يعتمد الفنان التشكيلي "ميسر صابوني" على تقنية فريدة من نوعها في عالم التشكيل، حيث إنه لا يعتمد على الألوان مثلاً ولا يستخدم الريشة إلا ما ندر، كما أنه قليلاً ما يحدد معالم لوحته قبل أن يبدأ بتشكيل خطوطها وتكويناتها المختلفة بل يعتمد بشكل أساسي على حصا البحر والأحجار الكريمة بألوانها المختلفة، يرصفها إلى جانب بعضها بعضاً ليخرج بعدها بلوحة مكتملة العناصر الفنية.
لم يدرس "صابوني" الفن، لكنه كما قال لموقع eSyria أحب الفن منذ نعومة أظفاره حيث شارك بعدة معارض مدرسية وكانت لوحاته تنال الإعجاب والجوائز، وعند ذهابه إلى البحر أثارت انتباهه الأحجار وألوان الحصا على الشاطئ وبدأ بتشكيلها على الرمال على شكل لوحة، وحينها ولدت لديه فكرته الفريدة عن عالم الرسم بالحصا.
ما الفائدة من استخدام تقنيات جديدة في الرسم على مواضيع قديمة؟
قال "صابوني": «هذا ما جعل لوحاتي المعروضة في ثقافي كفرسوسة مستوحاة بالكامل من الطبيعة، لأنني بمكونات الطبيعة من حصا وأحجار كريمة ملونة أرسم ملامح للطبيعة سواء بعض الزخرفات النباتية أو الحيوانية أو حتى حارات "دمشق القديمة" ومعالمها الأثرية كالجامع الأموي مثلاً، إضافة إلى بعض اللوحات التي لا تغادر وجداني كقبة الصخرة على سبيل المثال».
وأضاف الراسم بالحصى الملونة: «هذه التقنية بحاجة إلى صبر وتأنٍ وخبرة طويلة، إلى جانب الرؤيا الفنية الصحيحة والمقدرة الكبيرة على التعبير عن المناخات اللونية باستخدام أحجار لها أحجام مختلفة وألوان متباينة، لكنها في النهاية موجودة على وجه اللوحة بجانب بعضها بعضاً مشكلةً تكوينات لونية وتشكيلات جمالية حقيقية».
عمل "صابوني" على هذه التقنية منذ عشر سنوات تقريباً، واعتمد بدايةً على أحجار البحر بشكل خاص وذلك لغناها اللوني، لكنه ومع مرور الزمن باتت لديه حاجة لإدخال أحجار أخرى بألوان مختلفة، فكان العقيق والفيروز كحجرين كريمين يلبيان حاجته إلى ألوان جديدة لها خصوصيتها بالنسبة للتشكيل العربي.
وعن كيفية اختياره لحجارة البحر قال "صابوني": «هذه العملية تتطلب وقتاً وجهداً كبيرين ولاسيما أن هناك الآلاف من الأحجار على الشاطئ، لكن نتيجة خبرتي بتّ أستطيع انتقاء ما يلائمني منها، لأقوم بعد ذلك بتنظيف تلك الحصا وتخليصها من الشوائب إلى أن تصبح قادرة على أن تكون جديرة بالدخول ضمن عمل فني».
ولفت هذا الفنان إلى أن كل لوحة تحتاج لاكتمال عناصرها الفنية ولتكون قابلة للعرض ما بين عشرين يوماً وحتى ثلاثة أشهر، وذلك يعود إلى حجم اللوحة أولاً وإلى كثافة موضوعها بالمكونات التشكيلية وإلى الرغبة في تكثيف الدلالات اللونية للوحة.
وهناك من رأى في هذه اللوحات سياقاً فنياً لم يختبره من قبل، في حين وجد البعض الآخر أن هذا المعرض يقع ضمن حداثة فنية لا تغني ولا تفيد، فالناقد الفني "ممدوح الداغستاني" وجد أن البحث عن موارد جديدة لمكونات اللوحة شيء جميل، لافتاً إلى أن المواضيع استهلكت تشكيلياً وبات الموضوع التقني هو الذي يشغل بال الفنان حالياً.
بينما أخذ رأياً معارضاً لذلك "محمد قتابة" المتابع لمعارض التشكيل الفني بدمشق حيث قال: «ما الفائدة من استخدام تقنيات جديدة في الرسم على مواضيع قديمة؟». مبيناً أن هذه اللوحات لا تنتمي إلى حركة الفن التشكيلي عموماً لأنها لم تأت بجديد على صعيد الموضوعات، وإنما اكتفت بأن تصب اهتمامها على الشكل كوسيلة جاذبة لجمهور صالات الفن التشكيلي في سورية.
من جانب آخر رأت "سهام قبلاوي" آنسة الفنون في مدرسة "منصور منصور" أن أكثر ما لفت نظرها هي التكوينات الجمالية التي استطاع الفنان تحقيقها بمكونات الطبيعة وقالت: «أسعى مع طلابي لأن يكون لديهم هذا الحس الجمالي عبر استخدام أي مكون تشكيلي من المكونات الموجودة بين أيديهم، ليكون بمثابة عنصر جمالي يضاف إلى حياتهم».
أما "تامر ضرغام" ثلاثة وعشرون عاماً فوجد أن الرسم بالحصا ينبغي أن تكون له أساسات علمية تدرس في معاهد وكليات معتبراً أن "صابوني" حقق فتحاً في هذا المجال وكسب خبرته بالتجربة الذاتية، وأوضح "ضرغام": «إن هذا النمط الفني يفاخر به كبار فناني الغرب عبر الرسم بالمسامير مثلاً، أو بالورق المقوى، أو بإضافة قشور الفاكهة إلى لوحاتهم من أجل الوصول إلى ألوان وتشكيلات طبيعية مئة بالمئة».
في حين يبين المحامي "سمير حمادة" أن الفن التشكيلي في سورية بات رائداً على كافة الصعد، ولا مانع في ظل هذا الواقع أن نرى بعض الشطحات الجمالية في استخدام مكونات الطبيعة في رسم الطبيعة ذاتها.