتقياتها النحتية، ومنها "ملتقى دمشق الدولي للنحت"، حيث شارك فيه معظم النحاتين عبر هذه المؤسسة، وعن الانطباعات التي لمسها من المشاركين الأجانب قال: «ساهم هذا الملتقى في تغيير رأي الفنّانين المشاركين عن سورية، خاصة بعد زيارتهم لمدينة "تدمر"، أقول ذلك لأن مؤسستي في "كرَارا" استضافتهم جميعاً، وأنا على معرفة جيـّدةٍ بهم».
وأكدّ أهمية هذا النوع من الملتقيات قائلاً: «لدينا نقص تاريخي لتزيين مدننا بالمنحوتات على وجه الخصوص، هذه الملتقيات تفيد في تلبية حاجة "دمشق" إلى المزيد منها، كما تفيد في الاكتشاف ومعرفة المزيد عن التاريخ والحضارات، على الأقل تفيد هذه الملتقيات في تزويد الأجيال القادمة بالمنحوتات التي ستأخذ دورها تدريجياً في تثقيفهم بصرياً».
وختم بالقول: «"دمشق" أفضل حالاً من الكثير من المدن على مستوى الحركة الفنية، والحراك الثقافي عموماً لكننا نحتاج إلى المزيد من التنشيط والتشجيع».
معظم موضوعات "بطرس الرمحين" النحتيـّة تعبيرية تخلط بين التشخيص والتجريد، واختار لهذا الملتقى موضوعاً حوارياً بين شكلين، وعلّق على ذلك قائلاً: «الحوار كلمة بسيطة لكنها غنيّة بالدلالات، حواري اليوم هو عبارة عن التقاء بين شكلين، وأعتقد أن الحوار هو طريقنا الأفضل للوصول إلى نتائج إيجابية باعتبارنا نعيش في زمن التيه، ونأمل في نهاية المطاف بالوصول إلى اتفاق».