تؤكد الفنانة التشكيلية السورية "إلهام سليم" لموقع eSyria أن الفن رسالة عظيمة يُعلي من قيم الحرية والجمال والانحياز لقضايا الناس وهمومهم، وأن الفنان هو من يحمل مسؤولية الفن ويعيش لأجلها… وترى أن اللوحة هي فكرخلاق يعزز من قيم الجمال والروابط الإنسانية في المجتمع.
تعدّ الفنانة "سليم" من رائدات الفن التشكيلي السوري وتعرف بموضوعاتها التي استحضرت المرأة تاريخاً بتمردها وعنفوانها ومأساتها…
أحاطت التعبيرات الرومانسية موضوعات الفنانة "إلهام سليم" وتقاطعت بأطيافها الحالمة مع تداعيات البوح المسكون بالحنين والذكريات… وشكل ذلك مدخلاً للكشف عن أطراف العلاقة المزدوجة ببعدها البصري بين المرأة والزهرة والحلم والتفتح وتبادل الأدوار بينهما، فأحاطت عبر هذه العوالم أعمالها بالدفء و الحيوية
موقع e Damascus التقى الفنانة "إلهام سليم" بتاريخ 24/11/2009 في صالة "السيد ـ دمشق" وكان الحوار التالي:
** كان الفن الهاجس الإنساني عندي منذ نشأتي الأولى في "دمشق" ، وكنت أعتبر طفولتي في منطقة "السلمية ـ حماه" التي تشكل حداً فاصلاً بين المدينة والبادية رحماً لتشكيل وعيي الفني معتمدة على خبرات جديدة للعلاقة بين المرئيات دخولاً إلى مخزون الذاكرة وتفاعلها مع الواقع، ولا أخفي أن هذه المنطقة تربطني فيها ذكريات مختلفة بدءاً بالمكان إلى الطبيعة إلى الأجواء الرائعة وانتهاءً بالتاريخ.
أما طبيعتي الرومانسية فجعلتني منذ الطفولة أعشق الألوان وانتبه إلى جمال الطبيعة في بلدتي الجميلة، فقد انتقلت إلى "دمشق" طفلة لم أتجاوز الثماني سنوات فعشقتها وعشقت غوطتها الساحرة "الربوة" و "قاسيون" في الوقت الذي كانت فيه هذه الأماكن لم تصل إليها يد إنسان بالأذى والتغيير.
** يمكن حصر تجربتي في عدة مراحل لا تخلو من مغامرة الخوض بأساليب مختلفة تتصل بمزاج لا يستقر على أسلوب أو موضوع معين، فكنت دائمة البحث عن الإحساس بالاختلاف بأسلوب انتقالي من حالة إلى أخرى تكون مرتبطة بالمشاعر ورغبة المغامرة.
مرحلتي الأولى: محاكاة للطبيعة بالألوان المائية التي دلت على حساسية عالية تجاه الألوان الناعمة المنسابة بحرية وتلقائية في رسم الزهور والتواصل مع الطبيعة في تناغم جميل، وخاصة أنني أجلس يومياً في حديقة منزلي المترامية حيث ترى الزهور أينما اتجهت بنظرك "الياسمين الدمشقي" ذو الرائحة العبقة الفريدة والجوري الذي يزين المكان بألوان مبهجة للنفس، فأشحن بطاقة خلاّقة تدفعني إلى استلهام هذه الصور لبناء علاقات لونية مع ما يعتريني من مشاعر فتنساب ريشتي حرّة مطواعة متناغمة مع الموسيقى التي أسمعها مشكلة ولادة لعمل فني هو جزء من ذاتي .
مرحلتي الثانية تتجلى بتعاملي مع الألوان بكثافة على المادة البيضاء باستعمال الإكريليك والألوان الزيتية بواسطة السكين لرسم الطبيعة بكل ما فيها من عناصر، وذلك أوصلني إلى مرحلة التعامل مع جسد المرأة بواقعية أحياناً ورمزية تعبيرية أحياناً أخرى مستمدة هذه الصور من ذاكرة الطفولة وجماليات الأمكنة… واللون يمثل الدلالة الأبرز لرسم تفاصيل المكان وملامح الإنسان أو المرأة بالتحديد.
وتعبيراً عن معاناة المرأة داخل المجتمع العربي أقوم بضربات السكين الحادة والمتوترة التي تحاول حفر سطح اللوحة لتبدو الصور مهزوزة ممزقة حتى لا تميزها عن حيز المكان الذي تتوضع فيه، والمرأة أستوحيها من عالم سحيق القدم على الأرض السورية زمن الفينيقيين والآشوريين حتى زمننا الحالي، وأرسمها متجذرة بالأرض لحاجات رمزية تتصل بذاكرة الطبيعة والأرض التي تتشابه في سماتها وصفاتها بالعطاء والخصب عموماً، وفي لوحتي أرسم بتلقائية مبسطة وتبقى المرأة حاضرة بعنفوانها وجماليتها سواءً بشكلها الواضح أو برمزيتها، وتلتمس ذلك من الخطوط والألوان الصريحة والمباشرة.
** أرى الفن رسالة عظيمة والفنان هو من يحمل فكرة الفن ويعيش من أجلها لأنها لا تقل أبداً عن أية أفكار خلاقة في جميع المجالات الحيوية فهي تعلي من قيم الحرية والجمال والانحياز لقضايا الناس وهمومهم، وفي تأملي للحياة والإنسان تعزز لدي الوعي والإيمان بالوظيفة التي يضطلع فيها الفن والفنانون تجاه الواقع المعاش فكان علي كفنانة أن أواجه الثقافة السائدة التي شوهت عقل الإنسان العادي ووجدانه وذاكرته وذائقته الجمالية من خلال النظر إلى الفن كعمل ليس له شأن وهذا خطأ، أنا أرى اللوحة قيمة جمالية بحد ذاتها وأقدّر دائماً قيمة الفن في حياتنا وأرفض تسطيح قضايا الثقافة والفن لأهميتهما الكبرى في اغناء مشاعرنا وأحاسيسنا لنشر الوعي الجمالي للطبيعة والإنسان.
** أنا لا أرى في الحالة الثقافية إغفالا للقيم الجمالية والإنسانية في مفردات اللوحة وفق تساؤلات مني: فهل عكست اللوحة موقف الفنان من الواقع الذي يعاني أزمة على صعيد الوجود والوجدان وفق اختزال حلول تتفق مع تحولات المجتمع وقيمه الجمالية؟
هل عززت اللوحة قيم الجمال في المجتمع من خلال الخطوط الموحية المتنوعة في الشكل واللون والأسلوب؟
هل بدت اللوحة بؤرة للصراع والجدل الذي يحكم علاقة الإنسان بمحيطه وواقعه المعاش من خلال الاستخدام الأمثل للألوان الباردة والحارة التي تحمل في طياتها شخصية تعبيرية كبيرة تختصر ألام الإنسان؟ فالفن حقاً ليس صورة مباشرة للواقع، وإنما رمزاً للتعبير عن شيء ما في حياة الإنسان.
** درست الفن في فرنسا وعشت فيها ثلاث سنوات حضرت خلالها معارض كثيرة وزرت العديد من المتاحف الهامة مثل متحف "اللوفر" وعبر ترددي إليه رأيت أغلب ما فيه من لوحات قيمة تمثل تاريخ الحركة الفنية منذ قرون عدّة مرّت على فرنسا، كما تمتعت برؤية لوحات لفناني تلك الفترة، أمثال: "رينوار" و"دييجا" و"بول سيزان" و"تولوز لوترك" و"غوغان" وغيرهم من الفنانين الذين أتوا إلى عاصمة الفن باريس من جميع أنحاء أوربا…
ثم أتيحت لي الفرصة لزيارة اسبانيا والتجول في متاحفها الطبيعية في "غرناطة" و"قرطبة" و"طليطلة"، وزيارة معالمها التاريخية التي تحكي تاريخ العرب العظيم في اسبانيا، ومن ثم زيارة متحف "لابرادو" في مدريد الذي يحكي تاريخ اسبانيا الفني والتاريخي، وكان لي حظ كبير في رؤية أعمال الفنانين العظماء، أمثال: "بيكاسو" و"سلفادور دالي" و"غويا" وغيرهم، ولدى عودتي من فرنسا تابعت الدراسة في مركز "أدهم إسماعيل" وكان له أثر ايجابي في دخولي عالم الفن والفنانين في "دمشق" واكتساب خبرات لا بأس بها لما لهذا المركز من سمعة جيدة في صقل مواهب الفنانين وتأهيلهم ليخوضوا جميع أساليب الفنون المتواجدة.
** أقمت العديد من المعارض الفردية داخل سورية وخارجها ولي مشاركات جماعية في معارض كثيرة، وآخر معارضي الفردية المعرض الذي أقمته في حدائق "الحسين الملكية" في "عمان" بالتنسيق مع الدائرة الثقافية في أمانة "عمان" الكبرى ..
كتب الدكتور "حيدر يازجي" نقيب الفنانين التشكيليين في سورية تعريفاً بأعمال الفنانة قال فيه: «تنقلك أعمال الفنانة "الهام سليم" إلى عالمها الخاص عالم الحس المرهف واللون الشفيف المتناغم، والضوء الذي ينساب تارة فوق أزهار جميلة متناثرة وتارة على شكل جسد إمرأة في أوضاعها المختلفة، وتارة في عوالم رمزية تنقلك إلى سحر اللون ومتعة البصر وتدعوك للتأمل أحياناً أخرى والبحث عن الأسرار التي تغرفها من مخزون عالمها الداخلي ممزوجة بالمشاعر الإنسانية الدافئة، التي تؤلف مع ألوانها الشاعرية سيمفونية فنية تميزت بها في لوحاتها».
وكتبت صحيفة "الغد" الأردنية عن تجربة الفنانة: «أحاطت التعبيرات الرومانسية موضوعات الفنانة "إلهام سليم" وتقاطعت بأطيافها الحالمة مع تداعيات البوح المسكون بالحنين والذكريات… وشكل ذلك مدخلاً للكشف عن أطراف العلاقة المزدوجة ببعدها البصري بين المرأة والزهرة والحلم والتفتح وتبادل الأدوار بينهما، فأحاطت عبر هذه العوالم أعمالها بالدفء و الحيوية».